كيف تُبنى صورة بلدنا من سلوك أبنائها..؟

الثورة- تحقيق سعاد زاهر:

هل يكفي وجود المواقع الأثرية والفنادق الفخمة لجذب السائح؟، ألا تبدو الصورة الكلية للبلد المصاغة من خلال تراكمات تفاصيل صغيرة يعيشها السائح هي المقياس؟، كل تفصيل صغير، بدأ من الابتسامة، إلى الاحترام، إلى الأمانة في تقديم الخدمة، كلها أخلاقيات العمل السياحي المهمة، والتي يفترض بنا ترسيخها بدءاً من مقاعد الدراسة وصولاً إلى مختلف العاملين في القطاع السياحي.

هي ليست مجرد قواعد مهنية، بل من خلالها تُعاد صياغة الصورة الذهنية للبلاد في وجدان العالم، ويصبح كل موظف، وكل دليل سياحي، وكل مواطن سفيراً للهوية السورية.

في هذا التحقيق نغوص في كيفية صناعة الصورة الأخلاقية التي تعيد سوريا إلى قلب السياحة العالمية.

المناهج بلغة القيم

العمل السياحي رسالة قبل أن يكون مهنة، كما يؤكد د.مؤيد حاج صالح، عميد كلية السياحة، إذ يرى أن كل سلوك، وكل تعامل، وكل ابتسامة أو تصرف خاطئ يمكن أن يترك بصمة دائمة على الصورة الذهنية للبلاد في وجدان السائح العالمي.

وهنا تبدأ أهمية الأخلاقيات، ليس فقط كمعايير مهنية، بل كجسر يربط بين التاريخ والحاضر، بين الإنسان والزائر، وبين الصورة الواقعية والصورة الذهنية التي تنعكس على العالم الخارجي.

يتابع د. صالح حديثه قائلاً: ركيزة تلك الأخلاق تبدأ من مقاعد الدراسة “أول ما أعلّمه للطالب في كليتنا هو أن السياحة رسالة قبل أن تكون مهنة، من خلال الطالب نسهم في تكوين الصورة السياحية الحقيقية لسوريا عبر سلوكياته وأفعاله وممارساته الصحيحة، الاحترام، التعامل اللائق، والأداء المتقن هي أساسيات يجب أن نرسخها قبل أي اعتبار وظيفي”.

ويضيف عميد كلية السياحة:”أخلاقيات العمل السياحي تبدأ من احترام السائح، وتتسع لتشمل كل عناصر الخدمة، من المنتج السياحي، إلى السائق، إلى صاحب المطعم أو الفندق، إلى أي مكوّن من مكونات القطاع.

الالتزام بالأسعار الحقيقية، الفاتورة، الشفافية في تقديم الخدمات، كلها عناصر تشكّل صورة حقيقية وصادقة عن سوريا، أي مخالفة أو غش في هذا المجال يعطي صورة خاطئة، تؤثر على السياحة مستقبلاً، هنا، يتضح أن الأخلاقيات ليست مجرد قواعد مهنية، بل هي جسر لصياغة صورة ذهنية سليمة للسائح، تحمي البلد من الانطباعات السلبية التي قد تنتقل عبر الحكايات، الصور، أو حتى وسائل التواصل الاجتماعي، وتعيد بناء الثقة بين الزائر وبلاده المستضيفة.

صياغة الصورة الذهنية

حول إمكانية استخدام السياحة لإعادة بناء الصورة الذهنية لسوريا، يقول د. مؤيد: علينا أن نعيد صياغة الصورة السياحية في الوجدان العربي والعالمي، كلمة إعادة تعني دراسة السلبيات والإيجابيات للصورة الموجودة في العالم، ثم وضع خطة علمية لاستعادة الصورة الإيجابية لسوريا.

أول خطوة هي إعادة البنية التحتية السياحية بالكامل، الطرق، المواقع السياحية، الفنادق، كما يؤكد أن البنية التحتية وحدها لا تكفي، علينا أن نعمل على العلاقات العامة، والتسويق، وتصحيح الصورة الذهنية، فالسياح اليوم يزورون البلدان بناءً على صورة مسبقة عن الوجهة، وإذا كانت الصورة سلبية بسبب استغلال أو أسعار غير منصفة، فإن ذلك ينعكس على سمعة البلاد بالكامل.

المنهج الأكاديمي وأخلاقيات السياحة

د. محمود عبد القادر الغفري، نائب عميد كلية السياحة للشؤون الإدارية وشؤون الطلاب، يوضح كيف أصبحت أخلاقيات العمل السياحي جزءاً من المناهج الدراسية الجديدة، يقول: أدخلنا مادة مستقلة في المنهج الجديد لتعليم الطالب كيف يتعامل مع السائح، وكيف يفهم سلوكه، وما الأدوات التي يحتاجها لتقديم خدمة متقنة، من الاحترام الثقافي واللغوي، إلى الالتزام باللباس والسلوك المناسبين لكل نوع من السياحة.

ويشير الغفري إلى أن التدريب على الأخلاقيات لا يقتصر على الطلاب فقط، بل يشمل العاملين في الميدان السياحي، من المرشدين السياحيين إلى موظفي الفنادق والمطاعم، من الضروري أن يكون التعامل مع السائح متقناً وصادقاً، بعيداً عن أي محاولة استغلال، مع تقديم كل خدمة بإتقان وحرفية، لتعكس أفضل ما لدى بلدنا.

الوعي المحلي

من منظور آخر يربط الخريج فداء حسن بين أخلاقيات العمل السياحي والوعي المجتمعي، ليؤكد أن العمل السياحي هو واجهة البلد، يجب أن يشعر المواطن بأهمية السياحة، وأن يفهم أن سلوكه وتصرفاته تعكس صورة بلده.

من أنقرة إلى دبي

يستشهد د. مؤيد حاج صالح بتجارب تركيا والإمارات، التي نجحت في تحويل السياحة إلى صورة ذهنية قوية من خلال مزج الأخلاقيات المهنية مع البنية التحتية والتسويق الذكي، قائلاً: هذه البلدان طبّقت خلطة متكاملة من الالتزام الأخلاقي، الخدمة عالية الجودة، والتسويق الاحترافي.

سوريا تمتلك الموارد نفسها، المواقع السياحية نفسها، لكنها تحتاج إلى إرادة واضحة وإعداد متكامل من البنية التحتية إلى العلاقات العامة.

وهنا يظهر مرة أخرى أن الأخلاقيات استثمار طويل المدى في الصورة الذهنية والاقتصاد السياحي، ويؤكد فداء حسن أهمية تحويل الأخلاقيات إلى سلوك يومي على الأرض، وأن أخلاقيات العمل السياحي تمنح السائح تجربة تجعله يفكر بالعودة، وتوصي الآخرين بزيارة سوريا، الوعي السياحي، التعامل اللائق، عدم الاستغلال، كلها أدوات لتحويل النهضة السياحية إلى تجربة مستدامة.

في النهاية، السياحة في سوريا اليوم ليست مجرد قطاع اقتصادي أو مهنة، بل مشروع وطني وثقافي وأخلاقي، وأخلاقيات العمل السياحي هي حجر الأساس الذي يبني الصورة الذهنية، ويحوّل التجربة الفردية للسائح إلى رسالة عالمية عن بلد يعيد اكتشاف جماله وحضارته.

كل تصرف مهني صادق، كل احترام للزائر، كل تقديم خدمة شفافة وعادلة، هو بمثابة جسر من الأخلاق إلى الجمال، ومن الصورة الواقعية إلى الصورة الذهنية التي تستحقها سوريا.

إنها دعوة لكل طالب، لكل مرشد سياحي، لكل موظف في القطاع، ولكل مواطن، أن يكون جزءاً من هذه الرحلة، وأن يكون سفيراً لأخلاق بلده، ويدرك أن كل ابتسامة، وكل خدمة متقنة، وكل احترام للسائح، يترك أثراً لا يُمحى في وعي العالم عن سوريا.

آخر الأخبار
بعد زيارة الشيباني.. ماذا يعني انفتاح بريطانيا الكامل على سوريا؟ فيدان: ننتظر تقدّم محادثات دمشق و"قسد" ونستعد لاجتماع ثلاثي مع واشنطن وفود روسية وتركية وأميركية إلى دمشق لمناقشة ملف الساحل وقانون "قيصر" رغم نقص التمويل.. الأمم المتحدة تؤكد مواصلة جهود الاستجابة الإنسانية بسوريا بين "داعش" و"قسد" وإسرائيل.. الملفات الأمنية ترسم ملامح المرحلة المقبلة المنطقة الصحية الأولى بجبلة.. نحو 70 ألف خدمة في تشرين الأول تفجير المزة.. هل حان وقت حصر السلاح بيد الدولة؟ عودة محطة بانياس.. دفعة قوية للكهرباء واستقرار الشبكة نحو شوارع أكثر نظافة.. خطوات جديدة في حلب حملات لضبط المخالفات وتعزيز السلامة في منبج.. والأهالي يلمسون نتائجها يوم بلا تقنين.. عندما تكون الكهرباء 24 على 24 تبريرات رفع أسعار خدمات الاتصالات "غير مقنعة"! إزالة الإشغالات في دمشق القديمة.. تشعل الجدل بين تطبيق القانون ومصالح التجار سياحة المؤثرين.. صناعة جديدة وفرصة لإعادة تقديم سوريا للعالم هطلات مطرية تسعف الخضار الشتوية بدرعا كيف تُبنى صورة بلدنا من سلوك أبنائها..؟ لماذا يعد دعم الولايات المتحدة للحكومة السورية الجديدة أمراً مهماً؟ تأخّر تسليم شهادات الثانوية العامة في حمص.. و"الامتحانات" توضح تجريبياً.. "مالية حلب" تبدأ العمل بتطبيق إلكتروني للحصول على "براءة الذمة" جودة المبيدات في مهب الاتهامات.. و"الزراعة" تؤكد سلامة إجراءاتها!