رؤوس عدة غادرت وبيت ترامب بدأ يتآكل من الداخل, فقرارات ترامب اعتبرت ثورة في مفاهيم الحكم الأميركي أو ربما انقلاباً على الدولة العميقة التي دأبت حسبهم على ترويض سياسات الرؤساء داخل معادلة الموازنة بين المصالح ومجموعات الضغط وصنّاع القرار، فما السبب وراء استقالة أكثر من 30% من فريق ترامب في أقل من سنتين؟ فهل يقود ترامب فعلاً حرباً على صقور الولايات المتحدة بين حملات سياسية وإعلامية مضادة من خلال إصراره على تنفيذ وعوده الانتخابية بأي ثمن؟ وهل يكون الثمن عزله أو حتى ملاحقته قضائياً كما يراهن كثيرون؟
الدولة العميقة في واشنطن هي التي تضع السياسات الداخلية والخارجية لأمريكا وتتحكم بكل شيء بحجة الأمن القومي للأمة وضرورات الاقتصاد، وهي من تملك القرار النهائي حول اختيار رئيس للولايات المتحدة الأمريكية وتضع له البرامج والأجندات وتمول حملاته الانتخابية.
وهي أيضاً حسب رأي محللين التي تقوم بتطويع أو تركيع أو حتى عزل الرؤساء في حال خروجهم عن أجندتهم التي وضعوها.
من هنا يطرأ سؤال : ما الذي يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية؟
واضح أن تناوب حزبين، الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري على مدى مئتي عام تقريباً على الحكم قد شكل ما نسميه الدولة العميقة، التي لا تفسح المجال أمام التطور في لحظة من اللحظات لأنها تتكلس مفاصلها ولا تصبح قادرة في أي حال من الأحوال على التجديد.
هنا نقطة الخلاف أو ربما الصراع بين ترامب والدولة العميقة منذ وصوله إلى السلطة فهو يحاول أن يواجه الدولة العميقة وأن يصنع لغة أخرى للعمل السياسي، لغة مخالفة لما اعتاد عليه الأمريكيون لسنين طويلة، لذلك أطاحت الدولة العميقة لترامب في البداية بـ»ستيف بانون» مستشاره في الأمن القومي، وبدأت تطيح بالتدريج بعناصره الأساسيين.
ترامب حاول أن يرفع التهمة عنه ببعض الاستعراضات الإرهابية التي قام بها، والتي جعلت البعض ينعته بالمجنون، والبعض الآخر بالمغامر, وآخرون رأوه أنه غير صاحب رؤية استراتيجية. في كل مرة يحاول ترامب أن يأخذ فسحة من الوقت لاتخاذ أي قرار يخص دولته تخرج له الدولة العميقة وتحاول أن تكون رابوصاً عليه، فالصراع قائم بين الدولة العميقة وحكم ترامب.
بناءً على ما سبق نتساءل هل ترامب مجرد مستثمر لأمريكا أم رئيس، بمعنى من يرسم السياسات الخارجية للولايات المتحدة الامريكية؟
تكشف الكاتبة جانيس ج. تيري من خلال كتاب ألفته بخصوص من الذي يتحكم بسياسة أمريكا الخارجية فقالت: إنه لا يخفى على أي متابع أو مراقب معرفة حجم أثر جماعات الضغط الخاصة أو ما يعرف «باللوبي الإسرائيلي»، وهم من يتمتعون بروابط وثيقة مع البيت البيضاوي وصقوره على وجه الخصوص، فهم من يدير دفة وتوجهات السياسة الاميركية بالشكل الذي يخدم مصالحه الخاصة بغض النظر عن الدمار الذي سيسببه بالعالم حسب رأي الكاتبة.
واللوبي الإسرائيلي والمعروف بـ»إيباك» هو من يعد ثاني أكبر قوى ضغط بالمجتمع الأمريكي وتأسس بموجب إحدى لوائح القانون الأمريكي الذي صدر عام 1964م، والذي يسمح بموجبه للجماعات والأقليات بتأسيس ما يعرف باللوبي لمتابعة مصالحهم بالولايات المتحدة الأمريكية بشكل قانوني ونظامي.
من ناحية أخرى وجدنا أن اعلان سحب ترامب قواته من سورية أحدث هزة في هرم البنتاغون، فبعد يوم واحد على إعلانه الانسحاب أعلن وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس استقالته من منصبه. ماتيس الذي حذّر من أن انسحابا مبكرا من سورية قد يكون خطأ استراتيجيا فادحا، فقال في رسالة بعث فيها لترامب:» إنه يتنحى حتى يتمكن ترامب من تعيين وزير دفاع له فكر يتوافق مع أفكاره».
قبل لحظات على توزيع البنتاغون رسالة ماتيس غرد ترامب تغريدة أعلن فيها أن وزير دفاعه سيتقاعد في نهاية شهر شباط.
إنها ليست المرة الاولى التي يصطدم فيها البنتاغون مع قرارات ترامب فقد اصطدما سابقاً حول مواضيع متعددة منها الاتفاق النووي مع إيران الذي انسحب منه ترامب في أيار من العام الماضي بينما دافع البنتاغون عن أجزاء منه.
تزامناً الحديث عن سحب الوجود العسكري الأميركي في سورية وغيرها من الدول، ما هي ملامح الاستراتيجية الأمريكية حالياً؟
الولايات المتحدة الامريكية لم تغير استراتيجيتها بل غيرت فقط أدوات تحقيق هذه الاستراتيجية، فهي تحاول الآن فقط من أن تخفف الوجود العسكري على الأرض وتعتمد على ما يسمى الوجود الفاعل وهو القواعد العسكرية الموجودة في العراق والخليج وفي المحيط الهندي.
زينب العيسى
التاريخ: الجمعة 25-1-2019
الرقم: 16894