ها هي سنوات ثمانية تنقضي منذ تدخل المعسكر الغربي والإطاحة بنظام حكم معمر القذافي، لكن ما يثير الامتعاض أن نشاهد ليبيا ما تزال تعاني من الدمار والخراب الذي ألم بها جراء الحرب الأهلية التي تتعرض لها منذ ذلك الحين، في وقت تلجأ فيه الولايات المتحدة إلى إجلاء قواتها العسكرية المتبقية في هذا البلد نتيجة اندلاع أعمال العنف التي سادت في الأيام القليلة الماضية.
ومنذ انهيار نظام الحكم القائم آنذاك ومقتل القذافي عام 2011، تشرذمت ليبيا بين العديد من الميليشيات التي ينافس بعضها الآخر، بيد أنه في عام 2014 سيطرت على المشهد حكومتان ، أحدهما اتخذت من طرابلس مقرا لها وتحظى بالاعتراف الدولي والدعم الغربي، والأخرى حكومة تسيطر على طبرق شرقي ليبيا وتتلقى الدعم والمساندة من مصر والسعودية والإمارات.
زعيم القوات الحكومية في طبرق الذي كان منفيا في السابق خليفة حفتر (الذي حظي في مرحلة من المراحل بالدعم الأميركي وما زال يحافظ على علاقاته مع الاستخبارات الأميركية المركزية) عاد إلى ليبيا خلال حرب عام 2011 وتمكن من تسلم قيادة جيش جديد في ظل الحكومة الأولى بعد مصرع القذافي، وقد ذاع صيت حفتر عام 2014 إثر انخراطه في النزاع للسيطرة على شرقي ليبيا ومعارضة الحكومة القائمة في طرابلس له منذ ذلك الحين، وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، تمكنت قواته من السيطرة على حقول النفط في جنوب البلد، لكن الحرب الأهلية الطويلة الدائرة في ليبيا تصاعدت بحدة خلال الأسبوع الماضي عندما شن حفتر هجوما مباغتا على طرابلس في محاولة منه للسيطرة على عاصمة البلد، وقد قوبل تحركه هذا بإدانة واسعة النطاق من قبل الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واحتشدت الميليشيات المنافسة له التي تلقى الدعم من الغرب لمجابهته.
وفي هذا السياق، كتب بورزو دارغاني في مطلع هذا الأسبوع حول الصراع المحتدم: «أن هجوما عسكريا شنه أمير الحرب الليبية ضد عاصمة بلاده مكنه من تحقيق ما عجزت عنه سنوات من المفاوضات والمحادثات، إذ أفضى تحركه لتوحيد الميليشيات المدعومة من الغرب التي تتمتع بالنفوذ في البلد بغية الدفاع عن طرابلس».
لقد سبق وأن جرى الإعداد لمؤتمر وطني بغية التفاوض للتوصل إلى تسوية سياسية، لكن قرار حفتر المفاجئ بالهجوم على العاصمة وضع نهاية لتحقيق تسوية في المستقبل المنظور، علما بأن ليبيا تعاني في الوقت الحاضر من الفوضى وفقدان الاستقرار، وذلك منذ أن قامت الولايات المتحدة بالقضاء على النظام وأسقطت الحكم القديم ما أدى إلى انتشار العديد من الميليشيات التي تتصارع للسيطرة على السلطة، لكن يبدو أن الظروف قد أخذت تزداد سوءا يوما إثر يوم، إذ تعتبر القوى الغربية أن ليبيا أصبحت ساحة لهم منذ أن هيمنت عليها، ويمثل هجوم حفتر دليلا على النفوذ الإقليمي للرعاة في كل من الإمارات والسعودية ومصر، ويؤكد الواقع بأن الهجوم الذي تم قد جاء بعد لقاء جرى بين حفتر والملك السعودي سلمان في الرياض بتاريخ 27 آذار، ويبدو بأن حكومتي مصر والسعودية باركت هجومه الأخير. إذ كتب طارق مقريسي مقالة حول هجوم حفتر والحرب الأهلية ورد بها: «لا ريب أن صعود حفتر كان بدعم من قبل قوى أجنبية لا تتفهم مصلحة ليبيا وتتعارض مصالحها مع مصالح الشعبي الليبي والدول التي تؤيد استقرار ليبيا»
تدهورت الأوضاع الأمنية في ليبيا على مدى الأسابيع القليلة الماضية على نحو متسارع ما قاد إلى إجلاء القوات الأميركية المعسكرة في غربي البلد مطلع الأسبوع الماضي. علما بأن الولايات المتحدة لم تتوان عن زج قواتها في الحرب غير الشرعية القائمة في ليبيا، وأبدت تعاونا مع حكومة طرابلس «بمحاربة» فصائل داعش على مدى السنوات الأخيرة، لكن ما يجدر الإشارة إليه، أن واشنطن لم تنخرط بالقتال ضد قوات حفتر، وعلى الرغم من أن ترامب وجه انتقادا علنيا للعملية الأخيرة ودعا حفتر للكف عن أعمال الهجوم التي يرتكبها، لكننا لا نعتقد بأن الولايات المتحدة ستقدم على أي فعل غير إطلاق هذه العبارات.
وعلى غرار التدخلات العسكرية المماثلة، لم تخلف الحرب في ليبيا سوى الدمار والخراب الذي ساد كافة أرجاء البلاد. فالمدنيون الذين يفترض أن يجنوا فوائد ما جرى ربما سيعيشون في ضوء تداعيات هذه الحرب لعقود قادمة.
ترجمة: ليندا سكوتي
بقلم: دانييل لارسن
The American Conservative
التاريخ: الثلاثاء 16-4-2019
رقم العدد : 16958

السابق