ترى المراسلة الصحفية لمنطقة الشرق الأوسط، شارمين نارواني، أن هناك عصراً جديداً ناشئاً في آسيا، بينما ترامب وبومبيو وبولتون يهددون ويتوعّدون.
ففي الجزء الختامي من حديثها مع باتريك لورنس لموقع صالون الأميركي، تلقي نظرة أوسع على الشرق الأوسط بعد حرب الثماني سنوات في سورية، ورؤيتها ملفتة، ووجهات نظرها مرة أخرى مثيرة للتفكير، فمن وجهة نظر نارواني، يستعد الشرق الأوسط ليترك خلفه عصراً طويلاً من التدخلات الأجنبية والهيمنة الغربية، وتضيف نارواني: «سيتم قيادة المنطقة الآن من الداخل»، وتعتبر نارواني سورية مثالاً.
كتبتِ ذات مرة عن «حركات ما يشبه بالاحتجاج الجماهيرية التي تتحوّل إلى عنف»، وتشيرين فيها إلى سورية ومصر وليبيا وأوكرانيا وتونس، هل يمكنك التحدث عن حدسك بشأن ذلك؟
الروايات الأربع التي استخدمت في تقويض شرعية الدولة السورية وتمهيد الطريق لإسقاط الحكومة كانت:
1ـ الحكومة تقتل شعبها، 2ـ المتظاهرون سلميون، 3ـ المعارضة غير مسلحة، 4ـ ما يحدث ثورة شعبية.
أولاً لنستبعد الروايات الأربعة المذكورة والتي أزاحت القادة في تونس ومصر، فقد اعتمدت كركائز في دعاية الغرب ضد سورية، وخصوصاً بعد أن علمنا بوجود عشرات الآلاف من إرهابيي داعش وتنظيم القاعدة العاملين في سورية، وآلاف الأطنان من الأسلحة التي تم شحنها إلى المتطرفين الإسلاميين من قبل السي آي إيه والبنتاغون والبريطانيين والفرنسيين والسعوديين والأتراك والقطريين والإماراتيين والإسرائيليين، ومع ذلك ما زلنا نسمع أشياء مثل مقتل 500000 مدني على يد القوات الحكومية، هذه الأرقام جميعها لمدنيين وليسوا مسلحين مقتولين؟! ألم يقتل داعش أو القاعدة أو أحرار الشام أو جيش الإسلام أحداً في هذا الصراع ؟!
لنسلم أنهم «متظاهرون سلميون؟!» نعم ، لكن من أطلق النار عليهم؟ القوات الحكومية – أم المسلحون المدعومون من الخارج؟ هل كانت هذه «ثورة»؟ وأي «ثورة شعبية» هذه التي توجد لها مراكز قيادة في الأردن وتركيا وتتلقى تعليماتها من سبعة عواصم أجنبية على الأقل؟… بمجرد معرفة تفاصيل ما حدث في سورية خلال السنوات الثماني الماضية، يمكنك نبذ الروايات الأربع بسهولة.
عندما أتحدث عن الـ «ما يشبه «، أتحدث بالتحديد عن عمليات تغيير النظام المدعومة من الخارج، تستخدم هذه الاحتجاجات جميعاً – بغض النظر عن مكان حدوثها – رموزاً وكلمات وممارسات متشابهة.
هناك منظمات كثير منها يموّلها الغرب، تقوم بتدريب الشباب في جميع أنحاء العالم – وخاصة في البلدان التي ترغب الولايات المتحدة في الحصول على مزيد من التأثير فيها – حول كيفية نزع الشرعية عن حكومة والإطاحة بها….
عندما لا تؤدي الاحتجاجات إلى إقالة قائد، تأتي الأسلحة الثقيلة ونرى مسلحين مجهولين يطلقون النار على حشود من المدنيين. شهدنا هذا في أوكرانيا بسبب مكالمة هاتفية مسرّبة بين وزيري خارجية إستونيا والاتحاد الأوروبي.
وقد رأينا هذا في سورية منذ البداية في درعا، حيث أبلغ سكان درعا عن «أجانب» بدؤوا فجأة بالظهور في المدينة قبل بدء إطلاق النار… وتوجد صور كثيرة من سورية منتشرة في صحفنا، لكن يمكنني أن أؤكد لكم أن معظم هذه الصور تخفي خلفها قصصاً طويلة من الخداع.
في أواخر عام 2013، توقعت تشكيل «قوس أمني» من بلاد الشام إلى الخليج من لبنان عبر سورية والعراق إلى إيران، والآن تم عقد اجتماع في دمشق لكبار المسؤولين العسكريين من هذه الدول الثلاث، تاركين لبنان لسبب ما، والعنوان هو بالضبط ما توقعتيه: كيف نحارب الإرهاب؟، كما أنك ذكرت ثلاثة أهداف: السلامة الإقليمية والتعاون العسكري والأمني ونظرة عالمية مشتركة، أين هذا المشروع الآن وإلى أين يتجه؟.
من الصعب وضع تنبؤات في هذه المنطقة لأن الأحداث والتحالفات واللاعبين جميعها تتغير طوال الوقت، قررتُ النظر إلى ما يجري في المنطقة: لبنان وسورية والعراق وإيران كانت جميعها أهدافاً للتطرف الديني الذي كان يموّله الغرب وحلفاؤه الإقليميون.
وكان الهدف الرئيس شلّ نفوذ إيران المتزايد في المنطقة، وكذلك تفكيك «محور المقاومة» – إيران ، سورية وحزب الله.
وهنا، أخطأ الملوك والأمراء العرب والزعماء الغربيون في تقديراتهم بشكل رهيب، بدلاً من تدمير سورية، وعزل إيران، وإعادة فرض الهيمنة على لبنان والعراق، دفع الهجوم الإرهابي هذه الدول الأربع المختلفة جداً إلى إعطاء الأولوية للأمن قبل كل شيء. أصبحت المعركة ضد المتطرفين المدربين من الناتو والممولين من دول مجلس التعاون الخليجي معركة وجودية بالنسبة لهم، ولا خيار آخر لديهم سوى العمل معاً، وتجميع الموارد، وإنشاء قيادة مركزية، وتنسيق العمليات العسكرية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية.
كنت متأكدة أن الدول الأربع ستتغلب على كارثة تسونامي الإرهابية أيضاً لأنها حصلت على غطاء غير عادي من القوى العظمى متمثلة بروسيا والصين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كانت هاتان القوتان مهتمتان للغاية بنتائج الصراع السوري، لأسباب مختلفة، ولو كان الغرب فهم هذا في البداية، ربما ما استمر في إطالة الأزمة حتى الآن، ربما بدا ذلك جنوناً عام 2013، لكنني استطعت بسهولة أن أرى إيران والعراق وسورية ولبنان تتحوّل إلى مرساة للاستقرار في هذه المنطقة.
اليوم ، أرى أن «القوس الأمني» أصبح حقيقة، على الرغم من عدم وجود تصريحات من عواصمهم.
من المؤكد أن الاجتماع الذي لم يسبق له مثيل لوزراء الدفاع في كل من سورية وإيران والعراق للتنسيق العلني ضد الإرهاب، أظهر أن هذه البلدان تبدي التزامها بهذه الرؤية في عدد لا يحصى من العمليات العسكرية والاستخبارية على مدى السنوات القليلة الماضية، والأهم من ذلك أن هذه الدول الأربع وجدت أنها قادرة على التعامل مع الإرهاب بمفردها من داخل المنطقة.
وما معنى نظرة عالمية مشتركة؟
في النظرة العالمية، تشاركت إيران وسورية وحزب الله بالفعل وجهة نظر معادية للإمبريالية ومعادية للصهيونية مع مواقف غير منحازة ومستقلة، ورفضت نظاماً عالمياً ليبرالياً يهيمن عليه الغرب، وأعطيت الأولوية للتنمية والاكتفاء الذاتي، كان العراق ولبنان يميلان إلى أن يكونا أكثر تركيزاً على الغرب، على الرغم من أن قطاعات كبيرة من سكانهما كانت مؤيدة لمحور المقاومة.
أعتقد أن ما ظهر على خلفية الصراع السوري هو تحوّل رئيس وعالمي لميزان القوة الذي سيجبر هاتين الدولتين على إعادة تقييم توجهاتهما السياسية والاقتراب من جيرانهما المباشرين الذين كانوا حقاً الوحيدين الذين يمكنهم الاعتماد عليهم.
مع انحسار العولمة، سيصبح العالم اقتصادياً أكثر إقليمية، وسيعيد تعدد الأقطاب تعريف المؤسسات العالمية، يمكنك أن ترى بالفعل إعادة توازن النفوذ الأميركي في المنطقة من خلال اندفاع الشرق الأوسط للتعامل مع روسيا والصين – حتى من قبل حلفاء أميركا المقربين مثل إسرائيل والسعودية.
لذا، فإن نظرة عالمية جديدة بدأت تظهر إلى حدّ كبير في هذه المنطقة – نظرة تفضّل وجهة النظر الشرقية والتعاون الإقليمي ومراكز قوة جديدة صاعدة.
لقد تحوّلنا الآن إلى موضوع بارز في كتاباتك: إنهاء التدخل الغربي، حلول لمشكلات الشرق الأوسط، في الواقع، أنتِ تتطلعين إلى شرق أوسط بعد عهد الإمبريالية، إنها فكرة كبيرة لأول مرة تطرح – متى ذلك؟ – أنتِ تقولين خلال عقود وأنا أعتقد بأن اتجاه المنطقة وقدرها يجب أن يقاد من الداخل، أي ليس من قِبل القوى الأجنبية، بل من قِبل دول الشرق الأوسط، والقطاعات الاجتماعية غير الحكومية، والأحزاب السياسية، وغيرها، أين نحن من هذا؟.
يجب على المرء الحرص على تجنب الغيبيات، بالنظر إلى ما يوجد حولنا، يعني التطرف الساذج للمثالية، أُتهم أحياناً بالمثالية في تحليلي – حيث أسوق للعالم تلك الأشياء التي أرغب فيها، هذا رأي.. أعتقد أنه يمكنني تحديد ما إذا كنت قد فعلت ذلك من خلال دراسة توقعاتي في العقد الماضي، لقد تحقق كثير منها، أو هي في مرحلة التحقق.
قال لي سفير بريطاني في المنطقة، وهو يغادر منصبه: «ما كنت تقولينه منذ عامين بدا ساذجاً، لكننا الآن جميعاً نتحدث بنفس حديثك»، وبما أن القوى الغربية لم تعد قادرة على غزو واحتلال البلدان كما كانت سابقاً، أعتقد أنها سوف تستمر في محاولة التدخل في هذه المنطقة لأن أساليبها الحربية غير النظامية أرخص، وأقل قابلية للاكتشاف، هذا لن ينجح مع خصومهم الرئيسيين، لأن هذه الدول تعرف الآن اللعبة، ولديها غطاء من الروس والصينيين الذين يعرفون اللعبة أيضاً، إن إرث التدخل الأميركي هو أنه ترك في أعقابه بعض الأعداء الأذكياء والكفوئين للغاية.
أقول دائماً أن «الكفاءة» هي الكلمة الأكثر أهمية التي تحدد حقبة ما بعد أميركا في الشرق الأوسط، لقد هزم الإيرانيون والسوريون وحزب الله الجهود المشتركة لحلف الناتو ودول مجلس التعاون الخليجي – شر هزيمة، يمكنهم صنع صواريخهم الخاصة وتطوير أجهزة الطرد المركزي الخاصة بهم، وإنتاج المبيدات الحشرية، والأدوية الكيماوية، والقمح المقاوم للجفاف، وكوكا كولا، وهذا ما أقصده عندما أقول إن المنطقة ستقاد الآن من الداخل، لديهم القدرة العقلية والإرادة والكفاءة الآن للتقدم على الظالمين القدامى بمسافات.
لقد قلتِ مراراً إن التكافؤ بين الغرب وغير الغرب هو سمة حتمية لقرننا.. وكتبتِ عن تحوّل النظام العالمي ولكن ليس من قبل غير الغرب، هل تستطيعين التوسع في ذلك؟
تصعد إمبراطوريات وتزول أخرى، وتتغير قطبية العالم السياسية والاقتصادية، كثيراً ما أفكّر في كيفية عدم تغيّر هذه الدورة أبداً، عندما تزيد ثروات البلد، يبدو أن الأمر يحتاج إلى بضعة أجيال حتى تصبح كسولة ومتعجرفة وتفقد ميزتها التنافسية، لا أحد يتعلم من ذلك.
الشرق ليس أفضل من الغرب في هذا الصدد، لقد حان الوقت لآسيا، حيث إن جميع مكونات النمو والتحوّل الهائلين موجودة في آسيا اليوم: المال والرؤية والجوع والنفوذ والتحالفات الأساسية – وأعداد السكان الضخمة الذين يعانون من نقص الخدمات ويفتقرون إلى البنية التحتية والشبكات الحيوية، يفكرون في الوظائف، الوظائف، الوظائف.
لقد كان الاقتصاد دائماً يقود القوة السياسية، لذلك سنرى أيضاً اندفاعاً غربياً باتجاه آسيا، يتجاهل الأوروبيون بهدوء الإملاء الأميركي بخصوص رؤية الصين (حزام واح .. طريق واحد) وسوف يفعلون ذلك في النهاية مع روسيا….
تبدأ الهيمنة بالتراجع كما حدث مع الديناصورات الكبيرة – بطيئة الحركة، صغيرة العقول، غير قادرة على تغيير مساراتها بسبب الزخم الزائد وضعف الرؤية…. كما تعلمون، تم انتخاب ترامب على أساس تعزيز وتطوير العلاقات والأعمال التجارية مع روسيا والصين، لكنهم لم يستطيعوا فهم أو السماح بذلك: لقد تم وضع روسيا والصين بالفعل كأعداء أميركا الأساسيين، هذا ضعف في الرؤية، هذا طريق مسدود من شأنه تسريع التراجع الأميركي.
أين يمكنك تحديد موقع مركز الثقل في هذا السؤال – في الشرق الأوسط أم في العلاقات الصينية الروسية أم الصين، روسيا، إيران، الهند، ربما؟
ليس هناك شكّ في أن العلاقات الصينية الروسية هي نقطة التحوّل التي تستهل العصر الجديد، لقد عمل الغرب دائماً على منع هذين العملاقين من تشكيل علاقة تعاونية كهدف رئيس لسياسته الخارجية، وكان أوباما يكثّف التهديدات ضد روسيا والصين ويضغط على إيران، في الوقت نفسه، كانت «إيران وروسيا والصين» تكتشفان «بعضها البعض» من خلال الأزمة في سورية. وساعدت الولايات المتحدة حقاً هذه الدول الأوروآسيوية الثلاث على إيجاد قضية مشتركة وسط عاصفة من التهديدات الأميركية.
باختصار، إن مركز الثقل الرئيس في هذا التحوّل العالمي – في رأيي هو – إيران وروسيا والصين، هناك بالطبع بلدان أخرى مؤثرة في آسيا، وتحديداً في الكوريتين والهند وباكستان، إن حلّ هذين الصراعين سيمهّد الطريق بسلاسة إلى قرن آسيوي مزدهر، راقب أيضاً محوراً أساسياً في العلاقات الألمانية الروسية، سيكون هذا الحدث هو ما يربط في النهاية ثروة أوروبا بنهضة آسيا.
يجب أن أضيف أنه يتعيّن علينا أيضاً أن نحسب حساب الغرب لمقاومة هيمنته، وفقدانه النسبي للتأثير، إذ سيكون الأمر فوضوياً. ويبدو أن العقود المقبلة ستشهد معركة شرسة.
نعم ، لا أحد يتوقّع «استسلاماً» من أي نوع، ستنهزم الهيمنة القديمة في القتال، لديهم فرصة هنا للاعتراف بالنظام الطبيعي للأشياء، والتغييرات التي لا مفرّ منها – ثم التكيّف والمشاركة الفعّالة مع الاقتصادات والمراكز السياسية الجديدة، لكن هذا سيتطلب بعض الحس السليم والبصيرة، وأنا لا أرى ذلك في واشنطن أو لندن أو باريس اليوم، لسوء الحظ، وهم يختارون المزيد من المعارك – فنزويلا وأوكرانيا وإيران – والتمسّك بالتحالفات القديمة مثل الناتو التي تزدهر وتقوى في النزاعات.
هناك احتمال حقيقي للغاية بأن نرى بعض الحروب المأساوية تندلع منذ عام 2013، وجدت نفسي أتساءل أحياناً عمّا إذا كانت الحرب الشاملة في الشرق الأوسط ستكون شيئاً جيداً، لأنني أعتقد أنها ستنتهي بسرعة كبيرة، يبدو لي أن إراقة الدماء في السنوات الثماني الماضية في سورية هي أسوأ سيناريو ممكن – وهو – على ما أعتقد – يناسب القوى القديمة، ومن الغريب أنه لا يبدو أنهم يدركون أن سفك الدماء يسير في كلا الاتجاهين، ولن يتم استرجاع ما ينفقه الأميركيون من المال والمصداقية والتأثير.
يبدو الأمر كما لو أن واشنطن تبذل كل ما في وسعها لتشجيع التحالفات والتعاون بين الدول غير الغربية، إن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني، ثم إعادة فرض العقوبات – في مناسبتين الآن – مثالان جيدان بين أمثلة كثيرة، كيف يمكن للمرء أن يفسّر تقديراً خاطئاً بهذا الحجم؟
**أنا بصراحة لا أعرف كيف أجيب على هذا، تصرفات الولايات المتحدة تتحدى المنطق في كل مرة تقوم فيها الولايات المتحدة بالتحرك في هذه المنطقة، فإنها تطلق النار على قدمها، على سبيل المثال، اعترف ترامب مؤخراً بسيادة إسرائيل على الجولان في تحدٍّ تام للرأي العالمي والقانون الدولي، لقد اعتقد أنه كان يعزز موقف حليفه نتنياهو قبل الانتخابات الإسرائيلية ويظهر للعالم من هو الرئيس.
لكن أتعرف ما الذي فعله؟ عزز ترامب اللاعبين الإقليميين الذين يعارضون بشدة المفاوضات السورية الإسرائيلية وأي حلّ وسط مع إسرائيل، لذا، سيكون هناك تداعيات عسكرية على إسرائيل بسبب هذا، والآن كل زعيم عربي سوف يندفع نحو موسكو لأن الولايات المتحدة لم تعد تعتبر وسيطاً نزيهاً وموثوقاً به، إنها خطوة غبية جداً من حيث مصالح واشنطن وتنطوي على فوائد طويلة الأجل ممتازة لخصومها.
في جميع السنوات التي غطيّت فيها منطقة الشرق الأوسط، لم أر أبداً خصوم الولايات المتحدة يتمتعون بهذه الثقة بالنفس على الرغم من أنهم ما زالوا قلقين جداً بشأن احتمال المزيد من المغامرات العسكرية الأميركية، إلا أنهم يدركون أيضاً أن الولايات المتحدة لم تكن يوماً أكثر عزلة مما هي الآن، تمكنت واشنطن من دفع الأوروبيين والروس والصينيين إلى الركن الإيراني بسبب الصفقة النووية، تخيل ذلك!.
يزداد الصدع عبر المحيط الأطلسي بشكل كبير، كما توقعت بالفعل، إلى أي مدى تعتقدين قد يصل؟ هل ترين أمامنا إعادة اصطفاف تاريخية في «العالم الأطلسي»، بقيادة ألمانيا – حسب تقديرك؟
نحن لا ننظر فقط إلى صدع عبر المحيط الأطلسي، نحن نشهد أيضاً خلافات عبر أوروبا، حيث يشكّك السكان والحكومات في تحالفات فاشلة أو متوسطة في عالم سريع التغير، كنت أبحث في تقرير مخابراتي أميركي متاح للجمهور منذ بضع سنوات. أثار اهتمامي اثنين من التوقعات في الاتجاه العالمي: الحكم الرديء وتفتيت الدول إلى كيانات أكثر استقلالية، إننا نشاهد هذه التنبؤات تنطلق في جميع أنحاء أوروبا، ولا يزال معظمها في مراحل حديثة نسبياً.
في نفس السطر، تحدّثت عن شيء مثير للفضول في مقال نشر في كانون الثاني 2014 عن عودة السفراء الأوروبيين إلى دمشق لتبادل المعلومات الاستخباراتية حول الميليشيات الجهادية، كيف تفسرين ذلك؟ هل ترين ذلك كمثال آخر على الغرب المنقسم؟
في الواقع ، لدي انطباع بأن وكالات الاستخبارات الأوروبية كانت تتواصل مع دمشق لأنهم كانوا قلقين من عودة جهادييهم إلى بلادهم، بالتأكيد، لم يتوجّهوا إلى سورية لمساعدة السوريين على محاربة الإرهاب، بعد تمويل ودعم التشدد في سورية، أصيبت الدول الأوروبية بصدمة كبيرة عندما انقلبت تركيا لتطلق مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى شواطئها، لقد أدركت هذه الحكومات أنه سيكون هناك ردّ فعل، وكانت حريصة على القضاء على إبقاء أخطر مواطنيها داخل المسرح العسكري السوري – ومن هنا جاءت الجهود لفتح القنوات مع دمشق، كان التواصل مع أوروبا يخدم مصالحهم بالكامل في تلك المرحلة من الصراع، ولم يكن الأمر يتعلق بالخروج عن «الموقف الأميركي» تجاه سورية.
في الواقع، لقد وجدت بريطانيا وفرنسا من بين الشركاء في غرفة العمليات العسكرية التي أُنشئت في الأردن بعد شهر من الإبلاغ عن التبادلات الدبلوماسية في دمشق، من فضلك أخبرينا عن «موك» من كان بداخلها، وماذا فعلت؟ هل لا تزال تعمل؟
ضمّت موك مجموعة سرية من الدول الداعمة للمعارضة التي أقامت غرفة عمليات في العاصمة الأردنية عمان، وربما في وقت ما في عام 2013، وبحلول أوائل عام 2014 ، تم تأسيس «الجبهة الجنوبية» جنوب سورية، كانت مجموعة شاملة مؤلفة من 54 ميليشيا تدعمها دول موك، ومعظم هذه الميليشيات تلقت التمويل والأسلحة والإمدادات والمخابرات من الدول الغربية التي كانت تتواجد مع تنظيم القاعدة في جميع أنحاء محافظة درعا الرئيسة المتاخمة للأردن، ليس هناك شكّ في أن موك كانت على علم بذلك واستمرت في تسليح ودعم المتشددين المرتبطين بتنظيم القاعدة.
ومن خلال العديد من التقارير وتقارير مراكز البحوث بالإضافة إلى بعض المعلومات من الدول الأعضاء، يبدو أنها ضمّت أكثر من عشرة أعضاء، بما فيهم الولايات المتحدة والأردن وبعض الدول الأوروبية ودول الخليج العربية، لقد سمعت شخصياً أن إسرائيل عضو أيضاً، وبالتأكيد كان معظم تركيزها على ضمان حماية ميليشياتها لمصالح إسرائيل جنوب غرب سورية.
قام ترامب بقطع المساعدات عن المقاتلين السوريين في منتصف عام 2017 ، لكن عندما كنت في درعا بعد عام، مباشرة قبل المعركة الجنوبية الأخيرة، كانت موك تناقش الوضع كما لو كانت لا تزال تعمل، أعتقد أن تركيز موك بحلول ذلك الوقت كان أساساً للتفاوض على نتيجة مفيدة في الجنوب لأن الحفاظ على الأعمال العدائية مع سورية أصبح غير محتمل بالنسبة للأردن، وكان الجيش السوري ينتصر في كل مكان، وكان السكان المحليون في درعا يضغطون على المتشددين ويطلبون منهم المغادرة – وكان أسرى الجيش السوري من المقاتلين يتحدثون عن أن أولوية أوامر موك كانت جميعها متعلقة بإسرائيل.
يثير جون بولتون، ومايك بومبيو في إدارة ترامب قلقاً كبيراً بشأن المسألة الإيرانية، هل تعتقدين أن الأميركيين يدفعون باتجاه صراع مفتوح مع إيران؟
الشيء الجيد في بولتون وبومبيو وإليوت أبرامز وجاريد كوشنر هو أنهم مجانين وأن المجتمع الدولي لا يأخذهم على محمل الجد، والأمر السيّئ في بولتون وبومبيو وأبرامز وكوشنر هو أنهم مجانين ولا يمكن التكهّن بمتى قد يدفعون الرئيس إلى أخذهم على محمل الجد، حتى الآن، لا يبدو أن الإدارة تحظى بالدعم اللازم من داخل مراكزها العسكرية والكونغرسية لإطلاق صراع مفتوح ضد إيران، نحن نعرف ذلك جزئياً لأنها صعّدت تكتيكات الحرب غير النظامية ضد إيران – العقوبات والتخريب والدعاية – ما يعني أن الولايات المتحدة لن تهاجم إيران في الوقت الحالي، يمكن أن يتغيّر هذا دائماً بسرعة، لا سيما إذا كان هناك «حادث إطلاق»، والذي – بالمناسبة – كل من الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين بارعون للغاية في تصنيعه، أعتقد أن البنتاغون خائف من الحرب مع إيران، قيل لي منذ عدة سنوات من قبل صديق لي يعمل هناك إن الولايات المتحدة لم تفز مطلقاً بممارسة ألعابها ضد إيران – إلا إذا تم خداعها، هذه الألعاب الحربية تكلّف ملايين الدولارات، فكيف الحال والحرب الحقيقية تكلّف أكثر من ذلك بكثير، ولكن مرّة أخرى، نحن نتعامل مع الجنون في البيت الأبيض – مع وجود خط مباشر للجنون في تل أبيب ومجنون في الرياض….
اسمحوا لي أن أذكر وجهة نظري هنا وأطلب منك الرد، ظهور إيران كقوة إقليمية أمر لا مفرّ منه مثل التكافؤ بين الغرب وغير الغرب، ليس فقط من غير المجدي أن تقاوم الولايات المتحدة ذلك، ولكن يجب على الأميركيين أن يحتضنوا الإيرانيين كحلفاء طبيعيين في كل المجالات، هذه وجهة نظري ماذا عنك؟
من وجهة نظري، من غير المرجّح أن تردّ إيران على أي دعوات أميركية أخرى حتى تغيّر واشنطن سلوكها الخبيث، وهذا ليس على وشك الحدوث، بعد التراجع عن الصفقة النووية، تواصل ترامب سراً طلباً لإجراء محادثات مع إيران، لم تزعج أي سلطة في إيران نفسها بالرد عليه، كما يشارك الشعب الإيراني هذه المشاعر، إذ يدرك أن الولايات المتحدة لن تحترم إيران أبداً، ولن تلتزم أبداً بتعهداتها، ولن تتوقف أبداً عن قرع طبول الحرب، لماذا إيران تحتاج إلى الحكومة الأميركية؟ لوقف العقوبات؟ هناك الكثيرون في إيران يعتقدون أن العقوبات أنقذت البلاد من خلال إجبار الإيرانيين على أن يصبحوا منتجين ومصنعين وحتى مصدرين.
إيران قوة إقليمية على الرغم من أن الجهود الأميركية عرقلتها، فما الذي يمكن للولايات المتحدة أن تطرحه على الطاولة؟ هل رأيت شكل حلفاء الولايات المتحدة في الجنوب العالمي؟ إنهم لا ينتجون شيئاً، فهم يستوردون كل شيء، ولديهم ديون هائلة، وهم يرتدون أغلال التقشف، لا يمكن لأحد من قادتهم البقاء دون رعاية الولايات المتحدة، «التكافؤ» ببساطة ليس في المفردات الأميركية للشؤون الدولية.
دعينا نذهب إلى الهزيمة الحاسمة لداعش، كما أعلن مؤخراً، حيث تعتبر الصحافة الأميركية بشكل روتيني أن بلادها فعلت ذلك، من هزم داعش فعلياً؟
الرأي السائد في هذه المنطقة هو أن الولايات المتحدة أمضت السنوات الخمس الماضية في تمكين داعش وتشجيع الاستيلاء على الأراضي في العراق وسورية، على عكس تقارير وسائل الإعلام الأميركية، لم تهزم الولايات المتحدة داعش، إذا كان هناك من شيء فعلته فهو أنها كانت قريبة من التنظيم الإرهابي ولم تقاتله.
حتى إن جون كيري، وزير الخارجية السابق، اعترف: «سبب دخول روسيا هو أن داعش كان يزداد قوة…. ونحن نعلم ذلك، وكنا نراقب، لقد رأينا أن داعش يزداد قوة، واعتقدنا أن ذلك سيدفع الرئيس الأسد للتفاوض بعد ذلك، ولكنه بدلاً من التفاوض حصل على دعم بوتين».
لقد كان التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة يراقب ولم يفعل شيئاً عندما اجتاز داعش الحدود العراقية إلى سورية…. تجاهل التحالف شاحنات نفط داعش التي عبرت إلى تركيا لتمويل نمو المجموعة الإرهابية، وغض ّالطرف عن تمويل وتسليح حلفائه لداعش والذين تمت تسميتهم وهم قطر والسعودية وتركيا على وجه التحديد من قبل المسؤولين الأميركيين في كل البيانات ورسائل البريد الإلكتروني المسرّبة، كان داعش أحد الأصول الأمريكية القيّمة في الحرب ضدّ سورية – والرغبة في إنشاء كيان كردي يمتد على الحدود العراقية السورية من شأنه أن يقطع طريق إيران البرّي إلى البحر المتوسط.
سخر الإعلام الغربي لسنوات من حديثي بأن الولايات المتحدة تواطأت مع داعش، فانظر ما فعله الجيش الأميركي عندما شنّ داعش لأول مرة عملياته للاستيلاء على أراض في العراق، لا شيء على الإطلاق، في الواقع، رفضت الولايات المتحدة التورط حتى قاموا بتهديد إقليم كردستان العراق. ومع ذلك، لم يفعل الجيش الأمريكي الكثير….
في 2017 ، سمحت الولايات المتحدة لأكثر من 3000 من مقاتلي داعش بالفرار من الرقة ليسرعوا بالاتجاه جنوباً لوقف انتصارات الجيش السوري ضده في نهر الفرات، لمدة 17 شهراً، كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها متواجدين مع داعش شرق الفرات – لكنهم لم يفعلوا شيئاً سوى إطلاق النار على القوات المتحالفة مع سورية والتي تحاول القضاء على فلول داعش المتمتعين بحماية الولايات المتحدة، قام الأميركيون في الآونة الأخيرة فقط بالقضاء على داعش في ذلك الجيب السوري الباقي، وذلك لأن ترامب أراد الإعلان عن «هزيمة» الجماعة الإرهابية.
الولايات المتحدة لم تنته بعد من داعش، لقد أطلقوهم بدرجة كافية للحفاظ على استمرار الهجمات الإرهابية في جميع أنحاء المنطقة لسنوات قادمة، وصوّر المشهد الإعلامي الغربي الأمر من خلال التحذير المستمر من المزيد من هجمات داعش – الأمر الذي يبرّر استمرار الوجود الأمريكي في هذه الدول.
هناك أيضاً الحديث الصادم عن محاولة الولايات المتحدة الجاهدة لمنع اللاجئين السوريين في لبنان من العودة إلى ديارهم، وأنا أعتقد أن الأوروبيين متواطئون في هذا، كيف تنظرين للأمر؟
قمت ببعض الأبحاث المستفيضة حول النازحين داخل سورية قبل بضع سنوات، وبالتالي أتيحت لي فرصة إجراء مقابلات مع المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية الكبرى ووكالات الأمم المتحدة والمسؤولين السوريين، لقد شجع السوريون اللاجئين على العودة إلى سورية – ولم يرغبوا أبداً في مغادرتهم البلاد، كان التهجير لعبة لمحاكاة «أزمة إنسانية» استراتيجية خارجية يتم استخدامها ضد سورية منذ البداية.
كان السوريون يفرّون من العنف في مناطقهم، وتم فتح الطرق لهم لمغادرة البلاد – ولكن ليس للعودة، أخبرني رئيس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان أنه لم يقابل لاجئاً سورياً واحداً لا يريد العودة إلى سورية، إذن ما الذي يمنعهم من القيام بذلك؟ لا أريد أن أبدو ساذجة تماماً، لكن هناك مشكلة معترف بها في «صناعة المنظمات غير الحكومية»، حيث تبرّر المنظمات غير الحكومية الحاجة لإنفاق مبالغ متزايدة بوجود الأزمات، هناك الكثير مكتوب حول هذه القضية، كان اللاجئون السوريون يعنون المال والبرامج، فأين كان الحافز للسير عكس هذا الاتجاه؟ كان الموقف الافتراضي للمنظمات غير الحكومية هو «لا يسمح لنا بتشجيع اللاجئين على العودة.
لكن السبب الآخر وراء عدم عودة اللاجئين هو أن الخصوم الأجانب لسورية لا يريدون عودتهم، في لبنان، منعت القوى الغربية أساساً العودة لسنوات، حتى وسائل الإعلام الغربية التي تتخذ من بيروت مقرّاً لها، لاحظت خلال الانتخابات السورية الأخيرة أن آلاف اللاجئين السوريين تدفقوا على سفارتهم للإدلاء بأصواتهم، لم يكن هذا الشعب «خائفاً من الحكومة السورية»، كما يتحدث كثيرون.
لماذا لا تريد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وغيرهما عودة السوريين إلى ديارهم؟ لأن سورية ستكون لديها القوة البشرية لإعادة بناء البلد وتأمين حدوده، ولأن الأزمة انتهت، ولأن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ستفقدان نفوذهما على الدول المجاورة لسورية وداخل سورية نفسها، اليوم ، لديك وضع مثير للاشمئزاز في جنوب سورية، حيث يموت اللاجئون والمشردون في ظروف رهيبة في مخيم ركبان، جنوب قاعدة التنف العسكرية الأميركية، يحاول الروس فتح «ممر إنساني» للحصول على المساعدات وإخراج الناس، لكن الولايات المتحدة ترفض معظم هذه الإجراءات، هذا المعسكر بمثابة درع للقاعدة الأميركية، إنها رافعة على طريق حدودي مهم.
ترجمة وإعداد أمل سليمان معروف
عن موقع صالون الأميركي
التاريخ: الأحد 12-5-2019
الرقم: 16975