ثورة أون لاين-بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
لم يكن مفاجئاً أن توظف أميركا التلويح بالانسحاب من سورية للابتزاز، بحكم ما بات معروفاً من سياق التجربة مع إدارة الرئيس ترامب، الذي يدير الولايات المتحدة الأميركية ومعها العالم بعقلية الشركة وبمفهوم الربح والخسارة،
وأن تكون المواقف السياسية مجرد تجارة يستطيع أن يحقق من خلالها صفقاته الرابحة حتى اللحظة بالمفهوم التجاري البحت وبالصيغة السياسية التي ابتدعتها إدارته.
لكن أن يرهن الجيش الأميركي ويحوله إلى جيش من المرتزقة، حسب توصيف الإعلام الأميركي، فالمسألة تجاوزت الحدود التقليدية، ليأخذ النقاش بعداً أكثر خطورة في تحديد معايير العمل الأميركي والسياسة التي تنتهجها إدارة الرئيس ترامب، في وقت تبدو فيه التصدعات داخلها وخارجها أوسع بكثير مما هو متداول، وأخطر مما هو معهود، بدءاً من التغييرات الصادمة وطريقتها داخل البيت الأبيض.. وليس انتهاء بالمقاربات التي تحاول أن تلجم ما يجري على مستوى العلاقة بين مؤسسات الحكم الأميركي وأذرعها الموازية، مروراً بمشهد التناقض الحاد بين القرار الأميركي وسلطاته التنفيذية، التي تطرح جميعها إشكالية الدور الأميركي من منظور الهيمنة وحالة الاستلاب التي تنتهجها.
فتاريخ أميركا متخم بجيوش المرتزقة التي أنشأتها على مدى عقود طويلة، ويبدو أن الرئيس ترامب لم يفرق بين الاستخدام الأميركي لهذه الجيوش وبين أن يحوّل الجيش الأميركي ذاته إلى جيش يعمل بالأجرة لمن يدفع أكثر، حيث تنحسر مسوغات المخاطر التي يتعرض لها الأمن الوطني والقومي، والتي شنت أميركا تحت هذا شعارها العشرات من حروبها المدمرة في المنطقة وخارجها، وكانت تكفي الإشارة إليه كي يتم تجيير العالم الصديق منه والخصم.. الحليف مع العدو مترافقاً بسيل من حالات الاستلاب تحت هذه الذريعة.
اليوم يفتتح ترامب عهداً جديداً في مبررات الحروب والذرائع التي يقودها، حيث يكفي أن يوجد من يدفع كي يشن حروبه وأن يقدم خدمات جيشه، الذي بنت أميركا باعتداءاته على شعوب العالم ودوله مجدها العسكري وتالياً السياسي وما يمليه من طقوس الهيمنة والاستلاب، وهو ما يدفع الأميركيين إلى التساؤل بجدية عن المآل الذي وصلت إليه المقاربة الأميركية حين تغوص في أوحال المطامع والصفقات وحسابات الربح والخسارة، وهو مشهد بدأ يضغط على الأميركيين بمستويين أساسيين، الأول: يتمثل بمراكز القوى السياسية التي كانت تستند إلى القوة العسكرية الأميركية لتبرير سياساتها أو لفرضها بمعنى أصح، والثاني: على مستوى المؤسسات الأميركية التي تجد نفسها جزءاً لا يتجزأ من صفقات ترامب، بل في بعضها كانت شاهداً وقرينة على مصير الكثير منها.
الأدهى ما تفتحه شهية الصفقات من مقارنات يجريها الأميركيون قبل سواهم، انطلاقاً من الصفقات الخليجية وليس انتهاء بصفقة القرن وما تخفيه، حين باتت مجمل الحياة الأميركية قائمة على مفهوم «الصفقة» ليس في السياسة فقط، بل أيضاً على نطاق المبازرة في الوصول إلى المنافع الاقتصادية، وما تفرضه من مؤشرات على سقوط مريع لآخر جيوب المعايير الأميركية، وتضع الأميركيين أمام تحديات لا سابق لها، تبدأ من الدور والوظيفة والمهمة، ولا تنتهي بالتوصيفات كـ»شرطي العالم»، مروراً بدَرَك عرض الخدمات العسكرية للبيع بشروط العرض والطلب والمساومات الرخيصة على الأمن والاستقرار العالمي، باعتبارها قوة منفلتة يقودها مهووس في سياسة الصفقات، ويلوح بأكبر جيش في العالم يقاد بمفهوم المرتزق ومقدم الخدمة.
التصدعات في جدار الصورة الذهنية عن أميركا والتشظيات الناتجة تتوالى تباعاً على وقع ما هو أخطر من خلال الاصطفافات القادمة في العلاقة مع الأميركي، حيث كثير من الدول التابعة التي بنت وجودها ومصيرها على مهمات وظيفية بدأت تتلمس جبهاتها، والدول المتحالفة مع أميركا ليست بأفضل حال من سابقاتها، وما طرحه الرئيس الأميركي على السعودية للدفع سيكون ذاته على المتحالفين الإقليميين وجودياً مع أميركا، والأمر ذاته ينسحب على المتحالفين معها أوروبياً، وحتى في شرق آسيا، حيث مقياس الدفع ومعاييره ستكون سارية على العلاقة في المدى المنظور، والقواعد الأميركية المنتشرة في أوروبا وبعض دول المنطقة لن تكون من دون ثمن، ولائحة الخدمات الأميركية المدفوعة الثمن ستطول أكثر مما يظن الكثيرون.
a.ka667@yahoo.com