تحمل زيارة السيد الرئيس بشار الأسد إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية من حيث التوقيت والشكل والمضمون والهدف منها والمواضيع التي تم بحثها مع المسؤولين الإيرانيين وعلى رأسهم قائد الثورة السيد علي خامنئي والرئيس حسن روحاني معاني كثيرة ودلالات غاية في الأهمية، ليس أقلها التأكيد على العلاقة التاريخية المميزة التي تربط البلدين ومتانة وعمق التحالف الاستراتيجي الذي يجمعهما في مواجهة مختلف التحديات الإقليمية والدولية.
ففي التوقيت تأتي الزيارة في خضم مرحلة جديدة مهّد لها انتصار سورية وحلفائها على المشروع الإرهابي وداعميه ورعاته الإقليميين والدولييين، واضطرار محور دعم ورعاية الارهاب لتغيير تكتيكاته انسجاما مع المعطيات الجديدة، بحيث أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في كانون الأول الماضي عن سحب قواته من المناطق التي تحتلها شمال شرق سورية.
رغم المماطلة في تنفيذ قرار الانسحاب بسبب الضغوط التي يتعرض لها والحسابات الخاصة داخل مؤسسات صنع القرار الأميركي.
في حين عاد النظام التركي إلى اجترار مشاريعه القديمة بخصوص المناطق الآمنة، رغم انخراطه في مساري آستنة وسوتشي مع حلفاء سورية من أجل إنجاز حل سياسي، وهذا يعطي للزيارة قيمة مضافة إذ ينتظر أن تنعكس نتائجها على شكل مساعي إيرانية مكثفة على الخط التركي لإقناع أردوغان باستحالة تنفيذ أجنداته والعودة إلى مربع التفاهمات والالتزامات التي وقعها مع بوتين وروحاني.
أما في الشكل فهي أول زيارة للسيد الرئيس لإيران منذ بداية الحرب الارهابية على سورية، وأول زيارة من نوعها للخارج .
باستثناء زياراته لموسكو وسوتشي في إطار التنسيق الثنائي بخصوص الحرب وتطوراتها المختلفة مع الحليف الروسي ـ وهذا ربما يمهد لزيارات كثيرة من وإلى سورية في إطار إعادة العلاقات التي شهدت جموداً أو تراجعاً مع بعض الدول خلال سنوات الحرب بسبب الظروف الأمنية.
أما في المضمون فلا شك بأن السيد الرئيس قد بحث مع القادة الإيرانيين مجمل القضايا الاستراتيجية التي تهم البلدين وخاصة القضايا التي لا يمكن مناقشتها مع مسؤولين من مستويات أدنى وخاصة تلك التي لها طابع استراتيجي كالمقاومة ومسألة الصراع مع الكيان الصهيوني وكيفية الرد على اعتداءاته المتكررة على السيادة السورية وكذلك التهديدات الأميركية لإيران والتحالفات المعادية وسبل التعاطي معها والرد عليها سياسياً وعسكرياً.
وعلى الرغم من أن الزيارة جاءت في ذروة احتفالات الشعب الإيراني بالذكرى الأربعين لانتصار ثورته المجيدة، إلا أنها أعمق من مجرد زيارة للتهنئة ـ على أهمية مشاركة الإيرانيين فرحتهم بالمناسبة ـ ولا جدال في أنها حملت العديد من الرسائل التي تنشغل العديد من الجهات في المنطقة والعالم بتلقيها وتحليل مضامينها ورموزها.
أول الرسائل في زيارة الرئيس الأسد لإيران هي أن سورية بمؤازرة حلفائها في روسيا وإيران وحزب الله انتصرت على الارهاب وباتت بخير وتتجه للتعافي من آثار الحرب التي شنت عليها، والعودة لممارسة دورها على الصعيدين الإقليمي والدولي بشكل طبيعي، وأن الحرب التي اقتربت من نهاية عامها الثامن أشرفت على نهايتها حيث لم يبق سوى معركة وحيدة وشيكة لتحرير محافظة إدلب، وهي قاب قوسين أو أدنى حيث اكتملت كل الاستعدادات لها ولم يعد ثمة حاجة لانتظار النظام التركي كي يفي بوعوده والتزاماته، وأن إيران هي الحليف الأوثق لسورية وهي الداعم الإقليمي الأكثر قرباً والتصاقاً بها بحكم التحالف القائم بينهما في مواجهة الارهاب وكذلك في مواجهة أطماع الكيان الصهيوني والمشاريع الأجنبية التي تستهدف المنطقة وشعوبها.
ثاني الرسائل أن سورية تقف إلى جانب إيران في مواجهة التهديدات الأميركية والصهيونية لها كما وقفت إلى جانبها في الحرب على الارهاب وتدعمها في مواجهة الحملة الأميركية الصهيونية الشرسة التي تستهدفها، وهي جاهزة للتنسيق والتعاون معها في كل ما تقتضيه ظروف المرحلة القادمة مع انتقال محور العدوان إلى خطط بديلة بعد فشل خططه السابقة في تفكيك محور المقاومة وتمكين الارهاب من إضعاف سورية وإسقاطها في براثن المشروع الصهيوأميركي.
ثالث الرسائل أن التحالف القائم بين إيران وسورية في مواجهة الاعتداءات الصهيونية المتكررة مستمر وثابت ومستعد لكافة الاحتمالات، وهذا ما لفت إليه أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني من أن مواجهة هذه الاعتداءات ستشهد تطوراً نوعياً في المرحلة القادمة، وأن التهديدات الأميركية والإسرائيلية لن ترهب محور المقاومة ولن تحقق أياً من أهدافها على صعيد المطالبة بخروج المستشارين العسكريين الإيرانيين من سورية إلا عندما يرى الحليفان أن مهمتهم قد انتهت لأن هذا الوجود شرعي أضفته الحكومة السورية وهو في إطار محاربة الارهاب، وأن الاعتداءات الصهيونية لن تبقى من دون رد مناسب ورادع لها.
رابع الرسائل هي أن سورية وإيران ستواجهان الحصار الاقتصادي والإجراءات القسرية المفروضة على شعبيهما بالمزيد من الصبر والثبات إلى جانب رفع وتيرة التعاون والتنسيق والعمل المشترك، وقد جرى الحديث عن ضرورة إعادة اعمار ما دمرته الحرب واستعداد إيران الكامل للبدء بهذا المشروع، حيث تعطي سورية لأصدقائها وحلفائها وفي مقدمتهم إيران وروسيا الأفضلية والأولوية المطلقة في هذا الملف.
خامس الرسائل موجهة لأدوات واشنطن في الاقليم وخاصة أولئك الذين زحفوا إلى وارسو على نية استهداف إيران بأن لا فائدة ولا جدوى من كل مخططاتكم ومساعيكم لفصل إيران عن سورية لأن هذه العلاقة بينهما قوية وعميقة وراسخة وهي أمل المنطقة في التخلص من الهيمنة الأميركية والأطماع الصهيونية، وأن محور المقاومة هو الذي يملك زمام الأمور في المنطقة بكل ما يتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني وليس أولئك الذين يخدمون أجندة ترامب بخصوص التطبيع وتمرير صفقة القرن.
باختصار لقد استطاع الرئيس الأسد بحنكته المعهودة اختيار اللحظة المواتية لزيارة إيران وتوجيه الرسائل المناسبة من طهران في كل الاتجاهات، وليس هناك أدنى شك بأن المنطقة ستدخل مرحلة جديدة بعد هذه الزيارة وذلك تبعاً للطريقة التي سيتصرف بها كل طرف مقصود منها، ولاسيما أن المنطقة بالأساس تشهد تحولات كبرى يملك محور المقاومة وحلفاؤه النصيب الأكبر من رسمها وقطف نتائجها.
عبد الحليم سعود
التاريخ: الأربعاء 27-2-2019
رقم العدد : 16919