الثورة – ناديا سعود:
في يومه الثاني، واصل مؤتمر “الشمول المالي الرقمي” الذي ينظمه الاتحاد العربي للتجارة الإلكترونية أعماله في فندق الشام بدمشق اليوم، بمشاركة واسعة من خبراء محليين وعرب ودوليين، وناقش جملة من المحاور الاستراتيجية التي تضع أسس التحول الرقمي والمالي كركيزة للنمو الاقتصادي وإعادة البناء.
خصصت جلسات اليوم مساحة واسعة للحديث عن البيئة التمكينية للشمول المالي، والدور المحوري الذي يلعبه مصرف سوريا المركزي في تعزيزها عبر تطوير التشريعات وتحديث أدوات الدفع الإلكتروني، كما استعرض المشاركون التجربة الصينية الرائدة في هذا المجال، إلى جانب واقع الشمول المالي في الدول العربية، مسلطين الضوء على تجربة دولة الإمارات التي نجحت في بناء بنية تحتية متينة لدعم هذا المشروع، فضلاً عن التجربة العراقية التي جسدت أهمية البنى التحتية في ترسيخ الشراكة المالية،
وختم المحور بمناقشة متطلبات الشمول المالي لتعزيز استراتيجية التحول الرقمي في سوريا.
اقتصاد المعرفة والذكاء الاصطناعي
في محور اقتصاد المعرفة، تناول المؤتمر دور الذكاء الاصطناعي في دعم الاقتصاد المعرفي، وأهمية البيانات المفتوحة في تعزيز الشفافية والابتكار، كما بحث الخبراء دور التكنولوجيا في عصرنة الاقتصاد العربي، وناقشوا أثر التمويل الجماعي في خدمة المشاريع الناشئة وريادة الأعمال.
أما محور الخدمات المالية فقد ركز على عوامل نجاحها، وشدد الخبراء على أن التجارة الإلكترونية باتت خياراً أساسياً للتكامل الاقتصادي العربي، وتم التطرق إلى الشراكات بين المصارف السورية لتحسين كفاءة التمويل، إضافة إلى مناقشة تأثير الشمول المالي على النمو الاقتصادي بمقارنة بين تجربتي مصر والإمارات.
أهمية تفعيل نظام السويفت
المدير العام لشركة “أيزوريت” الدكتور معتز دالاتي، أكد في تصريح خاص لصحيفة الثورة أن التحول الرقمي يمثل حجر الأساس لتطور المجتمعات ونهوض الدول، مشدداً على أن تطبيقاته لم تعد مقتصرة على الجانب التقني فحسب، بل تشمل قطاعات اقتصادية ومالية وتجارية واسعة.
وأوضح أن إطلاق نظام SWIFT في سوريا، حال تفعيله، سيشكل خطوة نوعية في خدمة المؤسسات المالية والمصرفية، ولاسيما في مجال الدفع الإلكتروني، إذ يتيح سرعة وكفاءة في إنجاز العمليات المالية على المستويين المحلي والدولي، وأضاف: إن ذلك سيسهم في تعزيز التجارة الإلكترونية والتسويق الإلكتروني، بما يواكب الاتجاهات العالمية الحديثة.
وأشار د. دالاتي إلى أن التحول الرقمي لم يعد خياراً، بل أصبح ضرورة استراتيجية، كونه يوفر أرضية تقنية متطورة تسهم في بناء أنظمة مؤتمتة تخدم مختلف القطاعات، سواء كانت مالية أم صناعية أم تجارية أم زراعية، وقال: الشركات العالمية الكبرى اليوم لا تتعامل إلا عبر الأنظمة الرقمية، ومن هنا فإن الدفع الإلكتروني يمثل القاعدة الأساسية للانخراط في الاقتصاد الحديث.
كما نوه بالدور الفاعل لوزارة المالية في دعم مسيرة التحول الرقمي، إلى جانب غرف التجارة والصناعة والزراعة في سوريا، مؤكداً أن هذا التكامل بين المؤسسات يشكل الضمانة الحقيقية لإنجاح التجربة وتعميمها على مختلف المجالات.
وأكد ضرورة الاهتمام المستمر بتطوير البنية التحتية الرقمية وتوسيع تطبيقات الدفع والتسويق الإلكتروني، بما يمكّن سوريا من الانطلاق بخطا واثقة نحو الاقتصاد الرقمي، ومواكبة التطورات العالمية في هذا المجال.
دور الشركات الوطنية
مدير مديرية التسويق في شركة سورس كود سامي المنجد، أوضح لـ”الثورة” أنّ مشاركة الشركة في مؤتمر التحول الرقمي الدولي تأتي في إطار التزامها بدعم مسيرة التحول الرقمي في سوريا، وتعزيز دور الشركات الوطنية في دفع عجلة النمو الاقتصادي.
وقال المنجد: حرصنا في “سورس كود” على استثمار هذا الحدث المهم، كونه مؤتمراً دولياً يسلط الضوء هذا العام على موضوع محوري وهو أثر الشمول المالي الرقمي على النمو الاقتصادي، ومن موقعنا كشركة وطنية متخصصة في مشاريع التحول الرقمي، وجدنا أنّ هذا المؤتمر يمثّل منصة استراتيجية لعرض ما يمكن أن تقدمه الشركات الوطنية في هذه المرحلة المفصلية -مرحلة إعادة البناء- إذ يبرز الدور الفاعل للقطاع الخاص في دعم الاقتصاد الوطني.
وأضاف: اخترنا أن نكون رعاة استراتيجيين لهذا المؤتمر إيماناً منا بأهمية التعاون مع مختلف الشركاء من القطاع المصرفي، والمصرف المركزي، وسائر الجهات المعنية، من أجل بناء بيئة رقمية متكاملة تواكب التوجهات العالمية وتدعم تحقيق الشمول المالي في سورية.
وختم المنجد بالتأكيد أنّ مشاركة سورس كود ليست مجرد رعاية شكلية، بل هي التزام عملي بمسيرة التطوير الرقمي، واستعداد دائم لتوظيف خبرات الشركة في خدمة الاقتصاد الوطني وتعزيز مكانة سورية على خارطة التحول الرقمي العالمية.
بدوره، رأى المستشار بوزارة الاقتصاد في دمشق الدكتور سطوف الشيخ حسين، أن المؤتمر جاء متأخراً نسبياً، لكنه يشكل فرصة لتسريع الخطوات نحو الاندماج في النظام المالي العالمي.
وأشار إلى تجربة الأردن الناجحة في هذا المجال، داعياً إلى تبني استراتيجية قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل لتطبيق الشمول المالي في سوريا، بما يسهل وصول رواد الأعمال والشركات الصغيرة والأفراد إلى التمويل والخدمات الرقمية رغم التحديات الكبيرة وفي مقدمتها مشكلة السيولة.
لا شمول مالي من دون بنية تحتية
رئيس الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية الدكتور أحمد باسل الخشي، قال لـ”الثورة”: ترأست اليوم جلسة حوارية حول البنية التحتية اللازمة للشمول المالي الرقمي، وأن تحقيق الشمول المالي في سوريا مرهون بالانتقال نحو الخدمات الرقمية وتبني تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وأوضح أن الشمول المالي يعني تمكين جميع المواطنين من إجراء المعاملات والوصول إلى المصارف والخدمات المالية بسهولة، بغض النظر عن وضعهم المادي أو موقعهم الجغرافي. وأضاف: لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال شمول مالي رقمي يعتمد على تقنيات حديثة وبنية تحتية متينة.
وأشار د. الخشي إلى أن التحديات التي تواجه سوريا في هذا المجال كبيرة، خاصة في ظل البنية التحتية المتهالكة والمتضررة، والتي تتطلب إعادة بناء شاملة.
لافتاً إلى أن وزارات الدولة، وفي مقدمتها وزارة الاتصالات، تعمل حالياً على مشروعات استراتيجية مثل “برق نت” و”سلك نت” لمدّ الألياف الضوئية وربط سوريا بالدول المجاورة، بما يتيح لها أن تصبح محطة إقليمية لنقل الاتصالات والبيانات.
كما شدد على ضرورة تعزيز الأدوات الداعمة للخدمات المالية، مثل زيادة عدد أجهزة الصراف الآلي ونقاط الدفع الإلكتروني (POS) في الأسواق والمطاعم والمراكز التجارية، بما يسهل عمليات الدفع عبر البطاقات المصرفية.
وأضاف د. الخشي: إن الإطار القانوني لا يقل أهمية عن التطوير التقني، إذ يتطلب تحقيق الشمول المالي الرقمي إصدار تشريعات حديثة، ولا سيما تلك المتعلقة بحماية البيانات الشخصية.
وفي ختام حديثه، أشار رئيس الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية إلى أن استخدام التقنيات الحديثة مثل البلوكتشين، الحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي سيكون عاملاً حاسماً في تحسين جودة الخدمات المالية وتسريع الوصول إلى شمول مالي حقيقي في سوريا.
مرحلة جديدة من التنمية الاقتصادية
أجمع المشاركون على أن الشمول المالي الرقمي يمثل بوابة أساسية لدخول سورية مرحلة جديدة من التنمية الاقتصادية، مؤكدين أن مواجهة التحديات يتطلب تضافر جهود الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني.. وأوصوا بضرورة الاستثمار في البنى التحتية، وتحديث التشريعات، وإتاحة الخدمات المالية للجميع باعتبارها حقاً أساسياً ومقدمة للنهوض بالاقتصاد الوطني.