الثورة – علا محمد:
حين تتحرك السياسة بوعي جديد، تتحرك خلفها خرائط الاقتصاد، هكذا يقرأ أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق بـ “جامعة دمشق” الدكتور حسن مصطفى البحري عودة العلاقات السورية – السعودية، معتبراً أن تعيين السفير السعودي في “دمشق” ليس مجرد إجراء بروتوكولي، بل خطوة استراتيجية تعكس رغبة المملكة في إدارة دفة السياسة الإقليمية تجاه سوريا برؤية أكثر اتزاناً.
انعطافة جديدة
ويؤكد الدكتور البحري أن عودة التمثيل الدبلوماسي المرتفع بين البلدين تشكل مقدمة لتحولات اقتصادية أوسع، إذ يُتوقع أن يسهم السفير السعودي الجديد، بصلاحياته الواسعة في فتح قنوات تعاون فعلي، وربما في تفكيك العزلة الدولية عن سوريا تدريجياً، بما ينعكس إيجاباً على الأوضاع المعيشية.
ويرى أن هذا التقارب، الذي جاء بعد التغيرات السياسية في سوريا أواخر عام 2024، يمثل نقطة انعطاف في المشهد الإقليمي، ويُنظر إليه كعامل أساسي لتعزيز الاستقرار وإحياء التعاون العربي عبر بناء شراكات اقتصادية وأمنية جديدة، ومعالجة جذور الأزمات التي أنهكت المنطقة.
استقرار يعيد التوازن
ويتابع موضحاً أن آثار هذا التقارب تمتد لتطال الإقليم بأسره، إذ يسهم في احتواء الفوضى ومواجهة اقتصاد الحرب وشبكات التهريب، وإعادة ترتيب البيت العربي ضمن رؤية جديدة للأمن الجماعي.
فالتقارب السوري – السعودي بحسب تحليله، يعيد تعريف الدور الإقليمي للمملكة بوصفها قوة ضامنة للاستقرار العربي، ويضعها في موقع القائد لإعادة تركيب المنظومة الإقليمية من خلال أدواتها الدبلوماسية والاقتصادية، كما يبين أن هذه الخطوة تهيئ بيئة أكثر ملاءمة للحلول السياسية في المنطقة، فاستقرار سوريا بات مدخلاً رئيسياً لحل ملفات مزمنة، بينما أسهم الدعم السعودي للحكم الجديد في دمشق في إقناع واشنطن برفع العقوبات الدولية، فاتحاً الباب أمام عودة سوريا التدريجية إلى المجتمع الدولي وتعافيها الاقتصادي.
توازن جديد
وبحسب رؤية البحري، لا يقتصر أثر هذا التقارب على العلاقات الثنائية، بل يشكل رافعة لتوازنات جديدة تحدّ من النفوذين الإيراني والتركي في الساحة السورية، وتعيد التأكيد على الهوية العربية لسوريا، بما ينعكس استقراراً على دول الجوار، وخاصة لبنان والأردن.
هذه الديناميكية الإقليمية تمنح سوريا فرصة لاستعادة موقعها في المنظومة العربية من بوابة الاقتصاد، لا من بوابة الصراع.
اقتصاد ينتظر الانطلاق
ويؤكد أن البعد السياسي سيُترجم إلى نتائج اقتصادية ملموسة، إذ تسهم الاستثمارات السعودية والخليجية في تحفيز التعافي الاقتصادي السوري، مشيراً إلى أن هذه العلاقة المستعادة يمكن أن تخلق فرص عمل واسعة، وتدفع عجلة القطاعات الاستراتيجية كالكهرباء والطاقة والإسمنت والاتصالات، ما يسهم في تحقيق استقرار طويل الأمد وتحسين البيئة الاستثمارية، ويمنح الاقتصاد السوري دفعة ثقة تعيد إليه المستثمرين العرب والدوليين، كما ستنعكس هذه الشراكات إيجاباً على الواقع المعيشي للمواطنين من خلال تحسين الخدمات الأساسية وزيادة الدخل الفردي.
تحديات أمام الشراكة
ورغم هذا المشهد الإيجابي، يحذر أستاذ القانون من التحديات الداخلية التي ما تزال قائمة في سوريا، مثل ضعف البنية التحتية وغياب التشريعات الجاذبة للاستثمار وضرورة تعزيز الشفافية الحكومية، كما ينوه إلى مخاطر الفساد والبيروقراطية التي قد تعرقل المشاريع، إضافة إلى بقاء بعض العقوبات الدولية التي تحدّ من حرية العمل التجاري والمالي.
غير أن تجاوز هذه العقبات، بحسب قوله، ممكن عبر إدارة رشيدة وتنسيق مؤسسي يضمن فاعلية التنفيذ ويُطمئن المستثمرين.
آفاق مفتوحة
ويختتم الدكتور حسن البحري رؤيته بالتأكيد أن التقارب السوري – السعودي يمضي بخطوات ثابتة نحو مرحلة أكثر نضجاً، حيث تسعى الرياض إلى تشجيع مستثمرين دوليين آخرين لدخول السوق السورية ضمن استراتيجية أوسع تهدف إلى ترسيخ الاستقرار الإقليمي وبناء خط دفاع عربي يمنع عودة الفوضى إلى المنطقة.
ويرى أن نجاح هذه المرحلة مرهون بقدرة الطرفين على تحويل الدفء السياسي إلى مشاريع حقيقية تدفع عجلة الاقتصاد وتؤسس لبيئة تنموية مستدامة.