إنما نرصد ونواكب الاحداث ونحاول استيعاب حركتها واستخلاص المسارات فيها من خلال الوعي بما يجري وتحليل هذا الذي يجري, وفي حالات تسبقنا الاحداث الى درجة المفاجئة فنمضي وراءها ونلتقط الكثير من آثارها، وفي حالات كثيرة ندرك باللمس والخبرة طبيعة هذه الاحداث وماتريده منا وما هي استحقاقاتها الظاهرة والباطنة ولاسيما في بلد اصيل عريق مثل سورية، وبالنظرة الكلية الكشتاليتة لكل مايجري نثبت اتجاهين مهمين، الأول منهما يفصح عن ان كل مايجري في الركن العربي هو إرادة خارجية غريبة صهيونية ولهذه الإرادة ثوابت تتحرك عليها ومراحل تحددها تبعا لدرجة التطور او الحركة هنا وهناك، والمشروع بكليته ينتسب الى ذلك الفيلسوف ذي الأصول اليهودية برنار ليفي وقد ظهر في كل الصور الكبرى من خلال هذه الاحداث، وهو ينتسب الى الدور الغربي الصهيوني والى ذلك الفيلسوف القديم برنار لويس والمهم في الامر ان المشاريع المعادية للعرب تضمر فيها عادة الجذور الفكرية التاريخية وهي التي تنبت دوافعها في السياسات الغربية الامريكية والأوروبية وتؤشر على مسارات واتجاه المشاريع المعادية للعرب.
وهنا يدخل على الخط مباشرة هذا الاجاه الأول لديهم والمتمثل في اسقاط كل الأنظمة المتفتحة وذات الدور القومي والوطني المعاصر والتي لها منابع شعبية مؤهلة للنضال والعلم والتفاعل مع حقائق العصر، من هنا رأينا بأن منظومة التآمر الراهنة شملت تونس ومصر وليبيا والجزائر والسودان واليمن، والدلالات واضحة، ولاسيما حينما نتذكر بألم ان تلك المواقع المصطفة كبلدان وأنظمة حكم وهي التي تحولت الان في الخليج العربي وفي الحجاز الى قوة مالية وارهابية لها دورها الأساسي كما هو قائم في الواقع وكما هو مجسد من خلال آل سعود والحركة الوهابية وآل ثان في قطر وحركة الإخوان المسلمين وتوابع لهذه الأنظمة المصطنعة عبر التنظيمات الإرهابية المتفجرة من داخل الأركان او القائمة من خارج الوطن العربي ومن خلال كل القارات والدول والشعوب المستقرة.
هكذا نجد ان اللوحة لا تضللنا وعلينا بالتأكيد ان نستوعب أصولها في العمق وتحولاتها مع كل ظرف وعند كل موقع عربي كما عشنا ومانزال في متابعة هذه المؤامرة على العرب بجوهرهم ولاسيما في فلسطين وفي الجولان العربي السوري لكن كل هذه المضافات والتلوينات التي تفرضها خصائص كل بلد عربي مستهدف ومايلزم في المشروع المعادي.
من ذلك لأولويات جديدة واسلحة نوعية مضافة الى الاجرام العربي الصهيوني بعمومية وجود هذا الاجرام ووحدة أهدافه من الجميع وعلى الجميع، ولا يجدي هنا ان نتوزع الى درجة التناقض في التحليل والتأويل لما يجري على العرب ونحن ندرك بان جزءا مشبوهاً من العرب قد ارتضى هذا الدور في خدمة الحركة الصهيونية والمشروع الأمريكي الإرهابي .
نحن ندرك ذلك ونستوعب مزايا هذا الواقع وتناقضاتنه المرة لكن الأساس في كليته لا يغلق من ايدينا فما بين ماحدث منذ ماسموه بالربيع العربي في العام 2011 وحتى اللحظة الراهنة عبر السلوك الأمريكي في فلسطين والجولان وعبر الاحداث الراهنة في الجزائر وفي السودان فإنما نستوعب حالة التأسيس في المشروع المعادي للعرب والذي اعتمد على انتاج ناصيتين في الواقع العربي الأول منهما ان تستقطع المؤامرة الكبرى أجزاء واشلاء من الوطن العربي وهي الأجزاء الرخوة والمفتعلة والتي لا ذاكرة لها في التاريخ العربي والحضارة العربية والتي مازالت تستقوي بالاجنبي لكي يحميها وتبدد الثروة التي انعم الله بها على العرب في تمويل وتقوية المشروع المعادي للعرب لوجودم ومصيرهم بل الى حد ان انتقل هؤلاء الحكام برتبة ملوك وامراء وأولياء عهد الى ان يأخذوا دورهم بالإسهام العسكري والسياسي للإساءة للعرب ولتضيع معالم وثوابت القضية الفلسطينية.
اننا ندرك الان ان هذه المنظومة من الحكام العرب الذين جاؤوا على جناح الاستعمار الغربي والحركة الصهيونية هم الان أدوات مسموحة رغم انها لا تملك سوى الحق على العرب وضخ المال العربي لمصلحة قوى الاعتداء والتحكم في أمريكا وأوروبا وفي خط مواز لتسلسل الاحداث وبقصد ربط أجزاء العدوان على العرب كانت هذه الآلية الغربية الصهيونية بتوزيع الأدوار وإعطاء كل مرحلة مايخصها من أساليب التعامل السري والعلني وكان من الواضح والأكيد ان هذه المرحلة العابرة في المشروع المعادي لايمكن لها ان تضللنا عن حقيقة الاستهداف الكلي للعرب ووجود العرب وقضايا العرب والسياق هذا يستحق مقابلا يلح علينا ان نتذكر دائما ان وطننا السوري مازال هو القوة المؤسسة والمشعة على الحياة العربية البائسة ولذلك نجد كل هذه الشراسة التي تصل الى حد الجنون في العدوان على سورية وهم يدركون الان ان سورية تقاوم ولا تهزم.
بقلم د: أحمد الحاج علي
التاريخ: الثلاثاء 16-4-2019
رقم العدد : 16958
