الثورة:
لم تكن تلك اللحظة غافية تحت ظلال التوقعات، فالأشواك الناعمة كانت متأهبة تحت رماد وريقات الياسمين لتخفي في ظلها ما كانت تسعى إليه سيدة القصر، لا سيدة الياسمين ؟!.
ففي وقت اختلطت فيه القضايا الإنسانية بالسياسية، يبرز اسم الطفل السوري ساري عزام كرمز لمأساة أكثر من مجرد محنة فردية.
ساري، الذي يعاني من طيف التوحد، سبق وأن نشرنا عنه مادة سابقة على صفحات صحيفة الثورة أصبح حديث الساعة لفترة من الزمن بعد أن كشفت والدته عبير عيسى، في ديسمبر 2024، شهادتها الموثقة في مقابلة مصورة عن محاولات استغلال سياسية تعرض لها من قبل مكتب أسماء الأخرس زوجة الرئيس المخلوع.
تلك الحكاية التي تتجسد فيها البشاعة وقبح السياسية، وتطرح تساؤلات عن مغزى استغلال الأطفال وهدف النيات في أوقات الصراعات السياسية.
دناءة الطلب
وفي حديث لصحيفة الثورة: قالت فيه أم ساري: إن مكتب (أسماء الأسد) حاول فرض ضغوطات مختلفة على العائلة بهدف “استغلال” ابنها ساري، الذي يعاني من طيف التوحد، إذ لم تقتصر المحاولات على تهديداتٍ خفية فحسب، بل وصلت إلى عرض صفقات مالية ضخمة على العائلة، مع وعود مغرية بمنحهم “الفانوس السحري” من الأموال، في إشارة إلى المال الوفير الذي سيحصلون عليه مقابل تسليم الطفل.
ما يعكس فجور الطلب، وقباحة النفس لتلك السيدة التي خذلت غالبية السوريين بسلوكها المشين، ورغم جميع المغريات، رفضت العائلة التسليم لطلبات الجهات السياسية، وهو ما أدى إلى تعرض والد ساري للاعتقال مرتين، فضلاً عن التهديدات التي طالت العائلة بشكل عام.

حول التهديدات والتحقيقات
ذكرت أم ساري حجم المكالمات الهاتفية المشبوهة والتهديدات المستمرة، التي كان يتلقاها أفراد العائلة، من أشخاص يدّعون ارتباطهم بـ “مكتب أسماء الأسد” بالإضافة إلى محاولات لنقل الطفل إلى مراكز مجهولة، تثير علامات استفهام حول الدور الذي لعبته مؤسسات الظل في استغلال الأطفال على مدار السنوات من عمر الحرب.
لم تكن هذه الحادثة حسب رأي العائلة هي الوحيدة في هذا السياق، بل تكشف عن ظاهرة أكبر مرتبطة بقضية “خطف الأطفال” التي تعيشها سوريا في ظل استمرار النزاع بأشكاله المتعددة.
فالعديد من الأطفال الذين فقدوا أهلهم أو تم فصلهم عن عائلاتهم خلال السنوات الماضية أصبحوا ضحايا لتصفية حسابات سياسية ، ما يزيد من تعقيد قضية حقوق الأطفال في مناطق النزاع أينما وجدت في نطاق الجغرافية السورية.
الطفل ساري، أكثر من مجرد قضية سياسية
رغم أن القصة في إطارها العام والخاص تكتسب أبعاداً سياسية تهم المجتمع السوري بشكل عام ، إلا أن هناك بُعداً إنسانياً عميقاً يبرز في حياة ساري عزام نفسه.
هذا الطفل السوري ذو الثمانية أعوام ليس مجرد ضحية استغلال سياسي، بل هو موهبة فريدة تعد بمثابة فرصة لفهم أعمق للقدرات المعرفية للأطفال الذين يعانون من طيف التوحد.
ساري عزام، على الرغم من تحدياته، يمتلك مهارات معرفية مذهلة، فإضافة إلى تلاعبه باللغات وتعمقه في دراسة اللغات القديمة، مثل الهيروغليفية والمسمارية، يثبت ساري أن التوحد ليس عائقاً أمام التفوق العقلي.
بعدما سجلت اختبارات الذكاء نتائج غير مسبوقة، إذ وصل معامل الذكاء لديه إلى 134، ما يجعله واحداً من الأطفال الموهوبين الذين يتفوقون على 99بالمئة من أقرانهم.
المعركة من أجل الحقوق
وما يجذب الانتباه في هذا السياق، ليس فقط محاولات الاستغلال السياسي التي تعرض لها ساري وعائلته، وإنما الحاجة الماسة لدعم الأطفال الموهوبين من ذوي التوحد في سوريا.
ساري ليس مجرد حالة فردية، بل يمثل ضرورة ملحة لبناء بيئة تعليمية وصحية تحترم القدرات الفردية، وتتيح له ولكل طفل فرصة للابتكار والتعلم دون القوالب التقليدية التي قد تحصرهم.
في هذا الجانب تقول والدته :”ابني ليس مشروع إعجاز فردي، بل مشروع علمي وإنساني بحاجة لاحتضان، كل ما نطلبه هو بيئة تحفزه وتحترم طاقاته”.
إن فهم ساري عزام ليس فقط محاكمة لظروفه الشخصية، بل هو دعوة لإعادة التفكير في كيفية التعاطي مع الأطفال ذوي القدرات الفائقة في المجتمع العربي بشكل عام والسوري بشكل خاص.

متلازمة الطفل الموهوب
الدكتورة فتون عبد الله الصعيدي، الأختصاصية في رعاية المواهب والتفوق العقلي، قدمت تحليلاً علمياً لحالة ساري، ووصفتها بأنها “ليست مجرد موهبة فردية، بل ظاهرة معرفية تستحق الدراسة المتعمقة”، مبينة أن ساري يمثل حالة من “متلازمة الطفل الموهوب (Savant Syndrome)”، التي تتيح للباحثين فهم إمكانيات الدماغ البشري وحدوده الكامنة.
وأشارت إلى أن مواهب ساري تتراوح بين تميز في اللغات القديمة، والقدرة على حل معادلات في الفيزياء والكيمياء النووية، بالإضافة إلى قدرات موسيقية استثنائية.
وأوضحت د. الصعيدي أن ساري يظهر قدرة غير عادية على معالجة المعلومات وتخزينها، بفضل ذاكرته الخارقة، مشيرة إلى أن تفاعله مع الواقع حوله، وتفوقه المعرفي يمثل فرصة نادرة لفهم التداخل بين الذكاء العام والموهبة النوعية.
لعل ما وراء القصة من تساؤلات عن الحقوق والعدالة، في ظل حالة من التضامن الشعبي مع ساري وعائلته، تظل الأسئلة معلقة حول مستقبل هذه القضية وغيرها من القضايا الأخرى.
هل ستتخذ السلطات السورية خطوات فعلية لمحاسبة المسؤولين عن محاولات الاستغلال؟ وهل ستدفع القصة الرأي العام إلى المطالبة بتحسين بيئة رعاية الأطفال في سوريا؟.