بعد سنوات من الغصب والتزوير.. معالجة ملف الاستيلاء على العقارات المنهوبة

الثورة – هنادة سمير:

لم تكن الحرب في سوريا مجرد معارك بالسلاح، بل كانت حرباً على كل ما يملكه السوري من بيت أو أرض أو وثيقة، تثبت انتماءه إلى المكان.

فخلال سنوات النزاع، لم يسلم شيء من أيدي “الشبيحة” والمتنفذين التابعين للنظام، إذ تحولت الملكيات العقارية إلى غنائم حرب، تُنهب باسم القوانين، وتُباع تحت مسميات “الاستملاك” أو “الغصب”، أو عبر عقود مزوّرة، تمت تحت التهديد أو في غياب أصحابها الذين أُجبروا على النزوح أو التهجير.

طي صفحة مؤلمة

عقارات بملايين الليرات تغيّر مالكوها بين ليلة وضحاها، سجلات طابو أُحرقت، وأخرى عُدّلت بأوامر أمنية، ليُمحى تاريخ عائلات بأكملها من خرائط الملكية، هذه الممارسات التي كانت تتم بعلم أجهزة النظام وبحماية ميليشياته، خلّفت عشرات آلاف الدعاوى المعلّقة، وأسراً فقدت كل ما تملك في الوطن.

حالياً، وبعد أشهر من التحرير وعودة مؤسسات الدولة للعمل، أصدرت وزارة العدل قراراً وبياناً في العشرين من الشهر الجاري، في محاولة لطيّ صفحة مؤلمة من انتهاكات العقار السوري.

تخصيص محاكم

ففي القرار رقم (2064/ل) الصادر بتاريخ 20 تشرين الأول 2025، قرّر وزير العدل الدكتور مظهر الويس، بناءً على قرار مجلس القضاء الأعلى رقم (526)، تخصيص محاكم بداية واستئناف مدنية في كل عدلية، للنظر حصرياً في منازعات الاستيلاء على العقارات أو التلاعب بملكيتها خلال سنوات الثورة.

ويهدف القرار إلى تسريع حلّ هذه القضايا من خلال نقل جميع الدعاوى العالقة إلى المحاكم المختصة، واعتماد نظام تبادل اللوائح لتقصير المدد الزمنية، مع الحفاظ على حق الدفاع. كما أجاز القرار للمحكمة إعطاء الأحكام صفة النفاذ المعجّل، بما يضمن عودة الحقوق إلى أصحابها في آجال معقولة.

وكلفت إدارة التفتيش القضائي بمراقبة حسن التنفيذ، وهو بند اعتبره مراقبون خطوة احترازية مهمة، للحد من التدخلات السابقة التي عطّلت آلاف القضايا العقارية.

استعادة الثقة بالقضاء

وفي بيان لاحق، أكدت وزارة العدل أن هذا القرار يأتي حرصاً على ترسيخ سيادة القانون، وصون الحقوق العقارية للمواطنين، وتجاوباً مع ما تم رصده من ممارسات أدت إلى الاستيلاء غير المشروع على عقارات مواطنين تم تهجيرهم بشكل واسع وممنهج عقب قيام الثورة السورية.

الوزارة، أوضحت أن النيابة العامة أشرفت خلال الأشهر الماضية على لجان الغصب البيّن، وتمكنت من حل العديد من القضايا، إلا أن حجم الملفات وتعقيداتها استدعى تخصيص مرجعية قضائية موحدة.

وأضاف البيان: إن الهدف من الخطوة، هو توحيد الاجتهاد القضائي وتبسيط الإجراءات من دون المساس بضمانات المحاكمة العادلة، معتبراً أن تمكين المتضررين من استعادة أملاكهم، يعزز الاستقرار المجتمعي، ويحدّ من أسباب التوتر والنزاع العقاري.

ودعت الوزارة جميع المواطنين الذين تضرروا من هذه الممارسات إلى مراجعة الجهات القضائية المختصة ضمن آليات مبسطة وواضحة.

ينهي الإجراءات المعقدة

استقبل المواطنون القرار الجديد بالترحيب. إذ قال المواطن سامر عبيد، المهجّر من ريف دمشق: منزلي صودر عام 2014 وسكنه أحد ضباط الأمن، و لدي كل الأوراق التي تثبت ملكيتي له، لكن لم أستطع حتى الآن استعادته.

وأوضح أن إجراءات رفع الشكاوى والادعاء لم تكن ميسرة، بل واجهت الكثير من التعقيدات، آملاً أن تكون هذه المرة مختلفة، وأن يرى حقه قد عاد إليه بعد سنوات من الغربة والتهجير.

بينما ترى سمر عز الدين، وهي من سكان حي القابون، أن القرار خطوة مهمة، لأجل إحقاق الحقوق، واستعادة العقارات التي تم بيعها لأشخاص آخرين، عبر وسطاء محسوبين على الأجهزة الأمنية في عهد النظام المخلوع.

 بعد سياسي وقانوني

المحامي جمال سرور، أوضح في حديثه لـ “الثورة”، أن القرار يمثل تحولاً مهماً في معالجة واحدة من أعقد قضايا ما بعد الحرب. لأعوام طويلة، كان المواطن يواجه عراقيل قانونية وإجرائية كبيرة في قضايا الغصب العقاري، والدعاوى كانت تُحال بين محاكم مختلفة، وبعضها يُجمّد، بسبب عدم وضوح الاختصاص أو تدخل أكثر من جهة، والقرار الجديد وضع حداً لهذا الارتباك، وحدد مساراً قضائياً واضحاً وسريعاً.

وأشار سرور إلى أن القوانين السابقة، مثل المرسوم رقم 10 لعام 2018، فتحت الباب أمام مصادرة عقارات المهجرين تحت ذريعة التنظيم العمراني، ما جعل كثيرين يشككون اليوم في صدق أي محاولة للإصلاح.

ورأى أن إصدار القرار والبيان في هذا التوقيت، يحمل بعداً سياسياً وقانونياً، وهو يحمل في طياته سعي الحكومة الجديدة لإعادة بناء العلاقة بين المواطن والدولة على أساس سيادة القانون، بعد سنوات من الانتهاكات التي هزّت ثقة الناس بكل مؤسسة رسمية.

وحسب سرور، القرار يأتي كاشفاً لسرعة الاستجابة الحكومية لواقع مؤلم عانى منه آلاف السوريين، فبتكليف دوائر قضائية متخصصة في محاكم البداية والاستئناف، نلمس إرادة حقيقية لإنصاف المتضررين، هذه الدوائر ستشكل رافعة قانونية مهمة، حيث ستتراكم لديها الخبرة في معالجة هذه القضايا المعقدة، ما يضمن أحكاماً أكثر دقة وعدالة.

ونوه بأن المادة السادسة من القرار، تمثل روح التغيير الإيجابي، فتبادل اللوائح وتقصير المواعيد مع الحفاظ على حق الدفاع المشروع، تضع حلاً عملياً لإشكالية التقاضي الطويل التي طالما شكّلت عبئاً على كاهل المواطن، أما صلاحية النفاذ المعجل، فتمنح القضاء أداة فعالة لتنفيذ الأحكام العادلة من دون مماطلة.

رسالة طمأنة للمتضررين

وأكد أن الطريق إلى استعادة حقوق المتضررين، بات أقصر، لأن القرار يؤسس لمرحلة جديدة من الوضوح القانوني، حيث تنتقل القضايا القائمة تلقائياً إلى الدوائر المختصة، ويُمنح كل ذي حق حقه في وقت قياسي.

وأضاف: القرار يحمل كذلك رسالة طمأنة للمجتمع بأن عهد الاستيلاء على العقارات قد ولى، وأن الدولة جادة في تطهير السوق العقاري من الآثار السلبية للأزمة، وهو خطوة جوهرية نحو استعادة الأملاك وبناء ثقة المواطن بمؤسسات الدولة.

آخر الأخبار
رغم وقف إطلاق النار.. غزة بين الحياة والموت التشبيح المخملي الذي جَمَّل براميل الأسد .. حين صار الفن أداة قتل الأمم المتحدة: إعادة بناء سوريا أمر حيوي لتحقيق الاستقرار  إعلان تلفزيوني يشعل الحرب التجارية بين ترامب وكندا مجددا  تحسين بيئة الأعمال شرط لتعزيز التنافسية  الاقتصاد السوري مبشّر ومغرٍ وعوامل نهضته بخطواتها الأولى  درع وزارة الرياضة والشباب.. بطولة جديدة تكشف واقع السلة السورية كأس الدرع السلوية.. الأهلي يُلحق الخسارة الأولى بالنواعير جامعة الفرات تناقش مشروع قانون الخدمة المدنية  بعد سنوات من الغصب والتزوير.. معالجة ملف الاستيلاء على العقارات المنهوبة حزمة مشاريع استراتيجية في "مبادرة مستقبل الاستثمار" بالرياض  رامي مخلوف.. من المال والاقتصاد إلى القتل والإجرام   بعد تضاعف صادراتنا.. مطالبات بتحديث أجهزة الفحص وتوحيد الرسوم توقيع اتفاق سلام كمبودي - تايلاندي لإنهاء نزاع حدودي التأمينات الاجتماعية تسعى لرفع الوعي التأميني لتحقيق أفضل الخدمات جدل حاد في "إسرائيل" حول مشروع قانون لإنقاذ نتنياهو دمشق ترسم معالم حضورها الدولي بثقة وثبات المشاركة السورية بـ"مبادرة مستقبل الاستثمار بالرياض".. خطوة محورية بمعركة الدبلوماسية والاقتصاد زيارة الشرع إلى الرياض.. ترسيخ سوريا الجديدة واستعادة دورها إقليمياً سوريا تطلق عودتها الاقتصادية والسياسية من بوابة مؤتمر"FII 9"