الثورة – وعد ديب:
في خطوة تعكس تحولاً ملحوظاً في الخطاب النقدي، أعلن حاكم مصرف سوريا المركزي الدكتور عبد القادر الحصرية أن رفع القيود عن السحب بات هدفاً قريباً، ضمن سياسة جديدة تهدف إلى إعادة حرية المواطن في التصرف بأمواله، وتعزيز دوره كشريك في التنمية.
مشدداً على أن حرمان المودع من حقه المالي لم يعد مقبولاً في المرحلة المقبلة.
تصريحات الحاكم جاءت خلال مقابلة مع قناة الإخبارية السورية، حيث أوضح أن استراتيجية المصرف للسنوات 2025 – 2030 ترتكز على محورين أساسيين: استقرار النقد وتحقيق نمو اقتصادي متوازن، من خلال تفعيل دور الليرة السورية بوصفها صكاً للحرية المالية، لا مجرد ورقة نقدية.
وأشار إلى أن الليرة تمثل رمزاً للسيادة والعمل والإنتاج، وأن الحفاظ على استقرارها هو أساس لبناء مستقبل اقتصادي وطني متين.
وفي هذا السياق، أعلن الحاكم عن تشكيل لجنة وطنية لإدارة حملة إعلامية تهدف إلى تعريف المواطنين بالعملة الجديدة وآلية استخدامها، في خطوة تهدف إلى تعزيز الثقة المجتمعية بالليرة، والحد من الاعتماد على العملات الأجنبية.
وأكد أن: “الثقة، ثم الثقة، ثم الثقة بالليرة”، هي الركيزة الأساسية في هذه المرحلة.
إصلاحات مطلوبة
في تعقيبه على التصريحات السابقة، اعتبر الخبير المالي والمصرفي الدكتور علي محمد، في تصريح خاص لـ”الثورة”، أن ما طرحه الحاكم يمثل توجهاً واضحاً نحو استعادة التوازن المالي، إلا أنه شدد على أن الانضباط المالي، رغم أهميته، لا يكفي بمفرده لتحقيق الاستقرار المنشود.
وأوضح أن معالجة التحديات النقدية تتطلب تضافر السياسات المالية والنقدية والاستثمارية، مشيراً إلى أن الاقتصاد السوري بحاجة إلى إصلاحات هيكلية تتجاوز الأدوات التقليدية للسياسة النقدية.
وحول موضوع رفع القيود عن السحب، لفت الدكتور علي، إلى أن هذه الخطوة يجب أن تُدار بحذر شديد، إذ إن القيود السابقة ساهمت في تراجع ثقة المواطن بالقطاع المصرفي، وإزالتها تتطلب إجراءات مرافقة تضمن الاستقرار المالي وتمنع المضاربة أو الضغط على السيولة.
وأشار إلى أن الثقة لا تُبنى عبر الحملات الإعلامية فقط، بل من خلال تحسين الواقع الاقتصادي الملموس، بما يشمل تعزيز القدرة الشرائية للمواطن، واستقرار الأسعار، ومرونة التعامل المالي.
كما تطرق إلى التحدي المرتبط بالكتلة النقدية الكبيرة خارج الجهاز المصرفي، والتي تُقدّر وفقاً لبيانات مصرف سوريا المركزي بأكثر من 40 تريليون ليرة سورية، مؤكداً أن إعادة هذه الكتلة إلى النظام المصرفي تحتاج إلى رؤية شاملة تتضمن محفزات واقعية مثل، أسعار فائدة مشجعة، وبيئة قانونية وجمركية وجبائية مناسبة، وكذلك بناء ثقة حقيقية بقدرة القطاع المصرفي على حماية أموال المودعين.
استقرار الأسعار أولاً
وفي قراءة أوسع لاستراتيجية المصرف، أكد الدكتور علي أن ضبط التضخم يجب أن يكون الهدف الأساسي، لأن استقرار الأسعار ينعكس على مؤشرات الاقتصاد كافة، من سعر الصرف إلى النمو والتصدير.
وبيّن أن أي خطة مصرفية لا ترتكز على إصلاحات إنتاجية وتجارية واستثمارية ستبقى محدودة الأثر مهما كانت طموحة على الورق.
بالمجمل، يمكن القول إن تصريحات حاكم مصرف سوريا المركزي، وبحسب متابعين للشأن الاقتصادي، تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها بداية لا نهاية.
فاستعادة الثقة تحتاج إلى أكثر من وعود، وتحرير التعاملات المصرفية يتطلب بيئة اقتصادية قادرة على امتصاص النتائج وتحويلها إلى فرص.
والمطلوب اليوم، وفقاً للخبراء، تنسيق فعلي بين السياسات المالية والنقدية والاستثمارية، بحيث تعود الليرة السورية إلى موقعها الطبيعي كرمز للاستقرار الاقتصادي، لا مجرد عنوان لحملة مؤقتة.