لكـي ينجـح الاتحـاد الأوروبــي .. علــى بريطانيـا المغــادرة!

 

إن فشل المملكة المتحدة في فهم العطاء والطلب من الاتحاد الأوروبي يعني أن هذه العلاقة كانت دائماً محكوماً عليها بالفشل.
تؤكد رئيسة الوزراء مارغريت تاتشر البريطانية السابقة في خطابها الذي ألقته قبل ثلاثين عاما أمام جمهور دولي في كلية أوروبا في بروج أنها وحتى وقت قريب كانت تعتقد أن أفضل طريقة للخروج من هذه الفوضى في الاتحاد الأوروبي هي ببساطة محاولة التأكد من عدم حدوثها, لكن ما حصل خلال الشهر الماضي يعكس مزاجاً مختلفاً في بروكسل ويوصل إلى نتيجة مختلفة تماماً بأنه حتى يزدهر الاتحاد الأوروبي، يجب على بريطانيا الرحيل فالأساس المنطقي بسيط « Brexit» سواء الآن أو في المستقبل غير البعيد.
خروج بريطانيا أمر حتمي بسبب مطالبة لندن بشروط مستحيلة لعضويتها في المنظمة المجتمعية القائمة على الحل الوسط، وعمادها المساومة، والتي يمثلها الاتحاد الأوروبي الحديث. وحتى في أثناء محاولتها الخروج، لاتزال بريطانيا تتجادل حول «الخطوط الحمراء» التي هي من صنعها.
بريطانيا تتمتع بالفعل بمكانة فريدة في الاتحاد الأوروبي وهذا يثير استياء العديد من الدول الأعضاء بالنسبة لأمور كثيرة منها الانسحاب من اليورو، واتفاق شنغن حول السفر بدون جواز سفر، وميثاق الحقوق الأساسية، وعلى أي تشريع أوروبي متعلق بالحرية والعدالة والأمن، تم التفاوض عليه من قبل رؤساء الوزراء البريطانيين المتعاقبين.
بيد أن غضب الدبلوماسيين الأوروبيين من الاسلوب الذي لايزال يصور به هذا الوضع في بريطانيا ويعتبر كتسلل لدولة عظمى للاتحاد الأوروبي.
رئيس وزراء لوكسمبورغ، كزافييه بيتل، وصفه على أفضل وجه عندما قال إن البريطانيين «دخلوا في الكثير من عمليات الانسحاب، وهم الآن في الخارج ويريدون الكثير من عمليات الانسحاب». هذه الحالة غير ممكن تحملها من أجل تماسك الاتحاد الأوروبي في المستقبل؛ وهذا يبطئ عملية صنع القرار، ويجعل وضع أهداف ذات معنى أمراً يصعب تحقيقه ويعمل بمثابة مكابح للإصلاح الهادف.
من المنظور الاقتصاد السياسي والسياسي، Brexit هو ضرورة حتمية ومنذ خطاب مارغريت تاتشر الشهير في بروج عام 1988 حيث رسمت رؤية لأوروبا استندت إلى «التعاون الراغب بين الدول ذات السيادة»، وكانت بريطانيا والاتحاد الأوروبي مثل الزوجين اللذين يعيشان حياة منفصلة بشكل متزايد.
والخطأ هنا مشترك عاشت بريطانيا – الأكثر ملحوظة في ظل حزب العمل في الفترة من 1997 إلى 2010 – الأسطورة القائلة بأن المملكة المتحدة يمكن أن تكون لها عضوية الاتحاد الأوروبي ولكنها تقف بمعزل عن تطورها. رفضت بروكسل الاعتراف بأن كل الحب الحقيقي قد مر منذ فترة طويلة.
ومثال جيد على سوء فهم المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبي على مستوى أساسي هو المواقف البريطانية تجاه مسألة الحدود الايرلندية والدعم، الذي تم تصميمه لمنع إعادة رسم الحدود الصعبة بين إيرلندا وإيرلندا الشمالية، لا علاقة له بمحاصرة المملكة المتحدة في ترتيب دائم ولا يسعى إلى تفكيكها.
تُظهر النظرة البريطانية الواسعة النطاق للموقف عدم الثقة العميقة في مؤسسات الاتحاد الأوروبي ودورها في حماية مصالح الدول الأعضاء والحفاظ على مستوى متكافئ.
ومثال آخر هو «خصم» بريطانيا الشهير من مساهماتها في الميزانية إلى الاتحاد الأوروبي. لو تم تغيير Brexit بطريقة ما، لن يكون هناك أي دعم بين الدول الأعضاء الأخرى لاستمرار هذه التخفيضات.
على الرغم من عدم الإبلاغ عنها في بريطانيا، فإن المفاوضات الحالية في بروكسل لفترة الميزانية التالية (2021- 2027) تتقدم بسرعة. وسيقابل هذا النقص (12 ملياراً – 15 مليار يورو) الناتج عن خروج بريطانيا مساهمات أكبر من الدول الأعضاء الأخرى. سيتم تخصيص المزيد من الأموال للمناطق ذات الأولوية الناشئة مثل مراقبة الحدود والبحث والتطوير وتغير المناخ.
بريطانيا لم تتفهم أبداً أن المساهمة في ميزانية الاتحاد الأوروبي ليست صفقة تجارية، وإنما هي الاستثمار في السلام والاستقرار والنمو على عتبة داركم. والحقيقة هي أنه من دون بريطانيا، يصبح الأداء الداخلي للاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الموافقة على إنفاق الأموال، أكثر سهولة.
وهنا يكمن بيت القصيد بالنسبة لبريطانيا. إن نموذج تقاسم السيادة والنموذج القانوني للتكامل الذي يجسده الاتحاد الأوروبي لا ينجح إلا لأن الدول الأعضاء ترى فوائد أكبر وأحيانًا لا تحصى للعضوية.
قد تكون الحجج المستعرة على الهجرة سمة من سمات مؤتمرات القمة الأوروبية في بروكسل. قد تتخذ المفوضية الأوروبية هنغاريا أو بولندا مهمة ترميم الإصلاحات التي تهدد الديمقراطية.
لكن هنا يكمن جوهر المشكلة بالنسبة لبريطانيا, إن نموذج تقاسم السيادة والنموذج القانوني للتكامل الذي يجسده الاتحاد الأوروبي لا ينجح إلا لأن الدول الأعضاء ترى فوائد أكبر وأحياناً لا تحصى للعضوية.
الحجج المستعرة على الهجرة قد تكون سمة من سمات بريطانيا اليوم – من أبراج مدينة لندن اللامعة إلى حقول الفحم الصدئة في الوديان الويلزية – هي صورة مصغرة للتحديات التي تواجه جميع القوى ما بعد الاستعمارية. لكن في حين ترى فرنسا وألمانيا التكامل الأوروبي كآلية لتأمين السلام وتعظيم دورهما العالمي، فإن علاقة بريطانيا الفاشلة مع الاتحاد الأوروبي تظهر أنها لا تزال تبحث عن التعبير الصحيح عن مكانها في العالم.
ويبقى المستقبل مكتوباً، لكن بالنسبة لبريطانيا وأوروبا، هناك حل واضح: عدم إطلاق اللوم يليه الاحترام والصداقة.
بقلم إيوان دريا
The Guardian

 

ترجمة زينب خليل درويش
التاريخ: الجمعة 25-1-2019
الرقم: 16894

 

 

 

آخر الأخبار
"التسليف الشعبي" لمتعامليه: فعّلنا خدمة تسديد الفواتير والرسوم قواتنا المسلحة تواصل تصديها لهجوم إرهابي في ريفي حلب وإدلب وتكبد الإرهابيين خسائر فادحة بالعتاد والأ... تأهيل خمسة آبار في درعا بمشروع الحزام الأخضر "المركزي": تكاليف الاستيراد أبرز مسببات ارتفاع التضخم "أكساد" تناقش سبل التعاون مع تونس 10 مليارات ليرة مبيعات منشأة دواجن القنيطرة خلال 9 أشهر دورة لكوادر المجالس المحلية بطرطوس للارتقاء بعملها تركيب عبارات على الطرق المتقاطعة مع مصارف الري بطرطوس "ميدل ايست منتيور": سياسات واشنطن المتهورة نشرت الدمار في العالم انهيار الخلايا الكهربائية المغذية لبلدات أم المياذن ونصيب والنعيمة بدرعا الوزير قطان: تعاون وتبادل الخبرات مع وزراء المياه إشكاليات وعقد القانون تعيق عمل الشركات.. في حوار التجارة الداخلية بدمشق بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة تفقد معبر العريضة بعد تعرضه لعدوان إسرائيلي الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944