الثورة – هنادة سمير:
في عالم تتسارع فيه وتيرة الأعمال وتزداد فيه المنافسة، أصبح الحفاظ على بيئة عمل محفزة ضرورة استراتيجية للشركات والمؤسسات فبيئة العمل الإيجابية ليست مجرد مكان للجلوس وأداء المهام، إنما هي منظومة متكاملة تعززالإبداع، الإنتاجي، والانتماء المؤسسي، وتشكّل عنصراً جوهرياً في استدامة النجاح المؤسسي.
وتشير الدراسات الحديثة إلى أن بيئة العمل المحفزة تتميز بعدة عوامل رئيسية، أهمها: الشفافية في الإدارة، التقديروالمكافأة، التواصل الفعال، وفرص التطوير المهني حيث يشعر الموظف في مثل هذه البيئة بأن جهوده مرصودة ومقدرة، مما يعزز شعوره بالرضا والانتماء.
وفي حديثها لصحيفة “الثورة” تبين رنا شاهين الخبيرة في إدارة الموارد البشرية، أن “التحفيز في مكان العمل لا يقتصر على الحوافز المالية فقط، بل يشمل التقدير المعنوي، وتوفير فرص النمو المهني، وإشراك الموظفين في اتخاذ القرار. فعندما يشعر الموظف بأن صوته مسموع ومساهماته مؤثرة، يتحول من مجرد منفذ للمهام إلى شريك حقيقي في نجاح المؤسسة”.
بين الرضا والتحفيز
شاركنا عدد من الموظفين تجاربهم حول بيئة العمل في مؤسساتهم مؤكّدين أهمية الدعم المعنوي وفرص التطوير فتقول سلمى العابد الموظفة في قطاع الاتصالات أشعر بحافز كبير لبذل مجهود أكبر في عملي عندما يتم تقدير جهودي من قبل الادارة ، وعندما يتم تقييمي بشكل ايجابي مع نهاية كلّ شهر أسعى إلى تحسين أدائي وزيادة الإنتاج .
وتضيف أمل قاسم وهي موظفة في قطاع التعليم : المرونة في العمل ومنحنا الفرصة لتقديم أفكارنا ومقترحاتنا يعزز شعورنا بالانتماء، وعندما تكون المؤسسة حاضنة للأفكارالجديدة والإبداعية ، يزداد لدي الشغف لإنجاز مهامي بطرق أفضل.
في المقابل، يسلّط بعض الموظفين الضوء على التحديات التي تواجه بيئة العمل في بعض المؤسسات ، ويوضح سليم موسى ، العامل في إحدى القطاعات الخدمية :أحياناً أشعر بعدم التحفيز بسبب غياب التواصل الواضح من الإدارة وعدم وجود حوافز معنوية ملموسة و هذا يؤثر على معنوياتي ويقلل من حماسي لأداء مهامي اليومية كما يجب ويضيف: حتى المكافآت المالية من دون تقدير معنوي لا تعطي نفس الأثر، فالموظف يحتاج باستمرارإلى الشعور بتقديرجهوده.
أثرالبيئة
وترى الخبيرة شاهين أن الخبرة العملية تشيرإلى أن المؤسسات التي توفر بيئة عمل محفزة تسجّل معدلات أداء أعلى، وزيادة في الالتزام المؤسسي لأن الموظف المحفّز يكون أكثر إبداعاً ويستجيب بشكل أفضل للتحديات، مما ينعكس إيجاباً على نتائج الأعمال.
وتضيف : التحفيز المستمر يبني ثقافة تنظيمية قوية، ويحوّل مكان العمل إلى مجتمع متكامل، وعندما يشعر الموظف بالرضا، يمتد هذا الشعور إلى زملائه، فينتج عنه جو عمل إيجابي يدعم الابتكار ويحفز التعاون. كما أن الموظفين المحفزين يقدّمون أفكاراً مبتكرة تساهم في تحسين العمليات وتقليل الهدر وتحقيق الأهداف بشكل أسرع.
وتوصي الخبيرة شاهين بخطوات عملية لخلق بيئة عمل محفزة منها التواصل المفتوح والشفاف من خلال توفير قنوات اتصال واضحة بين الإدارة والموظفين لتعزيز الشفافية وبناء الثقة، بما في ذلك اجتماعات دورية ومنصّات تواصل داخلية لتبادل الآراء.
إضافة إلى التقدير والمكافأة من خلال الاعتراف بالإنجازات سواء كانت مالية أو معنوية، مما يزيد من ولاء الموظف ويحفزه على الاستمرار وبالعطاء كمنح شهادات تقدير أو جوائز شهرية للأداء المتميز على سبيل المثال
ومن الخطوات أيضا تطوير المهارات لدى الموظفين عن طريق تقديم برامج تدريبية مستمرة وفرص للارتقاء الوظيفي، بما في ذلك ورش عمل، دورات إلكترونية، وفرص للالتحاق بمؤتمرات متخصصة.
ومن الهام جداً منح الموظفين مرونة في أوقات العمل ودعم التوازن بين الحياة المهنية والشخصية بما يعزز الإنتاجية والرضا العام، ويقلل من الضغوط النفسية.
وأخيراً تعزيز روح الفريق وتشجيع العمل الجماعي والتعاون بين الموظفين الذي يزيد من الانتماء ويخلق بيئة داعمة للإبداع المشترك.
وتتابع شاهين : التجارب العملية والدراسات تؤكد أن المؤسسات التي تهتم ببيئة العمل وتضع استراتيجيات تحفيزية واضحة تحقق نتائج أفضل على المدى الطويل ، واعتبرت أن بيئة العمل المحفزة هي استثمار مباشر في رأس المال البشري الذي يشكّل العمود الفقري لأي مؤسسة ناجحة، فعندما يشعر الموظف بأن جهوده مرئية ومقدّرة، يتحول عمله من مجرد وظيفة إلى رسالة يسعى لتحقيقها بكلّ حماسة.
وتختتم شاهين حديثها بالقول: التحفيز المستدام يبني مؤسسات قوية، وموظفين ملتزمين، وأداءً مؤسسياً مستقراً.