الفيدرالية في سوريا.. وصفة فاشلة

الثورة – ترجمة ختام أحمد:

لقد كان التحول في سوريا استثنائياً بكل المقاييس، ففي الأشهر التي تلت الإطاحة بنظام الأسد المخلوع، شهدت البلاد رفع العديد من العقوبات الاقتصادية، بينما تصدّرت حكومتها الجديدة ورئيسها أحمد الشرع عناوين الصحف في أكبر المنابر العالمية.

لكن ثمة غيمة واحدة تلوح في الأفق: استمرار الدعوات إلى فيدرالية سوريا وإضعاف حكومتها الجديدة في جهود توحيد البلاد.

لا شك في أن قضية سوريا الفيدرالية قوية، بالنظر إلى تاريخ البلاد الحديث من الديكتاتورية والطائفية.

قاد حافظ وبشار الأسد، البلاد إلى نصف قرن من القهر وعقد من الحرب الأهلية.

مارست تلك الحرب وحشية ضد المجتمعات، المعارضة والمؤيدة للنظام على حد سواء، كما جلبت معها تنظيم “داعش” والإبادة الجماعية.

لم تدفع الأقليات ثمن آل الأسد فحسب، بل دفعه أيضاً كل من وقع ضحية هذه الحرب.

وقد تزايدت المطالب بالفيدرالية، لا سيما من الجماعات العرقية السورية التي تمتعت، منذ انطلاق الثورة السورية، باستقلال ذاتي جديد، ومن غير المرجح أن تتخلى عنه بسهولة.

وقد استمرت المفاوضات المطولة بين الحكومة وقوات سوريا الديمقراطية الكردية (قسد) من دون نهاية تلوح في الأفق.

لكن الفيدرالية السورية تكتسب زخماً أيضاً في الغرب، بتحفيز من وسائل الإعلام الإسرائيلية ومراكز الأبحاث البارزة في واشنطن.

ومن الممكن أن تضيع هذه التقاليد في الشرق الأوسط، وأن تشكل سوريا الفيدرالية حلاً قصير النظر، وببساطة، ساذجاً للتحديات التي تواجهها البلاد.

قد تُترجم الفيدرالية إلى حكومة أكثر تحفظاً في دمشق، لكن هذا التحفظ قد يُعيق الحكومة عن كبح جماح الجهات الخبيثة الأخرى في جميع أنحاء البلاد.

باختصار، قد تُسهم الفيدرالية ظاهرياً في استقرار البلاد، لكنها قد تُحقق ذلك أيضاً عبر حبس الشعب السوري في إقطاعيات معزولة وتعريضه للفساد والركود والطائفية المستمرة.

إذا أريد للحكومة السورية الجديدة أن تنجح، فعليها التركيز على تحقيق النتائج، وهذا يعني توفير الأمن، كما يعني أيضاً المساءلة والخدمات وإمكانية الوصول الفعال إلى الاقتصاد.

الدليل على ذلك واضح، هناك عدد قليل، إن وُجد، من الدول اللامركزية في الشرق الأوسط، وأقرب الأمثلة، العراق ولبنان، يُظهران أن تسويات ما بعد الحرب التي تُفضي إلى تقاسم السلطة بين المجموعات العرقية بعيدة كل البعد عن تحقيق السلام والنمو المستدامين.

إنهاء دورة عدم الاستقرار

إذا نجح الفيدراليون في حملتهم، فلن يُنهي ذلك العنف المستمر الذي يُولّد في سوريا؛ بل سينتقل مرتكبو العنف ببساطة إلى العصابات المنظمة والميليشيات المستقلة، وهي ليست عيباً في الدول الفيدرالية، بل سمة.

في العراق، لم تمكّن حكومة بغداد الفيدرالية المجالس المحلية والمجتمعات المدنية؛ بل تستخدم شبكة معقدة من الميليشيات شبه العسكرية المنظمة العنف لإدارة السياسة، والهيمنة على المنافسين، وقمع النشاط السياسي.

بالطبع، سيقترن عنف هذه الميليشيات بالفساد المستشري والخبيث، وستتفشى ظاهرة الابتزاز والرشوة والاحتيال مع استغلال أصحاب النفوذ المحليين وأمراء الحرب لمناصبهم للسيطرة على الاقتصاد والسعي وراء الريع من الشركات التي يسيطرون عليها.

وليس من قبيل المصادفة أن يُضاف إلى ضعف بيروقراطية الدولة العراقية مستويات مذهلة من الفساد تواصل خنق نمو البلاد. ويُقدّر البعض أن البلاد قد خسرت ما يصل إلى 300 مليار دولار من ثرواتها منذ عام 2003، وهو مبلغ يفوق الناتج المحلي الإجمالي السنوي لسوريا.

لا تستطيع الحكومة السورية تحمّل التنازل عن الموانئ المهمة على الساحل وحقول النفط في الشرق لمناطق تتمتع بالحكم الذاتي إذا كانت ترغب في توزيع الموارد بفعالية من أجل إعادة إعمار البلاد.

لكن الأهم من ذلك أن ضعف الحكومة السورية وعدم قدرتها على بسط نفوذها داخل حدودها سيترك البلاد عرضة لجيرانها.

هذا الواقع جلي في لبنان والعراق، ولكنه واضح أيضاً في سوريا.

تُظهر الحرب الأهلية أن الفصائل المستقلة ستُستدرج عاجلًا أم آجلًا إلى أيدي قوى أجنبية طموحة، مثل: إيران وإسرائيل، التي استخدمت الحرب الأهلية لتحقيق مصالحها الخاصة.

ويحاول بعض هؤلاء الجيران بالفعل استغلال الانقسامات الداخلية في البلاد لتحقيق مصالحهم الخاصة.

إن غرس الفيدرالية وتدوين الحوكمة المرقعة في سوريا بعد هذه الفترة الانتقالية يمكّن من استمرار خطر التدخل الأجنبي.

لا تستطيع سوريا تحمّل حرب أهلية أخرى، وبقدر ما ستكون الحكومة المركزية في دمشق غير مؤكدة وغير كاملة حتماً، فإن البديل أسوأ.
الطريق الوحيد للمضي قدماً أن الفيدرالية ليست الحل لإعادة إعمار سوريا، فهي لن تعزز العلاقات بين الأقليات، ولن تنمي التعاون الوطني، ولن تحفّز النمو والتجديد، ولن تعيد بناء اقتصاد البلاد أو بنيتها التحتية، ولن تقدم الرعاية الصحية، ولن تعالج الفساد، بل ستفاقمه.

قد تحمي الفيدرالية قلة محظوظة، لكنها ستفعل ذلك على حساب قوة سوريا، والدول الضعيفة في الشرق الأوسط ببساطة لا تنجو.

إذا أراد الغرب دعم سوريا الجديدة وانتقالها إلى دولة موحدة وسلمية ومزدهرة، فعليه العمل مع الحكومة الجديدة لا تخريبها.

يبدأ هذا بدفع الحكومة إلى اتخاذ خطوات جادة لإدماج الأقليات في حكومة مركزية، يكمن أفضل أمل لسوريا الآن في حكومة مركزية قوية بقيادة أحمد الشرع، ليس هذا بالأمر الجلل، ولكنه أزهى آفاق البلاد منذ عقود.

المصدر _ Eurasia review

آخر الأخبار
بين "داعش" و"قسد" وإسرائيل.. الملفات الأمنية ترسم ملامح المرحلة المقبلة المنطقة الصحية الأولى بجبلة.. نحو 70 ألف خدمة في تشرين الأول تفجير المزة.. هل حان وقت حصر السلاح بيد الدولة؟ عودة محطة بانياس.. دفعة قوية للكهرباء واستقرار الشبكة نحو شوارع أكثر نظافة.. خطوات جديدة في حلب حملات لضبط المخالفات وتعزيز السلامة في منبج.. والأهالي يلمسون نتائجها يوم بلا تقنين.. عندما تكون الكهرباء 24 على 24 تبريرات رفع أسعار خدمات الاتصالات "غير مقنعة"! إزالة الإشغالات في دمشق القديمة.. تشعل الجدل بين تطبيق القانون ومصالح التجار سياحة المؤثرين.. صناعة جديدة وفرصة لإعادة تقديم سوريا للعالم هطلات مطرية تسعف الخضار الشتوية بدرعا كيف تُبنى صورة بلدنا من سلوك أبنائها..؟ لماذا يعد دعم الولايات المتحدة للحكومة السورية الجديدة أمراً مهماً؟ تأخّر تسليم شهادات الثانوية العامة في حمص.. و"الامتحانات" توضح تجريبياً.. "مالية حلب" تبدأ العمل بتطبيق إلكتروني للحصول على "براءة الذمة" جودة المبيدات في مهب الاتهامات.. و"الزراعة" تؤكد سلامة إجراءاتها! سوريا تعود إلى المشهد الدولي وثقافةٌ تُبنى على ضوء الدبلوماسية الجديدة "الموارد المائية" بالقنيطرة تؤكد جاهزية مجاري الأودية و المسيلات إغلاق معامل صهر الرصاص في "الشيخ سعيد" بحلب منعاً لتلوث البيئة ساري عزام: طفل التوحد الذي واجه محاولات استغلال سياسية سابقة