لمّا تنتهِ الحرب بعد، وما زلنا نخوض معارك أربع بين الحرب على الإرهاب، والحصار، و حرب الانترنت والفساد هذا ما قاله السيد الرئيس في حديثه مؤخراً لرؤساء المجالس المحلية من جميع المحافظات. وما كان بارزاً في الحديث هو التركيز على وطنية العمل للخروج من عقابيل الحروب التي من الطبيعي أن يفرضها علينا تحالف العدوان الإرهابي الدولي وإلّا سيكون قد اعترف بفشله وشرع يخلي الأرض السورية مدحوراً. والاستعمار الغربي عملياً لا يفعلها لكونه منذ مؤتمر سان ريمو 1920م يواصل استثمار كافة المنافذ التي تمكّنه من دخول سورية، وتنفيذ الخارطة الجيوسياسية التي رسمها ولمّا يستطع تنفيذها بعدُ نظراً لطبيعة سورية التاريخية، ونسيجها الوطني المترابط، ولا سيما في جبهة المواجهة للاستعمار كلما ظهر استحقاق جديد من هذا النوع. وعبر تاريخ ما بعد الاستقلال الذي حققته سورية على الفرنسيين وحصراً في عقد الخمسينيات من القرن الماضي شهدنا صراعاً دولياً على سورية. ومشاريع استعمارية رافدة للمشروع الصهيوني الذي احتل فلسطين بمساعدة الغرب الإمبريالي المتصهين. ورأينا كيف تواصلت أحابيل الاستعمار الجديد لكي تبقى سورية في عين الاستهداف، وتتم إعاقة التنمية فيها، ومنعها من تراكم القوى الاستراتيجية ولا سيما العسكري منها. وتكاثف الاستهداف الغربي الصهيوني لبلدنا بعد حرب تشرين 1973م حتى لا تستثمر النتائج العظيمة للحرب ولا سيما قومية المعركة التي تبلورت فيها، وظهور فعالية البترول العربي إذا استخدم سلاحاً في معركة تحرير فلسطين، والأراضي العربية المحتلة. ولكي تلغى النتائج العظيمة لحرب تشرين كثّفت سياسات العدوان الغربي جهودها لاختراق الصف العربي الذي وصل للمشتركات التي ساهمت بصدور قرار الهجوم العربي الأول على كيان العدوان.
واستبدلت السياسات الغربية أدواتها معتمدة على من تشغّلهم من المنطقة العربية لخلق منظومة صراع عربي-عربي يصبح الصراع العربي ضد الصهيونية مهمّشاً فيها. وقد تحقق للاستعمار الغربي نجاح مهم في هذا الحال بدأ منذ زيارة السادات إلى القدس، وكامب ديفيد، وأوسلو، ووادي عربة. ولم تمضِ فترة من الزمان إلا ويكون الغرب المتصهين قد حضّر لنا هجمة اخوانية ليس لها أي هدف أسبق من تدمير مواطن القوة التي تم بناؤها وصارت بمنظور التوازن مع العدو الصهيوني تحتل أهمية استراتيجية. وقمّةُ ما توصّل له حلف العدوان الإمبريالي الصهيوني وأدواته في المنطقة كانت الحرب الإرهابية التي شنّها علينا منذ العام 2011م حتى اليوم. وقد تعوّدت جماهير شعبنا على الغطاء المزعوم الذي تطرحه قوى الغرب الصهيوني على مؤامراتها علينا. فالغرب حريص على كرامة شعبنا فيأتي ليحتل أرضنا. وحريص على حريتنا فيأتي بإرهابيين لكي يتحكّم فينا. وحريص على تطوير مستوياتنا المعيشية ويقوم بحصارنا اقتصادياً بأشنع طرائق الحصار. وحريص على المعارضات السورية ليشتّتها، ويشرذمها ويجعلها رهينة لآل سعود، أو لأردوغان ويفقدها وطنيتها التي بدونها تخسر كونها معارضة وتتحول إلى كوكبة ممن باع الوطن ولم يعد له أي احترام حتى عند مشغليه.
وعلى ضوء القرار الأميركي الأخير باستبقاء أربعمئة جندي أميركي في سورية ومعهم قوات من حلف الأطلسي تتأكد لنا أهداف الاستعمار الذي يتحيّن الفرصة دوماً لدخول بلدنا، وليس للخروج منها. ولاحظنا كيف انخرطت أميركا في دعم قسد، ولو على حساب الإزعاج الظاهري لأردوغان كون أردوغان بالنهاية أجيراً عند أميركا وإسرائيل. كما نرى أن كل مقوّم يمكن ان يُبنى للوصول إلى الحل السياسي ترفضه أميركا وعملاؤها. وكذلك تمدُّ يدها -أي أميركا- إلى القوى التي يمكن أن تكون شريكة في عملية الوصول إلى السلام لتزور مواقفها، وتروّضها بزعم الحرص على الحل السياسي الذي لا يمكن الوصول إليه طالما أن أميركا تتبنّى الإرهاب، وتستثمر فيه. وما تجدر الإشارة إليه هو الجو الدولي المشتبك الذي تصمّمه أميركا حتى لا تتشكل القاعدة الدولية المتوافقة على صيغة للحل.
وكانت أميركا قد تسبّبت بانهيارالقاعدة الإقليمية ولو من عملائها إذا فكرت أن تساهم بالحل، فغدت قوى العمالة الإقليمية لأميركا، وإسرائيل متنافرة، متصادمة لا تملك القدرة على أي توافق يفتح الفرصة أمام الحل السياسي ولو من قبلهم أيضاً. وفي المعادلة الداخلية بين جماهير سورية ظلت أميركا بكافة مساعيها تشير للقوى المرتبطة فيها بأن الحل عندها، ومن عندياتها حتى اتضح لكل من معها بأن الذي يخسر في الميدان ليس له أوراقٌ على طاولة الحل ودخلت سورية منظومة الدول الضامنة، وتبدّلت المعادلة التي أرادتها أميركا وتنصّ أن الحلّ خارجي وعلى بنود القرار 2254 شكلاً لتتأكد جماهيرنا بأن أميركا لن تقبل بأي شكل للحل إلا حين يتناسب مع المخطط الصهيوني له لكي تعود أميركا ومعها إسرائيل ليأخذا بالسياسة ما لم يتمكّنا من أخذه بالحرب. وبناء عليه صارت تعقيدات أميركا لعناصر الحل، وقواه تحاول تغيير معادلات العمل برمّتها، وكل ذلك حتى يتم إغلاق الطريق نحو الحل. ولهذا صار التمدّد الإيراني في المنطقة أخطر من الحالة الإرهابية فيها. والتحالف ضد إيران أكثر أهمية من التحالف العربي على وجه الخصوص ضد إسرائيل. وفي مؤتمر وارسو اتضح هذا جلياً باغتباط العديد من الحضور العربي بوجود نتنياهو، والتنسيق معه، وكأن صفقة القرن ستعطي الفلسطينيين دولة، وستمنع تهويد الأراضي المقدسة، أو المشروع الصهيوني بضم الجولان وكأنه لا يحضّر القرار الأميركي في مجلسي: الكونغرس، والشيوخ من أجله. نعم إن الغطرسة الصهيونية على الحقوق العربية لا يراها المشتغلون العرب بالدائرة الصهيوأميركية. والوقفة الإيرانية مع الحق العربي وضد أميركا وإسرائيل لا يحتسبها المشتغلون العرب بالدائرة الصهيوأميركية موقفاً معهم أو مع العروبة. ووفق مقتضاه تتأكد لنا أحابيل أردوغان في المنطقة الآمنة لكي يجعل منها عتبة تقسيم لسورية بعد أن أفشلت جماهيرنا مخططاته العثمانية الاخوانية. ويتّضح الموقف الأميركي باستبقاء الجنود الأربعمئة فالجبهة العسكرية للإرهاب رغم الدعم الأميركي قد انهزمت لكن أميركا ستعوّضها بوجود عسكري رمزي متمدّد وقابل لخلق إشكاليات داخلية تمنع شعبنا من التوافق على الحل السيادي، وفق القرار الوطني المستقل. وبناء عليه تأتي عملية تقوية تحالف بلدنا على جبهة المقاومة في هذه الظروف استحقاقاً مهمّاً وهنا تبرز أهمية زيارة السيد الرئيس لإيران. وتقوية العلاقات الثنائية مع الحلفاء الدوليين، والأصدقاء استحقاق كذلك. ومن ثم الالتفات إلى معادلات الداخل بهدف خلق منظومة عمل وطني ترمّم ما حاولت قوى العدوان تخريبه.
ومن ذلك تصويب الوعي الذي تم التأثير عليه، والتركيز على الأشياء المشتركة الجامعة للتنوّع السوري الكبير بهدفية إعادة بناء العقول، وإصلاح النفوس بوصفها التحدي الأكبر حتى تستطيع بلدنا التعامل مع البنية الفكرية المدمّرة كما ورد في خطاب السيد الرئيس أمام رؤساء المجالس المحلية؛ فمستقبل سورية لا يقرره إلا السوريون، ومن هنا نؤكد على المعادلة السورية أولاً مهما بدت المعادلات الأخرى شريكاً، أو ذات صلة.
د. فايز عز الدين
التاريخ: الاثنين 4-3-2019
الرقم: 16923