في مؤتمر وارسو الذي عقد تحت شعار «نشر السلام والأمان في الشرق الأوسط» بذلت الولايات المتحدة قصارى جهودها لعزل إيران بدلا من السعي لمعالجة التهديد الحقيقي للسلام والأمن في المنطقة والمتمثل بإسرائيل.
تزامن هذا المؤتمر مع اجتماع آخر عقده كلا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سوتشي بهدف مجابهة الصلف الأميركي الرامي لشل الاقتصاد الإيراني عبر إعادة فرض العقوبات بعد الانسحاب من الاتفاقية النووية الإيرانية التي أبرمت عام 2015. وقد صرح الرئيس الإيراني معلقا على المؤتمر: «نراقب ما يجري في وارسو الذي لم يصل إلى نتائج تذكر».
منذ أربعين عاما، قامت الثورة الإسلامية في ايران المناهضة للشاه وأميركا، واستطاعت إجهاض سياسة الولايات المتحدة في الخليج وأحدثت تغييرات جيوسياسية طويلة المدى في الشرق الأوسط ووسط وغرب وجنوب آسيا.
ومن دولة مؤيدة للولايات المتحدة، انقلبت إيران 180 درجة وأصبحت مناهضة لواشنطن ومعادية للسياسات الإسرائيلية. وتمكنت من الانتصار على حملة قادها البيت الأبيض لإسقاط النظام الثوري بذريعة كونها تمثل تهديدا لدول الخليج.
لكن الواقع يؤكد بأن إسرائيل، وليست إيران، هي من تمثل خطرا على العالم العربي والإسلامي. إذ في الحين الذي كانت به «تل أبيب» تحاول إحكام سيطرتها على مرتفعات الجولان والقدس الشرقية والضفة الغربية المحتلة وتحاصر غزة، فإن إيران لم تمارس أي عمل عدائي. كما أنها لم تكتف برفض الخضوع لقراري مجلس الأمن رقم 242 و338 اللذين صدرا بعد الحربين العربية -الإسرائيلية في حزيران عام 1967 وتشرين الأول عام 1973فحسب، بل أنها دعت تل أبيب للانسحاب من الأراضي المحتلة.
لقد نهجت إيران منذ ثورتها عام 1979 حتى اليوم إلى موقف ثابت من الكفاح الفلسطيني للتحرر، إلا أن العديد من الدول العربية وقع في شرك الولايات المتحدة وإسرائيل لعزل طهران ونشر زعزعة الاستقرار فيها بدلا من الوقوف إلى جانبها.
تمثل إسرائيل الخطر الرئيس للعالمين الإسلامي والعربي وذلك لعدة أسباب: أولا، في الحين الذي تقدم به إيران الدعم لتحرير الأراضي الفلسطينية من الاحتلال الإسرائيلي، والدعم العملي لمنظمة التحرير الفلسطينية المعادية لإسرائيل، والجهاد الإسلامي وحزب الله لم تقم أي دولة أخرى بمؤازرة ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت نير الاحتلال الإسرائيلي منذ الحرب العربية الإسرائيلية في حزيران عام 1967.
قبل اندلاع الثورة الإيرانية، أقام نظام الشاه علاقات دبلوماسية وثيقة مع إسرائيل، لكن القرار السياسي الأول الذي اتخذه حرس الثورة الإيرانية تمثل بقطع علاقات طهران مع تل أبيب وتوفير الدعم للكفاح الفلسطيني من أجل تحقيق الحرية.
ثانيا، إن التحيز والعداء وجنون العظمة الذي تمارسه واشنطن ضد الثورة الإيرانية قد قاد إلى تمسك الولايات المتحدة بعزل إيران باستثناء مرحلة الولاية الثانية للرئيس الأميركي باراك أوباما التي مهدت السبيل لتوقيع الاتفاقية النووية والرفع التدريجي للعقوبات الأميركية ضد طهران التي فرضت منذ عام 1979.
ولقد كانت العلاقة الأميركية-الإسرائيلية مثارا لدفع الأنظمة العربية للانقلاب على إيران والتحول عن مسؤوليتها الأساسية التي تتمثل بتحرير الأراضي العربية المحتلة وتأسيس دولة فلسطينية تكون القدس الشرقية عاصمة لها.
ثالثا، شنت الولايات المتحدة حملة شعواء على البرنامج النووي الإيراني وطالبت القوى الأوروبية، وبشكل خاص فرنسا وألمانيا، الحذو حذوها في الانسحاب من الاتفاق، متجاهلة حقيقة كون إسرائيل هي النظام النووي الوحيد داخل الشرق الأوسط.
إن سياسة واشنطن الرعناء المتعلقة بالانتشار النووي كانت السبب الرئيس في النزاعات الكبرى التي نشبت في الشرق الأوسط. بينما حقق الاتفاق المبرم امتثال طهران في التراجع عن برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات الأميركية المفروضة على إيران.
ولسوء الحظ، فإن الإدارة الأميركية، وليست إيران، من انسحب من خطة العمل الشاملة المشتركة حيث تم إعادة فرض العقوبات على طهران.
من دواعي الاستهجان أن نشاهد الولايات المتحدة تبادر إلى الانسحاب من الاتفاق النووي وتفرض عقوبات اقتصادية على طهران دون أن تأخذ باعتبارها ما يمكن أن يحدثه ذلك التصرف من تشجيع الإيرانيين على زيادة العداء لها. إذ أن واشنطن التي بذلت كافة الجهود لعزل إيران وزعزعة استقرار نظامها السياسي خلال 40 عاما لم تفلح في تحقيق مبتغاها بل أثبتت طهران قدرتها على تحمل مختلف الضغوط والحفاظ على علاقاتها الودية مع العديد من الدول.
لجأت الولايات المتحدة إلى استخدام مؤتمر وارسو كي تتمكن من إحكام العداء إلى إيران وتلميع صورة إسرائيل التي توسعت باحتلال أراض عربية بما فيها المسجد الأقصى. واستطاعت أن تجمع بين الرئيس الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والعديد الوفود لدول عربية على الرغم من أن نتنياهو هو من يسعى إلى تدمير نتائج أوسلو للسلام ويمارس الأعمال الإرهابية على الفلسطينيين في الضفة وغزة. رفضت ألمانيا (التي تعتبر أكبر قوة اقتصادية في أوروبا) ما ورد في خطاب نائب الرئيس حيث قال وزير الخارجية الألماني في المؤتمر بأن «أوروبا مازالت تدعم الاتفاق النووي مع إيران. وقد اتخذ الاتحاد الأوروبي الاجراءات المناسبة للمحافظة على الاتفاق النووي مع إيران».
ليس ثمة من تهديد تشكله إيران على الدول العربية وإنما تلك الدول مهددة من إسرائيل التي تملك السلاح النووي ودأبت على تنفيذ مجازر وحشية بحق الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، وقامت بقصف مواقع في سورية ولبنان بدعم من الولايات المتحدة، تلك هي الدولة التي تمثل الخطر على دول الشرق الأوسط.
إن اللقاء الذي جرى في وارسو بين نتنياهو والمندوبين العرب قد تسبب بمزيد من الضرر للنضال الفلسطيني، ومما يدعو للاستنكار والاستهجان أن لا نشاهد أيا من المندوبين العرب ينبس ببنت شفة في المؤتمر تعبيرا عن أي تضامن مع الكفاح الفلسطيني ضد إسرائيل التي استمرت ببناء المستوطنات في الضفة الغربية وجعلت القدس عاصمة لها بدلا من تل أبيب.
The Express Tribune
ترجمة: ليندا سكوتي
التاريخ: الأربعاء 27-2-2019
رقم العدد : 16919