مع إعلان إسرائيل اعترافها بما يسمى (المعارضة) الفنزويلية تغدو الصورة أوضح بعد أن بدأت الولايات المتحدة قبل أيام برسم خطوطها وملامحها الأساسية عندما وجه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو تحذيراته الى الحكومة الشرعية في فنزويلا بعدم استخدام القوة ضد من أسمتهم واشنطن بـ (المعارضين)، وذلك بعد ساعات من إعلان رئيس البرلمان خوان غوايدو التابع للمعسكر الأميركي نفسه رئيساً بالوكالة لفنزويلا، وكأن هذه الكلمات التي أطلقها وزير الخارجية الأميركي هي الشيفرة التي يتحول فيها الحراك الممنهج لأدوات أميركا وإسرائيل من حراك سياسي الى حراك مسلح ودموي ضد الحكومة الشرعية.
إن عودة سريعة يرافقها استحضار خاطف للتصريحات الأميركية في بدايات الحرب على سورية قبل نحو ثمانية سنوات، من شأنه أن يضعنا في فهم كامل وقراءة واضحة للسياسة الأميركية تجاه الدول والشعوب التي تعادي وترفض سياساتها الاستعمارية والامبريالية، ذلك أن تلك التصريحات ما تلبث أن تتكرر مع كل دولة تريد الولايات المتحدة تدميرها وضرب وحدتها الوطنية والجغرافية.
فعندما تقول الولايات المتحدة للحكومة الشرعية في فنزويلا إنه يجب عليها عدم استخدام القوة ضد من تسميهم (المعارضين) حتى قبل أن يتم استخدام أدنى درجات القوة معهم، فإن هذا يعني أن الأمور والأوضاع في تلك البلد في طريقها إلى التدحرج نحو الأسوأ بعد إعطاء الولايات المتحدة الإشارة لأدواتها على الأرض بالتحرك عسكريا ضد الدولة والشعب الفنزويلي.
المشهد الفنزويلي في طريقه الى التعقيد أكثر، وربما يتدحرج نحو التصعيد مع إصرار الولايات المتحدة على العبث بعناوينه وحوامله من خلال دعم انقلاب رئيس البرلمان الفنزويلي خوان غوايدو والاعتراف به رئيساً للبلاد وهي بذلك تبدو مستعدة لكل الخيارات التي من شأنها الدفع بفنزويلا نحو المجهول خصوصا بعد فشلها أمس الأول في تمرير مشروع إعلان في مجلس الأمن لتقديم الدعم الكامل لغوايدو.
التناغم الأميركي والإسرائيلي والأوروبي بدا واضحا جدا في سياق العبث بالمشهد الفنزويلي وهذا ما انعكس من خلال الضغط الأوروبي على حكومة الرئيس الفنزويلي مادورو للاعتراف بخوان غوايدو رئيسا للبلاد بعد أن أمهلته ثمانية أيام لإجراء انتخابات، وهذا ما رفضته كاراكاس جملة وتفصيلا معتبرة إياه أنه يندرج في سياق المؤامرة على فنزويلا.
وعلى ذات الضفة الأميركية والأوروبية فقد أعلن الكيان الصهيوني على لسان رئيس حكومته بنيامين نتنياهو أنه يعترف بـرئيس البرلمان الفنزويلي رئيسا للبلاد مضيفا أن (إسرائيل) تنضمّ إلى الولايات المتحدة ودول أوروبا، عبر الاعتراف بغوايدو رئيسا لفنزويلا.
بالمقابل كان الدعم الروسي والصيني واضحا لحكومة الرئيس مادرور وهذا تجسد واقعا من خلال تعطيل بكين وموسكو لمشروع الإعلان الذي اقترحته واشنطن، في ظل إعلان الرئيس فلاديمير بوتين دعمه الحكومة الشرعية في فنزويلا ورفضه الانقلاب والعبث بالمشهد الفنزويلي.
وفي سياق رد فنزويلا على التهديدات والضغوطات الأميركية والأوروبية قال الرئيس مادورو إن على الدول الأوروبية سحب مهلة الثمانية أيام لإجراء انتخابات مؤكدا أنه لا يمكن لأحد أن يعطي مهلة لفنزويلا لانها غير مرتبطة بأوروبا واصفا تلك التهديدات بالوقاحة التامة، وواصفاً تحركات الدول الأوروبية بـالخطأ.
كما قال وزير الخارجية الفنزويلي خورخي إرييزا إن بلاده لن تخضع للضغوطات والتهديدات الأجنبية من أجل إجراء انتخابات.
بكل تأكيد إن الأصابع الأميركية واضحة جدا في المشهد الفنزويلي، والأوضح من ذلك هي تلك الدمى الفنزويلية التي باتت تتحرك بأوامر أميركية بعد أن ارتضت أن تكون في القارب الأميركي الذي هو على وشك الغرق أصلا، وهذا ما يجعل من التهديدات الأميركية في منتهى الخطورة لجهة النوايا الأميركية المبيتة للحكومة والشعب الفنزويلي.
فؤاد الوادي
التاريخ: الثلاثاء 29-1-2019
الرقم: 16896