نعم أربعةُ حروب تُفرض على سورية في اللحظة التاريخية التي صارت عوامل النصر السوري تبرز يوماً بعد يوم، وعوامل الهزيمة للمشروع الصهيوأميركي وأدواته الإقليمية تبرز أيضاً يوماً بعد يوم. تلك الحروب التي حدّدها السيد الرئيس بشار الأسد مؤخراً بــ: الحرب على الإرهاب، والحرب ضد الحصار الاقتصادي على سورية، والحرب الالكترونية، والحرب ضد الفساد. وبناء عليه نتلمّس أنه منذ بداية الحرب الإرهابية على سورية في 15/3/2011م سعى حلف العدوان على بلدنا لكي تكون هذه الحرب مركّبة، والحلول التي يمكن أن تجترح لها ستكون بالضرورة مركّبة؛ وهذا التعقيد المخطط له، والمدروس للحرب على سورية دوافعه معرفةٌ موثّقة بقوة التركيب السياسي، والاجتماعي، والعسكري لسورية ما جعل النسيج السوري الداخلي عصياً على التفتت والتراخي إزاء أعظم هجمة صهيوإمبريالية شهدتها أمم الأرض منذ قرون من الزمان. وعبر السنوات الثمان التي انصرمت من بشاعة هذه الحرب، وأهدافها التدميرية للبشر والحجر رصدت مراكز الدراسات الدولية بكافة اختصاصاتها عناصر القوة التي تمتّع بها التحالف الداخلي لسورية شعباً، ودولة، وجيشاً ما جعل المعركة المركبة التي صنعوها وكانت بادئ ذي بدء معركة الوكلاء التابعين في المحيط الجغرافي لسورية، وحين سقط الوكلاء على قاعدة القول العظيم لأحد الشعراء: كناطح صخرة يوماً ليوهنها، فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل، أجل حين تمّت عملية تكسير القرون عند الوكلاء المكلّفين بتدمير الدولة السورية، وتفكيك شعبها، وانقلبت الحالة الإقليمية لمصلحة سورية، وهذا ما صلّب البنية الداخلية للوطن الصامد.
رأينا كيف تم قدوم الأصلاء ليحتلوا قواعد لهم على أرضنا الطاهرة، ويديروا المعركة علينا بواجهة الحرب على الإرهاب حيث رأت جماهير شعبنا بأم العين كيف تحصل الغارات الجوية من قبل ما سُمّي دول التحالف الأميركي ضد الإرهاب على جيشنا الباسل وحلفائه كلما تقدم الجيش على جبهة، وهزم الإرهابيين، واستعاد الأرض لكي يعود إليها سكانها التاريخيون.
وعلى هذه الحالة أخذت تتبلور أكثر فأكثر حقيقة المعركة المركّبة على بلدنا، وانكشف المشروع الصهيوني من ورائها بصورة لم يَعُدْ لأحد قدرة على إخفائها، وتضليل شعبنا بأهداف غاية في الدّجل السياسي، ولا سيما حين فتحت دولة الكيان الصهيوني في الشريط الحدودي للجولان المحتل أكثر من بوابة لدعم الإرهابيين، وتمكينهم من تدمير البناء التحتي للشعب في كافة الخدمات. ويتذكر أبناء شعبنا كيف تعامل معهم الإرهابيون الذين أتوا تحت مسمّى الثورة والربيع ليحولوا بلدنا إلى ساحة لاعتداء الغرباء على المدنيين الآمنين، ولسلب ثروات الشعب، وإفقاره، وتهجيره تحت مبادئ الحرية الزائفة، والديمقراطية الكاذبة، والإسلام المزوّر الذي هو ضدّ الإسلام، وحينما تم طرد الإرهابيين وحدث تجميعهم في إدلب للنظر في الحل النهائي لأوضاعهم افتعلت أميركا ومعها الأطلسيون قصة الإدارة الذاتية للأكراد الانفصاليين، وساندتهم ضد حليفها الأداة أردوغان، وصارت تعمل بكافة الجهود ليس ضد الإرهاب، بل لخلق معادل سياسي من قسد، ومسد يتم عبره فرض مشروع تقسيم سورية. وحين فشلت الجهود في خلق هذا المعادل وداخل المعركة المركبة على بلدنا تحاول أميركا أن تفشل الجهود التي تبذل للوصول إلى الحل السياسي الوطني والسيادي للمسألة السورية فلم تعترف بآلية جنيف وفق الوثيقة الأولى، ولا بآستنة، أو سوتشي كذلك.
وانصبّ الهم الأميركي وما زال على خلق عناصر تعقيد، وتداخل في الحل السياسي حتى تسوّغ للوجود الاحتلالي المرفوض من قبل الشرائع الدولية المعمول فيها، ولكي تثبت أن خطاب القوة الأميركي قد عاد في العلاقات الدولية في مواجهة الخطاب المقابل الذي يعتمد على احترام القانون الدولي، وسيادة الأمم، وعدم جواز التدخل في شؤونها الداخلية، واحتلال أجزاء من أرضها بالقوة. وعلى الرغم من الإعلان عن اجتماع جديد لآلية آستنة في 25/4 أي في الشهر الجاري لكن أميركا على لسان ترامب قد اعترفت لإسرائيل بحق السيادة على أرض الجولان، وعلى الرغم من استنكار العالم بأسره لهذا الإعلان يواصل ترامب غطرسته في العلاقات الدولية، وتحدّيه للآليات السياسية، والاقتصادية التي يتشكل منها النظام الدولي الجديد وانطلاقاً من الأرض السورية وطبيعة الحرب على الإرهاب؛ إذاً إن روسيا والصين لن تقبلا بترك الإرهاب في سورية دون القضاء عليه، وخاصة حين يتواجد فيه الآلاف ممن جاؤوا من الصين، وروسيا، ويمكن أن تسهل لهم أميركا طرق العودة إلى البلدين. ولكي تبقى ظروف التدخل الأميركي في سورية موجودة لا ترغب أميركا بحل قضية الوجود الإرهابي في إدلب بل تسهّل للنصرة إنشاء دولة إسلامية في المحافظة على غرار ما كانت داعش تسعى إليه.
وهنا تتكشف لنا الطبيعة المركّبة للحرب علينا نحن السوريين وحرص أميركا على أن نبقى نواجه الحروب الأربعة التي تحدث عنها السيد الرئيس. والمواجهة في مثل هذا الحال تدعونا لأن نربط العمل في مواجهة الحروب الأربعة بثقافة المقاومة الوطنية على صعيد الشعب، وهنا قد يكون المستدعى لتمكين هذا الربط في المواجهة بثقافة مقاومة هو أن الحرب علينا بدأت عبر الميديا الدولية لزعزعة الثقافة الوطنية، والقومية لدى المواطن السوري وإقناعه أولاً بأن الحرب الإرهابية القائمة في بلده ليست حرباً عليه، بل هي حرب داخلية فهي حرب فينا، وليست علينا. ومن ثم الحرب في سورية ليست من صناعة حلف العدوان الدولي بل هي حرب أهلية افترضتها طبيعة الاستبداد في الدولة، وحين دخل الغرباء واحتلوا الأرض وحكموا المواطنين اتضح للمواطن أن الدولة كانت هي الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وقد تحوّل المواطن في مناطق سيطرة الإرهابيين إلى مخطوف ليس له شأن أو يقتل في كل لحظة ومخيم الركبان، والريحان، والهول، فيها البراهين الساطعة.
وأخيراً لقد فهم المواطن السوري أن المقصود بما تقوم به أميركا عبر دعم الإرهاب هو إنهاء الوجود للشعب السوري برمّته، وشرذمته، وتمكين إسرائيل من السيطرة عليه بعد أن تكون الحروب الثلاثة المعنية قد سقطت جميعها وخسرتها أميركا، وتبقى الحرب على الفساد قضية داخلية تحلّها بالسرعة الممكنة الدولة القانونية. ويمكن لنا أن نستنتج أن الحرب الإرهابية علينا بعناصرها المركبة قد بدأت ثقافياً، ودمرت جزءاً من الوعي لدى بعض فئات الشعب وهذا يستدعي منا ترميم الوعي حتى نحقق بثقافتنا العلمانية المتجددة قوة صمود مضافة ترفد جبهات المعركة الميدانية، ولكي تُطرح قضية الثقافة الوطنية المرمّمة للوعي المزاح نتصور أن مؤتمراً للمثقفين السوريين والكتاب يمكن أن يكون الخطوة الأقوى في بناء الثقافة المتجددة، والمؤتمر سيرسم العقد الاجتماعي، والثقافي، والحضاري للشعب نحو المزيد من تمتين اللحمة الوطنية، واستكمال عناصر النصر العسكري، والسياسي، والوطني لسورية بثقافة المقاومة العلمانية المستنيرة.
د. فايز عز الدين
التاريخ: الاثنين 8-4-2019
الرقم: 16951