الثورة- راغب العطية:
عكس مؤتمر “يوم حوار مع المجتمع المدني السوري “الذي احتضنه قصر المؤتمرات بدمشق أمس السبت، تحت عنوان “خطوة أولى نحو حوار منظم مع الحكومة السورية والاتحاد الأوروبي”، الاهتمامَ الأوروبي بمواصلة دعم السوريين، من أجل أن ينهضوا ويساهموا في بناء دولتهم، بعد سقوط النظام المخلوع، والأهم من ذلك أنه عكس اهتمامَ الحكومة ببناء شراكة حقيقية بينها وبين المجتمع المدني، قائمة على الثقة المتبادلة والشفافية.
وتُعَدُّ القضايا التي بحثها المشاركون في جلساتهم الحوارية، كقضية العدالة الانتقالية والمفقودين، وتمكين الشباب السوري، والبيئة ودور المجتمع المدني، ومشاركة المواطنين في الحوكمة وبناء المؤسسات، والتماسك الاجتماعي وصنع السلام، وكذلك الانتقال من المساعدات الإنسانية إلى التعافي والاستدامة، من أهم الملفات التي تواجه سوريا الجديدة، في ظل الإرث الثقيل الذي خلَّفه النظام المخلوع، على كافة الأصعدة.
وبكون حل الملفات التي تم بحثها في المؤتمر، يشكل الأساس الذي تنطلق منه البلاد، لبناء نفسها ومؤسساتها، فهذا يتطلب مشاركة جميع السوريين، بكل أطيافهم وانتماءاتهم الفكرية والعرقية، بعيدا عن التعصب والتطرف، بما يحقق وحدة سوريا أرضا وشعباً ومؤسسات، وينبغي أن تقوم هذه الوحدة على الثقة بمؤسسات الدولة، والالتزام بالشفافية والمشاركة في صياغة القوانين والتأكيد على سيادة القانون، وانخراط الفئات المهمشة تاريخياً في عمليات صنع القرار.
المجتمع المدني السوري ليس ظاهرة جديدةوقد أكد وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني أن المجتمع المدني ليس ظاهرة جديدة، بل هو امتداد لنقابات ومبادرات إنسانية وطلابية ومحلية، عملت في أصعب الظروف، واليوم يُعَدُّ مرآةً لنبض الشارع، وجسراً بين الدولة والمجتمع، وقال في كلمته بالمؤتمر: “إن الحوار المنظم يطلق الشراكة المتينة مع المجتمع المدني وشركائنا في الاتحاد الأوروبي”.
في حين جاءت كلمة وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، هند قبوات، لتؤكد من جديد أن الحوار هو بداية التغيير، لأن إعادة بناء سوريا لا تتم إلا من خلال شراكة متينة بين الدولة والمجتمع، مبنيةً على الاحترام والثقة المتبادلة، لافتةً إلى دور المجتمع المدني في بناء الدولة، من خلال مسؤولياته في التخطيط والتنفيذ والمساءلة بالتعاون مع الدولة والمنظمات الدولية، وإلى أنه الضامن لتحقيق العدالة والشفافية في البلاد.
وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين قد أعلنت في 17 آذار/مارس الماضي أن “يوم الحوار مع منظمات المجتمع المدني السوري من مؤتمر بروكسل 9، سيعقد في العاصمة السورية دمشق”.وأكدت فون دير لاين، خلال كلمتها أمام ممثلي الدول المانحة في مؤتمر “بروكسل حول سوريا”، والذي تمثلت فيه سوريا للمرة الأولى بشخص وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني، أنه “في سوريا القديمة، كان هناك دكتاتور يسيطر على جميع السلطات السياسية والاقتصادية، أما في سوريا الجديدة، فيمكن للسلطة أن تعود إلى من يستحقها، أي إلى الشعب السوري، وهذه هي المسألة التي يمكننا أن نساعد فيها”.
دعم الاتحاد الأوروبي
وقالت رئيسة المفوضية: “هنا في مؤتمرات بروكسل، استضفنا دائما ممثلي المجتمع المدني السوري من داخل البلاد وخارجها، وقد منع بعضهم من قبل نظام الأسد بسبب أفكارهم، لكن الآن، أصبح بإمكانهم أن يُسْمَعَ صوتهم، ويشرفني أن أعلن أننا نخطط هذا العام لعقد حوار المجتمع المدني لمؤتمر بروكسل في دمشق، لأن جميع السوريين يستحقون أن يتولوا زمام مستقبلهم بأيديهم”، بحسب تعبيرها.
فالاهتمام الأوروبي بتنظيم “يوم الحوار” داخل سوريا يعكس إرادة أوروبية بمواصلة الدعم للسوريين الذين عانوا كثيراً تحت نظام الأسد البائد، وقول نائبة رئيس المفوضية الأوروبية كايا كلاس أمس في مؤتمر “يوم حوار مع المجتمع المدني السوري” في دمشق: بعد عقود من “الدكتاتورية الوحشية”، أصبحت لدى سوريا الآن فرصة لإعادة بنائها، بما يعكس إرادة الشعب السوري، معتبرةً أن وجود مساحة مدنية آمنة ومستقلة وحيوية جزء أساسي من هذه العملية، بحسب وصفها.
وأكدت كلاس أن المؤتمر يتيح للسوريين التعبير عن آرائهم حول مستقبل بلادهم وإسماع أصواتهم، مشددةً على أن دعم الاتحاد الأوروبي لسوريا ليس مجرد أقوال، بل هو أفعال أيضا، وأن الاتحاد الأوروبي يقدم 2.5 مليار يورو كمساعدات لإعادة بناء سوريا.
وعن أهمية انعقاد المؤتمر في دمشق، قال السياسي والكاتب محمد ياسين نجار: إن انتقال انعقاد “يوم حوار مع المجتمع المدني السوري” من بروكسل إلى دمشق يُعدّ خطوة أوروبية مهمة، تحمل دلالات سياسية واضحة على تنامي الثقة بالدولة السورية وقدرتها على رعاية حوار وطني جامع ضمن بيئة مستقرة وآمنة، مشيرا إلى أن هذا الانتقال يعكس توجّهًا أوروبياً أكثر واقعية، يقوم على الشراكة مع المؤسسات السورية الرسمية، بما يعزز مفهوم السيادة الوطنية ويحدّ من السرديات الانفصالية التي تحاول بعض الميليشيات ومكونات ما دون الدولة الترويج لها.وفيما يتعلق بالشراكة بين الحكومة السورية والاتحاد الأوروبي، أوضح نجار في حديث خاص لـ”الثورة”، إن استضافة دمشق لهذا المؤتمر تشكل مؤشرًا إيجابيًا على إمكانية بناء مسار تعاون أكثر نضجاً، يعتمد على المصالح المشتركة، والتنمية، وتعزيز الاستقرار، وهو ما يخدم السوريين جميعًا، مؤكدا أن انعقاد المؤتمر داخل سورية يتيح معالجة القضايا المطروحة، من داخل المجتمع نفسه وبمشاركة مؤسساته، وهو ما يمنح أي مخرجات مصداقية أعلى وفرصة أكبر للتحول إلى خطوات عملية.
وشدد الكاتب السياسي على أهمية هذه الخطوة، وعلى ضرورة مأسسة الحوار الوطني عبر هيئات سورية مستمرة ومستقلة، لأن القضايا المعروضة تحتاج عملاً متواصلاً على المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية والتعليمية، وكوادر ومفكرين متخصصين، بما يضمن صون وحدة سورية ومنع أي محاولات خارجية لتمزيق نسيجها أو إضعاف دور مؤسساتها.
تأثيرات إيجابية
ويمثل هذا المؤتمر، وفق ما يراه المحللون، خطوة ذات دلالة رمزية سياسية مهمة بعد سنوات من الحرب، وله عدة تأثيرات إيجابية على صورة سوريا الدولية، من حيث أن هذا الحوار ينطوي على إشراك الاتحاد الأوروبي رسمياً في رعاية هذا الحوار، الأمر الذي يعطي دمشق غطاء دولياً، ويرسل برسالة مفادها أن الحكومة الجديدة تسعى إلى الشراكة مع المجتمع المدني السوري وإلى أنها تمد يدها لكل دول العالم المؤمنة بسوريا الجديدة.
فتنظيم الحدث داخل سوريا، وليس في بروكسل كما كان يحدث سابقاً، يعكس رغبة من الاتحاد الأوروبي في التقاء السوريين على أرضهم، مما قد يرمز إلى تحوّل في علاقة الاتحاد مع دمشق، كما تعكس المشاركة الواسعة من المجتمع المدني، أكثر من 500 مشارك، من مختلف الخلفيات العرقية والدينية، رسالةً أيضا بأن العملية شاملة لكل أطياف السوريين، وهذا بحد ذاته يمثل رؤية أوروبية لهذا الحوار كمنصة للأصوات السورية على المستوى الوطني والدولي، وهو ما يعزز فكرة التحول إلى الدولة التي تحتضن كل أبنائها.
يُشار إلى أن إشراك المجتمع المدني في إعادة بناء سوريا سياسيًا واقتصادياً واجتماعياً يعزز مصداقية الحكومة السورية أمام المانحين الدوليين، ويُظهر أن الدولة الجديدة مهتمة بإشراك المواطنين في عملية التحول المنشود.
ويعقد “يوم الحوار” عادة ضمن فعاليات مؤتمر بروكسل السنوي حول سوريا، في إطار دعم الاتحاد الأوروبي للشعب السوري، وهو يوفر منصة تفاعلية للحوار مع منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية العاملة في سوريا والعالم، ويهدف إلى تبادل وجهات النظر والخبرات والمساهمة في صياغة السياسات التي توجه الدعم الدولي.