الثورة – رولا عيسى
يشكّل انضمام سوريا إلى منظمة المقاييس والمواصفات للدول الإسلامية “SMIIC” التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، محطّة مفصلية في مسار إصلاح البنية التحتية للجودة، وخطوة ذات أبعاد اقتصادية وصناعية.
فالدولة التي عانت خلال سنوات الحرب من تراجع المواصفات، وضعف مراقبة الجودة، وتفاوت المعايير بين قطاع وآخر، تجد اليوم نفسها أمام فرصة لإعادة إدماج اقتصادها ضمن منظومة التقييس الإقليمي والدولي.

اعتراف دولي
يصف مدير عام هيئة المواصفات والمقاييس العربية السورية المهندس ياسر عليوي، الخطوة بأنها “اعتراف بدور هيئة المواصفات في تطوير البنية التحتية للجودة ودعم الاقتصاد الوطني في مرحلة التعافي”.
وأوضح عليوي في تصريح لصحيفة “الثورة” أن هذا الاعتراف يعد مهماً لثلاثة أسباب رئيسة: تعزيز حضور سوريا دولياً بعد سنوات من العزلة التقنية والمؤسساتية، وفتح قنوات تعاون مع أجهزة التقييس في الدول الإسلامية لتبادل الخبرات، خاصة في مجالات الصناعات الغذائية والدوائية والمنتجات الحرفية ذات الطابع المحلي، إضافة إلى توحيد المواصفات بما يسهل حركة التجارة البينية ويرفع قدرة المنتجات السورية على المنافسة في أسواق تضم أكثر من 1.8 مليار مستهلك.
القيمة الفعلية
في السياق ذاته، ترى الخبيرة الاقتصادية والتنموية الدكتورة زبيدة القبلان، أن أهمية الانضمام لا تكمن فقط في الانتماء المؤسسي، بل في كيفية تحويل هذا الانتماء إلى أدوات عمل داخل المصانع والورش وقطاعات الإنتاج.
وقالت القبلان لصحيفة “الثورة”: إن سوريا يمكن أن تحقق ثلاثة مكاسب رئيسة، أبرزها إعادة بناء الثقة بالمنتج السوري، الذي يحتاج اليوم إلى شهادة جودة موثوقة تسمح له بدخول الأسواق الإسلامية بعيداً عن التعقيدات الفنية، مشيرة إلى أن انضمام سوريا إلى “SMIIC” يمنح هذه الشهادة ثقلاً وقدرة أكبر على النفاذ التجاري.
ولفتت إلى أن المكاسب الأخرى تشمل تسريع التوافق مع المعايير الدولية، إذ إن معايير “SMIIC” ليست معزولة عن المواصفات العالمية (ISO)، وبالتالي فإن تطبيقها محلياً يختصر الطريق نحو انضمام سوريا مستقبلاً إلى منظومات أوسع.
كما تشمل المكاسب أيضاً تحفيز الاستثمار الصناعي، فالمستثمر الذي يفكر في إنشاء خط إنتاج داخل سوريا يحتاج إلى بيئة معايير واضحة وثابتة، وهذا الانضمام قد يشكل نقطة الثقة التي يحتاجها القطاع الخاص للعودة أو التوسع، وفق القبلان.

شروط النجاح
يقول الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي الدكتور محمد شعبان، لصحيفة “الثورة”: إن الخطوة بحد ذاتها ليست كافية، إذ يتطلب النجاح تحديث التشريعات الفنية، وربط المعايير المحلية بمعايير “SMIIC” تدريجياً، وإلغاء المواصفات القديمة المتجاوزة.
ويشير إلى أهمية بناء قدرات الكوادر الوطنية عبر التدريب والمشاركة الفاعلة في اللجان الفنية الدولية لضمان مواءمة المواصفات مع خصوصية الصناعة السورية. كما يؤكد ضرورة إشراك الصناعيين في صياغة المواصفات، لأن نجاح أي منظومة تقييس يبدأ من المصنع، ويجب أن يكون الصناعي شريكاً لا متلقياً فقط، إضافة إلى تطوير مخابر الاعتماد، معتبراً أنه لا قيمة لمعيار بلا جهة تحقق وتختبر وتمنح شهادات ثقة.
باب مفتوح
لا شك أن انضمام سوريا إلى “SMIIC” ليس مجرد انتساب لمنظمة، بل مؤشر على عودة الدولة إلى ساحة العمل التقييسي الدولي. وإذا ما أحسنت الحكومة استثمار هذه الخطوة عبر تحديث التشريعات، وتجهيز المخابر، وتمكين الصناعات الوطنية، فإن سوريا ستكون أمام فرصة حقيقية لإعادة بناء الثقة بمنتجها، واستعادة موقعها الطبيعي في الأسواق الإقليمية.
بهذا المعنى، يشبه الانضمام باباً مفتوحاً، لا تظهر قيمته الحقيقية إلا إذا عبرت سوريا من خلاله إلى إصلاحات أعمق تدعم الصناعة، وتخدم الاقتصاد، وتعيد للجودة السورية مكانتها المستحقة.
ما “SMIIC”؟ تعد منظمة المقاييس والمواصفات للدول الإسلامية “SMIIC” هيئة فنية تابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، تُعنى بتوحيد المواصفات القياسية بين الدول الأعضاء، وتعزيز منظومات الجودة والاعتماد، وتسهيل حركة التجارة البينية عبر الاعتراف المتبادل بشهادات المطابقة. وتعمل المنظمة على تطوير معايير صناعية وغذائية ودوائية وحرفية، إضافة إلى دعم قدرات الدول في مجال المخابر والتقييس، ما يمنح المنتجات نفاذاً أوسع في أسواق تضم أكثر من 1.8 مليار مستهلك.
والأسبوع الماضي، أعلنت وزارة الخارجية والمغتربين، إعادة تفعيل عضوية سوريا في “SMIIC”، بعد تعليقها أكثر من 12 عاماً، في خطوة تؤكد التزام سوريا بالمنظومة الدولية للمواصفات والجودة، وحرصها على تحديث بنيتها المؤسسية وفق أحدث المعايير العالمية، بما يخدم التنمية المستدامة ويعزز تنافسية الاقتصاد السوري.
