الثورة – علي إسماعيل:
لم تكن العلاقات السورية–الأميركية في يوم من الأيام على الشكل الذي تبدو عليه الآن، فقد اتسمت على مدى عقود بالعدائية والتقلبات وعدم الاستقرار، ووصلت إلى حد التصادم المباشر وغير المباشر، متأثرة بالانزياحات السياسية التي شهدتها المنطقة وفق صراع الأقطاب الدولية حينها، بدءاً من الحرب الباردة مروراً بالصراع العربي–الإسرائيلي وظلال القضية الفلسطينية، وليس انتهاءً بالثورة السورية عام 2011.
العلامة الفارقة ونقطة التحول الكبرى في العلاقة السورية–الأميركية كانت خلال زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى واشنطن ولقائه الرئيس دونالد ترامب، بغض النظر عمّا سبقها من إجراءات واتصالات بعد التحرير مباشرة.
الزيارة، بالعرف السياسي، كانت إحدى أولى مؤشرات التحول الاستراتيجي في نظرة واشنطن إلى دمشق.
فالسياسة الأميركية التي أعادت برمجة أساليب التواصل السياسي وتعريف نقاط القوى الإقليمية، رأت في دمشق الجديدة، التي انتقلت من سياسة المحاور إلى سياسة القرار الحر، الشريك الأمثل لإعادة بناء التحالفات وفق معايير المصلحة المرنة بعيداً عن العقائدية السياسية المتحجرة.
وقد أجرى الرئيس الشرع لقاءً مع نظيره الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض يوم الاثنين 10 من تشرين الثاني/نوفمبر، واستمر نحو ساعة ونصف، وكان مغلقاً دون حضور الإعلام، وضم كلاً من وزير الخارجية ماركو روبيو، ونائب الرئيس جيه دي فانس، ووزير الخارجية السوري أسعد الشيباني.
وعقب اللقاء، أشاد الرئيس ترامب بالرئيس الشرع، وقال إن الماضي القوي للأخير سيساعده في إعادة إعمار بلده الذي دمّرته الحرب، كما أكد أنه يريد لسوريا النجاح بعد الحرب التي استمرت أكثر من عقد، معرباً عن اعتقاده أن الشرع “قادر على تحقيق ذلك”.
العلاقة السورية – الأميركية:
من القطيعة إلى الشراكة تنطلق المقاربات الأميركية السياسية تجاه سوريا من اعتبارها نقطة ارتكاز في أي تشكيل جيوسياسي مستقبلي، خاصة أن المنطقة تشهد توجهاً دولياً متصاعداً يهدف إلى تثبيت الاستقرار والحفاظ على وحدة الأراضي السورية في إطار رؤية جديدة لإعادة تشكيل توازنات الشرق الأوسط.
يتقاطع تحقيق الهدف الأميركي السابق مع المصلحة الوطنية السورية، لذلك يتطلب الأمر البحث في صيغ أمنية واقتصادية وسياسية للتفاهم مع الدولة السورية.
وهو ما برز من لقاء الرئيس أحمد الشرع مع نظيره الأميركي دونالد ترامب في واشنطن، حيث حملت هذه الزيارة مؤشرات مهمة حول طبيعة المرحلة المقبلة وأعلنت بداية علاقة جديدة بين الولايات المتحدة وسوريا.
وأوضح الباحث والكاتب السياسي علي تمي، في حديثه لصحيفة “الثورة”، أن العلاقة بين دمشق وواشنطن كانت في أسوأ حالاتها خلال العقود الأربعة الماضية، إذ كانت سوريا مصنفة ضمن قوائم الدول الراعية للإرهاب وتُطبق عليها قيود وعقوبات.
وأضاف: “أما اليوم فهناك فتح صفحة جديدة بين دمشق وواشنطن، وبالتالي عودة للثقل السوري في المنطقة. وليس هذا فحسب، بل أعتقد أن الرئيس الشرع سيلعب دوراً محورياً في حل أزمات المنطقة وسيكون اللاعب الأساسي في تدوير زوايا الصراعات، سواء في العراق أو لبنان أو فيما يتعلق بالتنظيمات الداخلية المسلحة التي باتت خارج نطاق القانون”.
وأشار تمي، إلى أن مستوى العلاقة بين البلدين ينعكس على مستوى الدور السوري في المنطقة سياسياً واقتصادياً وأمنياً، ما يجعلنا أمام مرحلة جديدة من العلاقات السياسية والاقتصادية بين الطرفين.
وتعاملت الإدارة الأميركية الحالية مع القيادة السورية الجديدة بطريقة إيجابية اتخذت شكل خطوات عملية، منها اعتماد مجلس الأمن الدولي في 8 من تشرين الثاني/نوفمبر قراراً أميركياً برفع أسماء الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب من قائمة العقوبات الدولية، استناداً إلى قراراته 1267 و1989 و2253. وبذلك انتهى حظر السفر والتجميد المالي وحظر الأسلحة المفروض عليهما منذ عامي 2013 و2014.
وقد حظي القرار بتأييد 14 أصوات دون أي فيتو، وجاء في سياق جهود أميركية مكثفة لتطبيع العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024.
كما يتوافق القرار مع سلسلة خطوات سابقة، مثل رفع معظم العقوبات الأميركية في أيار/مايو الماضي، وإيقاف تنفيذ قانون قيصر لمدة 180 يوماً في حزيران/يونيو 2025، ثم تجديد الرفع مرة أخرى خلال زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى واشنطن، مع دعم إدارة ترامب لإلغائه نهائياً من خلال قانون الدفاع الوطني.
وكان منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، في الإدارة الأميركية السابقة، قد صرّح في 10 من كانون الأول/ديسمبر 2024 أن من مصلحة أمن بلاده القومي “أن تكون سوريا مستقرة”.
وذكر كيربي حينها أن الرئيس جو بايدن “على اطلاع دائم بشأن سوريا من فريق الأمن القومي”، وقال: “لا نريد أن يستغل داعش الوضع ويعود”.
كما قال وزير الخارجية الأميركي حينها أنتوني بلينكن: “ينبغي لجميع الدول أن تتعهد بدعم عملية شاملة وشفافة والامتناع عن التدخل الخارجي”، وأضاف: “تؤكد الولايات المتحدة دعمها الكامل للانتقال السياسي بقيادة سورية، وينبغي أن تؤدي عملية الانتقال هذه إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي يفي بالمعايير الدولية للشفافية والمساءلة”.
وتابع: “ستعترف الولايات المتحدة بحكومة سورية مستقبلية تنتج عن هذه العملية وتدعمها بالكامل”.
الاستثمارات الاقتصادية.. النفط والطاقة كمدخل لإعادة الإعمار
أرخت تداعيات التطور الكبير الحاصل في العلاقة السورية–الأميركية بظلالها على الاقتصاد كعنوان عريض وأداة رئيسية لإعادة دمج سوريا في النظام الدولي.
وقد برز ذلك في زيارتي الرئيس أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة، سواء إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين، أو في الزيارة الرسمية للقاء نظيره الأميركي.
وقد بدأت شركات أميركية كبرى دراسة فرص الاستثمار في قطاعات حيوية داخل سوريا، وعلى رأسها قطاعا الطاقة والنفط، ما يعكس انتقال العلاقات السورية–الأميركية إلى طور جديد من شأنه أن يترك آثاراً واضحة على خريطة المنطقة السياسية والاقتصادية.
وفي هذا السياق، يقول الباحث علي تمي: “بكل تأكيد، نجاح العلاقات السياسية ينعكس إيجاباً على العلاقات الاقتصادية، لأنها وكما يقال مربط الفرس في كل هذه التحولات. لهذا أعتقد أنه مع الوقت ستكون لدى واشنطن استراتيجية واضحة لاستثمار شراكاتها داخل سوريا ككل، وخاصة في منطقة شرق الفرات.
وهذا الأمر بحاجة إلى استقرار، وحتى الآن ما زالت قسد تتهرب من تنفيذ اتفاق 10 آذار، وبالتالي من المبكر الحديث عن بدء هذه الشركات عملها، ريثما يتم تسوية الوضع في شرق الفرات سواءً سلماً أو عبر الخيار العسكري”.
في 17 تموز/يوليو من العام الحالي، قال جوناثان باس، الرئيس التنفيذي لشركة “أرجنت” للغاز الطبيعي المسال، إن شركات “بيكر هيوز” و”هانت إنرجي” و”أرجنت” الأميركية تعمل على خطة رئيسية لقطاع النفط والغاز والكهرباء في سوريا، في شراكة تهدف إلى إعادة بناء البنية التحتية للطاقة التي تضررت جراء الحرب التي امتدت 14 عاماً، وفق ما نقلته وكالة “رويترز”.
وتعتزم الشركات المساهمة في أعمال الاستكشاف واستخراج النفط والغاز وإنتاج الكهرباء لدعم الاقتصاد، وذلك بعد أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في نهاية حزيران/يونيو نيته إلغاء العقوبات المفروضة على سوريا، بعدما التقى الرئيس السوري أحمد الشرع في أيار/مايو الماضي في العاصمة السعودية الرياض بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وفي أيار/مايو الماضي، وقّعت سوريا مذكرات تفاهم مع تحالف شركات “أورباكون” القابضة لتطوير مشاريع توليد طاقة بقيمة سبعة مليارات دولار، تشمل أربع محطات توليد طاقة بتوربينات غاز تعمل بالدورة المركبة، ومحطة طاقة شمسية بقدرة ألف ميغاواط في جنوب سوريا.
كما استقبلت الحكومة الجديدة طلبات لتأسيس نحو 500 شركة في مختلف القطاعات منذ بداية العام الحالي، بحسب وزير الاقتصاد والصناعة محمد نضال الشعار في تصريح سابق.
وفي 9 تشرين الثاني/نوفمبر، أكد حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية أن المرحلة المقبلة ستشهد انفتاحاً اقتصادياً واسعاً مع اهتمام أكثر من 22 شركة أميركية، بينها “فيزا” و”ماستر كارد” و”هاليبرتون”، بدخول السوق السورية والمشاركة في مشاريع الإعمار والطاقة والنقل.
وقال الحصرية في مقابلة مع قناة “الشرق” إن زيارة الرئيس السوري إلى واشنطن “ستعطي المناخ السياسي اللازم” للدفع بهذه الاستثمارات إلى البلاد، مضيفًا أن العلاقات مع الولايات المتحدة ستنعكس على اقتصاد سوريا وتفتح الباب أمام فرص اقتصادية واستثمارية جديدة، بعيداً عن المساعدات لتمويل عجز الموازنة أو تأمين ثمن القمح، ولن تكون “على حساب العلاقات مع دول أخرى”، مشدداً على أن “سوريا منفتحة على مختلف الدول”.
وكان الرئيس السوري أحمد الشرع قد عقد لقاءً في نيويورك مع ممثلي 40 شركة أميركية وعالمية كبرى، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في 28 أيلول/سبتمبر الماضي.
وتركز اللقاء على قطاعات الاستهلاك والطاقة والبنية التحتية والخدمات المالية، بمشاركة شركات كبرى مثل “بروكتر آند غامبل”، أكبر شركة لصناعة المواد الاستهلاكية في العالم، و”شيفرون” الأميركية للطاقة، و”كاتربيلر” المتخصصة في تصنيع المعدات الثقيلة.
وقال حينها الدكتور سامر الصفدي، عضو التحالف السوري–الأميركي، في حديثه لموقع “الجزيرة نت” إن اللقاء شهد مشاركة عدد كبير من الرؤساء التنفيذيين لأكثر من 30 إلى 40 شركة مدرجة ضمن قائمة فورتشن 500، التي تُعنى بتصنيف أكبر 500 شركة في الولايات المتحدة من حيث إجمالي الإيرادات.
بين الملفات الأمنية الداخلية والمفاوضات مع إسرائيل
أحد أبرز العناوين في زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى واشنطن كان دخول سوريا إلى التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”، والذي ترى واشنطن أنه عقدة الحل بالنسبة لسوريا قبل أي طرف آخر.
وبحسبة بسيطة للمكاسب التي تحققها الحكومة السورية من ذلك، يتضح أن ميزان الانضمام يرجح على ميزان الرفض.
الحكومة السورية، وبشكل رسمي، ستكون شريكاً رئيسياً في مكافحة الإرهاب، وبالتالي هناك سقوط طبيعي لشراكة أي كيانات خارج إطار الحكومة السورية مع التحالف الدولي ضد “داعش”، وانتهاء الدور الوظيفي لـ “قسد” ككيان مستقل، باعتبارها الكيان الوحيد الذي كان شريكاً للتحالف.
كما أن دخول سوريا إلى التحالف الدولي يقتضي بوجود عمليات تدريب وتنسيق بين الجيش السوري وقوات التحالف الدولي، الأمر الذي يشرعن وجود قوات التحالف الدولي في سوريا عسكرياً، وهو ما سيمنح واشنطن وحلفاءها ثقلاً سياسياً وعسكرياً ويبعد شبح عودة “داعش”.
وفي إطار هذا الحديث لا بد من التعريج على تأكيد مديرية الإعلام في رئاسة الجمهورية العربية السورية عدم صحة المعلومات التي وردت في بعض التقارير الصحفية عن وجود تعاون بين الرئيس الشرع مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيمي “داعش” و”القاعدة” منذ عام 2016، وأوضحت أن ما سبق لا يعدو عن كونها ادعاءات لا تمت إلى الحقيقة بصلة.
وأشارت المديرية إلى أن السيد الرئيس لم ينسّق أو يتعاون مع أي جهةٍ أجنبية في هذا الإطار، ولم تصدر عنه توجيهات تتعلق بذلك، مؤكدةً أن جميع القرارات والإجراءات المتخذة آنذاك جاءت بقرارٍ داخلي مستقل، دون أي تنسيق أو طلب من أي طرف خارجي.
ويرى الباحث علي تمي، أن انضمام سوريا إلى التحالف الدولي هو ثمرة من ثمرات نجاح الدبلوماسية السورية والعمل المتواصل خلال الأشهر الستة الماضية، وبالتالي فإن انضمام دمشق إلى هذا التحالف يسحب البساط شيئاً فشيئاً من تحت أقدام “قسد”، التي باتت تتلاعب بهذه الورقة للحفاظ على نفسها كلاعب لا يمكن الاستهانة به داخل المشهد السوري.
وهنا يأتي هذا المشهد ضمن مقاربة أميركية تسعى إلى منع أي تدخل خارجي في الشأن السوري وتعمل على تعزيز الاستقرار الداخلي ووحدة البلاد.
كما أن انضمام سوريا إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش” شكّل إحدى أدوات ترسيخ هذا الاستقرار، رغم أن الثورة السورية كانت – والدولة السورية اليوم – الجهة الأكثر فاعلية في مواجهة التنظيم وتفكيك مشروعه. وهذه المقاربات الأميركية تعني أن المبررات السياسية والأمنية لوجود “قسد” انتهت، ما يضع الأخيرة أمام خيار وحيد يتمثل في العودة إلى تنفيذ اتفاق آذار مع الدولة السورية، وهو الخيار الذي يحظى بدعم واضح من واشنطن والرئيس ترامب شخصيًا.
وكان قائد قوات “قسد” مظلوم عبدي قد قال يوم الثلاثاء في 12 تشرين الثاني/نوفمبر إنه أكد للولايات المتحدة التزامه بدمج القوات في الدولة السورية، موضحاً أنه أجرى مكالمة هاتفية مع توم باراك، المبعوث الأميركي إلى سوريا، بهدف مناقشة نتائج الاجتماع مع الرئيس أحمد الشرع في البيت الأبيض، والالتزام بتسريع دمج “قسد” في الدولة السورية. وأضاف: “نعمل بجد مع شركائنا وبالتنسيق الوثيق من أجل دفع التقدم نحو مستقبل أكثر ازدهاراً وأمناً لشعبنا في سوريا الموحدة”.
وبالطبع، فإن هذا المشهد الدولي يعطي أيضاً دفعة للمفاوضات مع إسرائيل فيما يتعلق بالمنطقة الحدودية، حيث يبدو أن جنوب البلاد ومنطقة السويداء مقبلتان على إعادة تموضع قد يجعل من ملفهما شأناً سورياً خالصاً خلال المرحلة المقبلة، وهو انعكاس لتحول جوهري في المقاربة الدولية لهذا الملف.
ويلفت الباحث علي تمي إلى أن تل أبيب تستخدم أدوات محددة لابتزاز دمشق، سواء في السويداء أو في شرق الفرات.
وبالتالي فإن تل أبيب تدفع باتجاه عقد اتفاق أمني مع دمشق وفق شروطها ومصالحها، وهو ما ترفضه دمشق التي تطالب بالانسحاب إلى ما قبل خط وقف إطلاق النار لعام 1974. ويعتقد تمي أن واشنطن تتدخل بشكل مباشر في هذا الملف، ويتوقع أن الاتفاق الأمني وفق مصلحة دمشق والإعلان عنه لن يطول.
إسرائيل تتعامل مع الأزمة السورية باعتبارها فرصة لتعزيز أمنها وإضعاف خصومها الإقليميين في آن واحد.
في المقابل، يؤكد الموقف السوري الرسمي تمسك الدولة بحقها في استعادة الجولان وجميع الأراضي المحتلة، غير أن القدرات العسكرية والسياسية المحدودة تجعل الرد السوري محصوراً في الإطار الدبلوماسي.
وقال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، يوم الخميس في 13 تشرين الثاني/نوفمبر، إن حكومته تسعى لتفادي التصعيد مع إسرائيل وتحاول الرد بالدبلوماسية على انتهاكاتها المتواصلة في أراضي بلاده.
وذكر الشيباني – في جلسة حوارية بمعهد “تشاتام هاوس” في لندن – أن إسرائيل تلعب حالياً دوراً سلبياً في سوريا، وهي غير راضية عن التغيير الذي حصل، وفق ما نقلته وكالة الأنباء السورية (سانا).
وأضاف أن إسرائيل واصلت انتهاكاتها في الأراضي السورية “لكننا لم ننجر إلى الاستفزاز وحاولنا الرد بالدبلوماسية”، وتابع: “لا نريد أن نكون طرفًا في أي حرب بالوكالة، ونريد الهدوء، ونسعى لتفادي التصعيد مع إسرائيل وتبديد مزاعمها بالتعرض للتهديد”.
في العاشر من أيلول/سبتمبر عام 2014، أعلنت الولايات المتحدة عن تشكيل التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”، ويضمّ التحالف الدولي 89 شريكًا، أبرزهم الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وكندا، وأستراليا، وتركيا، وإيطاليا، وبولندا، ودول خليجية مثل السعودية والإمارات وقطر والأردن والعراق، إضافة إلى الجامعة العربية، والإنتربول، و”الناتو” وكيانات أخرى.
وفي عام 2017 أعلن التحالف الدولي تحرير الرقة، معقل “داعش” في سوريا، لتتبعها خسارات دراماتيكية للتنظيم على يد التحالف وعمليات عسكرية قادتها تركيا شمال سوريا مثل عملية “درع الفرات”.
وقال وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى، في منشور على منصة “إكس” يوم الثلاثاء 11 تشرين الثاني/نوفمبر، إن الاجتماع اتسم بالود والصراحة والتطلع إلى المستقبل، مؤكداً أن الزيارة تُبشّر ببداية فصل جديد في العلاقات السورية–الأميركية وعودة سوريا الكاملة إلى الساحة الدولية.
وأوضح أن الجانبين ناقشا أيضاً دمج “قوات سوريا الديمقراطية” في الجيش السوري، وأن سوريا وقّعت مؤخراً إعلان تعاون سياسي مع التحالف الدولي لهزيمة تنظيم “داعش”، بما يؤكد دورها كشريك في مكافحة الإرهاب ودعم الاستقرار الإقليمي.
وكان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قد صرّح في 12 تشرين الثاني/نوفمبر، حول المحادثات التي أجراها في العاصمة الأميركية واشنطن، أنه ناقش مع المسؤولين الأميركيين الرؤية العامة لتركيا تجاه سوريا وفرص التعاون بين البلدين وسبل تنمية سوريا ووحدتها واستقرارها وأمن المنطقة، مشيراً إلى أن الأميركيين يدركون ضرورة وحدة سوريا وأن المشكلات في جنوبها وشمالها تهدد بتقسيمها.
السياسة الخارجية السورية
يُحسب لدمشق أنها تمكنت من تحقيق تراكم كمي ونوعي في العلاقات الدولية، وحجزت لنفسها موقعاً متقدماً لتكون عنصر توازن في المشهد الشرق–أوسطي.
فالدولة السورية أثبتت قدرة لافتة على إدارة شبكة شديدة التعقيد من التوازنات في علاقاتها الدولية بين الشرق والغرب، وواشنطن وموسكو وأوروبا والصين، معتمدة على سياسة خارجية متزنة وواقعية.
وكما نجحت هذه القيادة سابقاً في كسر القوالب التقليدية التي قامت عليها الجماعات والأيديولوجيات الكلاسيكية، وفي إعادة صياغة أساليب إدارة الحرب والقتال، فإنها اليوم تعود لتكسر القوالب السائدة في الدبلوماسية الإقليمية.
وكان الرئيس السوري أحمد الشرع قد قال رداً على سؤال لمجلة المجلة في 25 آب/أغسطس الماضي إن استراتيجيته هي “تصفير المشاكل وحل الخلافات”.
كما وجّه الرئيس الشرع رسائل طمأنة منذ اللحظات الأولى لتسلمه مهامه إلى العالم، بما يدعم دبلوماسية سوريا الجديدة التي تقوم على الحوار واستعادة الثقة مع الشركاء الإقليميين والدوليين، بعيداً عن المحاور والاستقطابات والتجاذبات السياسية.
ويقول الباحث علي تمي إن سوريا اليوم تتجه شيئاً فشيئاً لتكون لاعباً لا يُستهان به في المشهد الإقليمي والدولي، بحكم الديناميكية في اتخاذ القرارات. وهذا التحول لا شك أنه نتاج علاقة أخوية مع الدوحة والرياض، بالإضافة إلى العلاقات الاستراتيجية مع أنقرة.
وبالتالي، فإن ما تقوم به القيادة السورية الشابة من حراك سياسي وعقد لقاءات ماراثونية، سواء في واشنطن وقبل ذلك في موسكو ولاحقاً في لندن وبكين، ليس بالأمر السهل، بل هو جزء من معركة التحرير، وفيما بعد معركة النهوض والبناء، وبالتالي معركة إعادة سوريا سياسياً إلى موقعها الطبيعي بعد أن كانت معزولة ومهمشة طيلة العقود الماضية.
عملت سوريا على صياغة استراتيجية نوعية تقوم على تشبيك مصالح مراكز القرار السياسي العالمي، وفق خيوط تحسن التقاطها، معتمدة مبدأ توازن القوى وعدم الانحياز، بما لا يمس بالسيادة الوطنية والقرار المستقل. فقد ابتعد الرئيس أحمد الشرع وفريقه الدبلوماسي بسوريا عن أي ساحات صراع إقليمي أو دولي، ووضع البلاد في مسار الاستفادة من الفرص المتاحة لإعادة الإعمار والتنمية.
وتدرك القيادة السورية أهمية موقع سوريا الجيوسياسي كحلقة وصل بين آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، وتعلم أن التنافس الدولي على سوريا ليس جديدًا، لذلك انتهجت سياسة التوازن البنّاء بين واشنطن وموسكو وبروكسل وبكين لتحقيق مصالحها الوطنية في إعادة الإعمار وبناء الاقتصاد المدمر والاستفادة من فرص الاستثمار، دون تفريط بالسيادة أو الانجرار وراء المحاور. ولهذا أبدت الإدارة السورية انفتاحاً دبلوماسياً مصحوباً بوعي عميق، عندما تواصلت مع محيطها العربي والإقليمي عبر زيارات متبادلة، بما يؤكد التزامها ببناء علاقات سليمة مع مختلف الأطراف.
القدرة السياسية التي أظهرتها القيادة السورية الجديدة برزت منذ الأيام الأولى للتحرير، وما رشح عن اللقاءات الأولى مع الوفود التي قصدت دمشق كان بمثابة المدماك الأساس لبناء دبلوماسية ناجحة استطاعت تحقيق خروقات قلّ مثيلها.
ويُذكر أنه في زيارة هي الأولى لمسؤول أردني في 24 كانون الأول/ديسمبر 2024، التقى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بالرئيس أحمد الشرع، حيث دعا عقب اللقاء إلى منح الإدارة الجديدة فرصة لإعادة بناء البلاد، مشدداً على أهمية استقرار سوريا كعامل أساسي لأمن الأردن والمنطقة.
كما أجرى وزير الدولة بالخارجية القطرية محمد الخليفي لقاءً مع الرئيس الشرع، بحث خلاله العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون، إضافة إلى تقديم دعم قطري لتشغيل مطار دمشق الدولي. وجاء ذلك غداة لقاء وفد حكومي سعودي بالرئيس الشرع، في أول تواصل بين الإدارة الجديدة والرياض بعد سقوط الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024.
أما زيارة باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأميركي، إلى دمشق في 20 كانون الأول/ديسمبر 2024، وما تبعها من تصريحات إيجابية تجاه القيادة السورية، فقد فتحت الباب أمام قبول دولي واسع استثمرته القيادة السورية للمصلحة الوطنية، وبدأت بقطاف أولى ثماره اليوم.