الثورة – هلا ماشه:
أعلنت لجنة التحقيق في أحداث السويداء، برئاسة القاضي حاتم النعسان، عن تقدم ملموس في أعمالها، مؤكدةً حياديتها واستقلاليتها التامة عن أي سلطة، ومشددةً على أن التحقيقات لا تخضع لأي ضغوط أو إشارات سياسية.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عُقد اليوم الأحد في دمشق، لعرض أحدث مستجدات التحقيقات التي جرت بعد الاشتباكات العنيفة التي شهدتها المحافظة في تموز/يوليو 2025.
وقال النعسان إن اللجنة أوقفت عدداً من العناصر الذين ظهروا في مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي وهم يرتكبون انتهاكات، وقد أُحيلوا إلى وزارتي الدفاع والداخلية، اللتين قدمتا الدعم الكامل لإنجاز التحقيقات.
وأضاف أن اللجنة أجرت مقابلات مع الناجين والمتضررين، وحققت نتائج إيجابية من خلال توثيق أكثر من 800 إفادة رسمية، وجمع الأدلة لضمان سلامتها القانونية أمام القضاء.
وأوضح رئيس اللجنة أن بعض أفراد الجيش ارتكبوا الانتهاكات من تلقاء أنفسهم ودون أوامر رسمية، مؤكداً عدم وجود مقاتلين أجانب بناءً على إفادات أهالي السويداء، ومشيراً إلى أن رفع اللجنة أسماء جميع المتورطين إلى القضاء يؤكد جدية الدولة السورية في المساءلة، حيث جرى تحرير عدد من المختطفين وإطلاق سراحهم.
كما أكدت اللجنة حرصها على الحفاظ على سرية المعلومات وأقوال الشهود لحمايتهم، واستعمال أدوات التحقيق الجنائي الميدانية، والتأكد من صحة الأدلة الرقمية التي انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي.
وقد مارست اللجنة عملها بشفافية دون أن تتعرض لأي ضغوط.
وأشار القاضي النعسان إلى أن لجنة التحقيق تعمل وفق معايير الأمم المتحدة، وطلب في نهاية المؤتمر تمديد فترة عمل اللجنة لمواصلة مهمتها، خصوصًا في ظل حساسية الأوضاع في السويداء التي تعد جزءاً أصيلاً من النسيج السوري. وقال النعسان: “ما شهدته محافظة السويداء في تموز 2025 من أحداث مؤسفة طالت الأرواح والممتلكات العامة والخاصة ومن تهجير قسري وما سبقه وما تبعه من خطاب الكراهية الذي يمثل انتهاكات جسيمة، لا يمكن التعامل معها بمعالجات شكلية أو سياسية بل بتحقيق فعال يستوفي المعايير القانونية الواجبة”.
وكان المتحدث الرسمي باسم اللجنة، عمار عز الدين، قد أشار في وقت سابق إلى أن المؤتمر سيعرض منهجية عمل اللجنة والخطوات التي نفذتها خلال الأشهر الثلاثة الماضية بالمعايير القانونية، إلى جانب استعراض الخطوات القادمة.
من هي لجنة السويداء؟
وكانت وزارة العدل السورية قد شكلت في 31 تموز/يوليو، لجنة خاصة للتحقيق في أحداث السويداء، في أعقاب الاشتباكات العنيفة التي شهدتها المحافظة بين عشائر بدوية ومجموعات درزية محلية، والتي خلفت ما يزيد على 50 قتيلاً، ومئات الجرحى، بالإضافة إلى تدمير ممتلكات وتهجير آلاف السكان، وسرقة رواتب موظفين حكوميين، ما استدعى تدخلات دولية ورعاية اتفاقيات لوقف إطلاق النار في آب/أغسطس 2025، بالتعاون بين سوريا والأردن والولايات المتحدة.
يمثل عمل لجنة التحقيق خطوة مهمة تعكس جدية الدولة السورية في المحاسبة وإجراء تحقيق شامل وعادل يحفظ حقوق جميع المواطنين. اللجنة تستند في مهامها إلى القرار /1287/ لعام 2025 الصادر عن وزير العدل، وتحدد الإطار القانوني لعملها الذي يتمثل في القوانين الوطنية بالاستناد إلى نص المادة 51 من الإعلان الدستوري، إضافة للمعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية المصدّق عليها من قبل الجمهورية العربية السورية باعتبارها جزءاً من التشريع الوطني وفق نص المادة 18 من الإعلان الدستوري.
تشمل ولاية اللجنة النظر في هذه الجرائم والانتهاكات والإطار القانوني لها وفق قانون العقوبات السوري رقم 148 لعام 1949 واستناداً لنص المادة 12 من الإعلان الدستوري ويطبق مواد كل من القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الأربع والمادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف لعام 1949 مع الأخذ بالاعتبار مبادئ الإنسانية والضرورة والتمييز والنسبية.
وضعت اللجنة هذه المنهجية لأساليب عملها التي تتوافق مع المبادئ الأساسية الخاصة بتشكيل لجان التحقيق وفق معايير الأمم المتحدة والقانون الدولي. وتتمثل مهام اللجنة بكشف الملابسات والظروف التي أدت إلى الأحداث، وفتح تحقيق فعال وجاد في كل ادعاء بوقوع انتهاكات جسيمة وتلقي الشكاوى والأخبار عن الجرائم والانتهاكات التي تعرض لها المدنيون وتحديد هوية المشتبه بهم من مرتكبي هذه الانتهاكات والجرائم. وتتمثل مهام اللجنة أيضاً بتحديد المسؤولية الفردية عن الجرائم سواء كانت مسؤولية مباشرة أو غير مباشرة، وضمان عدم الإفلات من العقاب ومحاسبة كل من يثبت تورطه، وإصدار توصيات قانونية لضمانات عدم التكرار مثل هذه الأحداث والانتهاكات في أماكن أخرى في سوريا.
منهجية عمل اللجنة تقوم على عدم الإضرار، وعلى اللجنة أن تكفل وتعمل بكل حرص بعدم التسبب بفعل يؤدي إلى تهديد سلامة الشهود أو الضحايا وذويهم أو موظفيها أو معلوماتها أو عملها، كما يجب أن يسهم عمل اللجنة في مسار يعمل على المصالحة الوطنية بين أطراف النزاع.
تقوم منهجية اللجنة أيضاً على الاستقلالية حيث لا يقبل أعضاء اللجنة أثناء أداء عملهم أي تعليمات من أي سلطة كانت أو من أي شخص كان، ويعقدون جلساتهم بصفتهم المهنية وفق الصلاحيات المنوطة بهم في اللجنة، ويلتزم الأعضاء بالمنهجية التي أقرتها اللجنة بأن يقوموا بمهامهم بكل تجرد ونزاهة.
من منهجية اللجنة أيضاً الحياد حيث تكون مهامها مرتكزة على ولايتها بالتحقيق في الانتهاكات المزعومة من جميع الأطراف بنفس القدر من الشمولية والدقة والمهنية دون محاباة أو تفضيل لطرف على آخر.
الأعمال المنجزة خلال الأشهر الثلاثة الماضية شملت التحقيق الميداني من زيارة مواقع الاعتداءات وتوثيقها باستخدام أدوات التحليل الجنائي الميداني حيث انتقلت اللجنة إلى مواقع تجمع الوافدين في عدة مناطق بأرياف دمشق وإدلب والسويداء ومحافظة درعا، إضافة إلى عدد من المشافي، وجمع الأدلة المادية وحفظها بما يضمن سلامتها أمام القضاء، فضلاً عن تحديد أنماط الهجوم ومسارات الاعتداء وتوصيفها قانونياً.