الثورة – تحقيق هلال عون:
يرى قانونيون أن مشكلة فروغ المحال التجارية تكمن في قانون الإيجار رقم 111 لعام 1952 الذي أقر حق التمديد الحكمي لعقود الإيجار التي كانت سارية قبله أو التي تنشأ بعده، وإضافة إلى الخروج عن المبدأ القانوني “العقد شريعة المتعاقدين” ولم يفرق ذلك القانون بين أنواع العقار المختلفة (سكني- تجاري) مستثنياً العقارات الزراعية، كما لم يفرق بين سبب الإيجار، إن كان للسكن أو للاستثمار التجاري.
في هذا التحقيق نتابع مع عدد من المحامين المشكلات التي نتجت عن تطبيق التمديد الحكمي لعقد الإيجار في المحال التجارية.
مشكلات بالجملة
رئيس مركز الوفاق للتحكيم، المحامي وسام كريم الدين يرى أن القانون 111 لعام 1952 قد خلق جملة من المشكلات منها:
أولاً: توسيع الفجوة بين مفهومي ملكية الرقبة وملكية حق الانتفاع، بحيث نقل فعلياً ملكية حق الانتفاع قسراً إلى المستأجر.
ثانياً: سمح بشكل فعلي بانطلاق ما يسمى دفع الفروغ أو ما يسمى في القانون المقارن بخلو الرِجْل، وقد اعتبره القانون من حيث النص مخالفاً للقانون، كما أنه مخالف للشريعة الإسلامية لأنه يتمّ بعد انتهاء مدة عقد الإيجار الذي قبله المالك.
ثالثاً: خلط في العقارات التجارية بين حق الانتفاع بالعقار وملكية المحل التجاري (المتجر).
رابعاً: وضع آلية غير منطقية أو عادلة لتقييم الأجرة، وذلك من خلال اعتبار التقييم على أساس أن العقار مشغول حكماً من قبل المستأجر، وترك التقييم للجان الخبرة من دون وضع ضوابط قانونية واضحة.
ويضيف كريم الدين: تعاقبت التعديلات على قوانين الإيجار ومحاولات إيجاد حلول قانونية أو اتفاقية للهروب من الوضع الراهن الذي ثبته قانون الايجار حتى صدر قانون رقم 6 لعام 2001 وتعديلاته، الذي شكل تراجعاً عن التمديد الحكمي للمستأجر إلا أنه لا يسري بأثر رجعي وإنما على ما بعده من عقود.
بين باطل وجائز
وحول ما إذا كان يوجد فرق بالتعامل بين العقار التجاري والعقار السكني؟
قال المحامي الأستاذ محمد عماد الصفرة: يعرف الفروغ في القانون السوري بأنه حق الايجار او حق التمديد الحكمي لعقد الايجار، ويعتبر بيع الفروغ باطلاً في القانون السوري فيما لو انصب البيع على هذا الحق وحده، أما إذا انصب البيع على بيع المتجر كاملاً بكافة عناصره المادية والمعنوية والتي يكون حق الايجار أو التمديد الحكمي أحد عناصرها فإن هذا البيع يعتبر جائزاً في القانون السوري)
“رضوة”
ويوضح المحامي كريم الدين أن العقارات السكنية وضع لها حل بتمليك المستأجر لقيمة 40 بالمئة من العقار مقابل تركه له ولا يمكن للمستأجر التمسك بأنه أضاف على قيمة العقار كونه سكن فيه.
وهذا يعني، برأيه، أن عناصر المشكلة في العقارات التجارية تتمحور حول مالك للعقار ومستأجر وعناصر المحل التجاري (المتجر) ومبلغ الفروغ، فخصوصية هذه العناصر جعلت المقترحات السابقة لحل هذه المشكلة عاجزة عن معالجة الحالات المختلفة لها، وكل ما فعله التعديل الأخير هو منح مالك العقار (رضوه) مبلغ 10 بالمئة من قيمة بيع المتجر (الفروغ) وفرصة لاستعادة العقار في حال طلب المالك استرداد العقار مقابل دفع 90 بالمئة من قيمة المتجر، (وليس العقار) بكل عناصر المحل التجاري التي تعترف بها القوانين في العالم، كذلك فرصة في استرداد العقار في حال أخطأ المستأجر في إجراءات إعلام المالك ببيع العقار.
25 بدلاً من 10 بالمائة
أحد المحامين (طلب عدم ذكر اسمه) اقترح رفع نسبة تعويض “الفروغ” إلى 25 بالمائة بدلاً مما هي عليه، أي بدلاً من 10 بالمائة.
ويرى أن في ذلك إنصافاً لمالك حق الرقبة، على أن يتم تطبيق ذلك على بدلات الإيجار الجديدة، ولا يكون لها أثر رجعي عملا بالدستور.
أما المحامية حنان كوكش فقالت: “عند انتهاء عقد الإيجار تنتهي مدته ويتم تجديد العقد، بتاريخ جديد، سواء للمستأجر القديم أو الجديد، مع الاحتفاظ بحق الأولوية للمستأجر الأول، وينظم عقد الإيجار الجديد حقوق الطرفين، مع تحديد مبلغ الإيجار، ويطبق ذلك على كل عقد جديد من دون أن يكون له أثر رجعي على العقود السابقة.
كأنه شريك في المتجر
المحامي كريم الدين أكد أن القضاء السوري اعتبر الأمر الواقع المسمى بحق المستأجر بالتمديد الحكمي عنصراً من عناصر المتجر رافضاً الاعتراف بفكرة الفروغ (خلو الرجل) بعكس ما انتهجته الدوائر المالية في الاعتراف به ومحاولة اجبار القضاء على الاعتراف به وفرض الضرائب عنه، إلا أن القضاء لم يتمكن من الفصل بين هذا العنصر المستحدث عن باقي عناصر المتجر (الاسم التجاري- السمعة- الزبائن..) فعند تقييم التعويضات والضرائب ونسبة المالك يتم احتساب كامل العناصر بشكل جزافي ومنح نسبة المالك على أساسها كلها وكأنه شريك في هذا المتجر.
ولتوضيح هذه الإشكالية، فقد يكون حق التمديد الحكمي والذي يمكن أن يعتبر أجرة العقار غير المحدودة أقل أهمية أو قيمة مالية من الاسم التجاري للتاجر شاغل العقار، كما لو أن شركة عالمية تجارية شغلت عقاراً في مكان متواضع، فأيهما أعلى قيمة!
وهل من العدل عند تقييم نسبة المالك إدخال كلا العنصرين ككتلة مالية واحدة مع باقي العناصر! إذاً المشكلة الحالية حول العقارات التجارية هي في من هو المتضرر من استمرار الوضع الحالي أو إلغاء التمديد الحكمي والدائم لعقد الايجار، هل المالك هو المتضرر أم التاجر الذي يشغل العقار؟
مشكلتان متعاكستان
يقول المحامي كريم الدين: إن الإيجار القديم في العقار التجاري خلق مشكلتين متعاكستين:
الأولى: هي حق مالك العقار بعقاره الذي انتزعه القانون لصالح المستأجر وأبقاه دهراً دون حتى دفع أجرة عادلة.
والثانية: في حق التاجر الذي رفع بعمله وأسمه التجاري قيمة العقار وأحياناً كامل السوق والمنطقة.
رأي الشرع
وقال المحامي الأستاذ محمد عماد الصفرة: وإذا ما أردنا معرفة رأي الشرع الحنيف بهذا المبدأ نجد أن مبادئ الشريعة الإسلامية تحرم هذا المبدأ، وتعتبر نظام الإيجار القديم من العقود الباطلة شرعاً، فالواجب في عقد الإجارة بيان المدة، إذ قال ابن قدامة في المغني:” الإجارة إذا وقعت على مدة يجب أن تكون معلومة كشهر وسنة، ولا خلاف في هذا نعلمه، لأن المدة هي الضابطة للمعقود عليه، المعرفة له فوجب أن تكون معلومة.
“والحكم الشرعي لهذه الحالة هو بفسخ ذلك الإيجار، ورد العين المستأجرة إلى مالكها، أو إبرام عقد جديد معه متفقاً مع أحكام الشرع، وعلى المستأجر كذلك أن يدفع للمالك أجرة المثل عن المدة السابقة لاستخدام العين المؤجرة، إلا إذا تنازل المالك عن ذلك، ويعتبر المستأجر غاصبا في حال طالب المالك بتسليم عقاره، فلم يستجب له المستأجر استنادا إلى هذا النظام الباطل وتصرفاته، والحال هذه في العقار كتصرف الغاصب).
ما هو الحل العادل؟
يرى كريم الدين أن حل المشكلة يحتاج إلى تعديل في القانون، لم يستطع القانون وتعديلاته إيجاد حل عادل للأطراف، لذلك سنحاول تقديم مقترح للحل يكون محلاً للنقاش والتطوير ليكون مشروعاً لحل قانوني أمام الجهات التشريعية.
وتابع: بداية نواجه في هذا الصدد حالتين:
الحالة الأولى: المستأجر الذي لم يدفع قيمة فروغ العقار، كأن يكون المستأجر الأول، وهنا لا يبقى لهذا المستأجر من حق سوى ملكيته لعناصر المحل التجاري .
الحالة الثانية: وهي المستأجر الذي دفع قيمة الفروغ وهنا نفرق بيع بين حالتين فرعيتين:
أولاً: اذا كان المالك المؤجر هو من باع حق الفروغ: وفي هذه الحال فإن المالك قد باع حق انتفاعه بالعقار، وبرأينا فإنه لا يستحق حتى الأجرة السنوية التي يقبضها، ويجب تثبيت حق الانتفاع للمستأجر، ويمكن الزام المالك ببيع حقه بالملكية له لإنهاء المشكلة بشكل نهائي، ويمكن تقييم حق الملكية بقاعدة ثابتة كأن يكون أجرة عشر سنوات.
ثانياً: إذا كان بائع الفروغ هو مستأجر سابق والمالك لم يقبض ثمن الفروغ ففي هذه الحال فإن المالك لم يبع الانتفاع بعقاره وإنما انتزع منه بقوة القانون، وهذه الحالة أكثر التباساً، فالمالك لم يبع حقه، والمستأجر أخذ هذا الحق بقوة القانون فهو ليس غاصباً للعقار، بل إن المستأجر الحالي يمكن أن يكون قد دفع قيمة الفروغ لمستأجر قبله في ظل قانون سابق يسمح بهذا التنازل.
فالمالك يستحق عقاره كاملاً، والمستأجر قد دفع قيمة الفروغ لمستحقه بموجب القانون، إضافة إلى حقه بقيمة عناصر المحل التجاري المرتبطة بالعقار، ولا يمكن حساب هذه الحقوق بشكل دقيق، لذلك نرى تقييمها على عدة معايير قابلة للضبط وعلى سبيل الاقتراح:
إعطاء الخيار للمالك بين استعادة العقار أو إبقاء المستأجر فيه مقابل أجر مثله حقيقة.
في حال رغبة المالك باستعادة العقار يسلم المستأجر العقار لمالكه بعد مدة محددة مثلاً سنة من تاريخ انذاره بتسليم العقار.
منع المالك من استخدام عناصر المحل التجاري باعتبارها حقوقاً مملوكة للتاجر، بل يمكن التشدد بمنعه من مزاولة ذات المهنة مدة من الزمن.
إلزام المالك بدفع تعويض للمستأجر نسبة من القيمة الرائجة للعقار بحدود 10 بالمئة عما لحقه من خسارة ما دفعه من قيمة فروغ (لغير المالك) وعمله الذي سبب قيمة مضافة للعقار.
مقترح آخر
قال المحامي الأستاذ محمد عماد الصفرة: وإذا ما أردنا تقديم مقترح قانوني لإنهاء هذا النوع من الإيجارات فيمكننا الاستئناس برأي المشرع المصري الذي تطرق لحل لهذه المشكلة في المادة 20 من قانون رقم 136 لعام 1981، وبناء عليه فإنني أقترح الحل التالي والتفرقة بين حالتين:
الأولى: أن يكون المالك قد سبق له أن قبض قيمة الفروغ، في هذه الحالة اتفق مع رأي الأستاذ وسام بأن المالك هنا يفقد حقه في المأجور لأنه قد باع وتنازل عن حق الانتفاع به وقبض ثمنه، وبالتالي لا يستحق اي أجرة للعقار أيضاً.
الحالة الثانية: ألا يكون المالك قد قبض قيمة الفروغ، فهنا وبعد الاستئناس برأي المشرع المصري أقترح أن يتم تحديد مدة للمالك، يحق له خلالها طلب استرداد عقاره مقابل دفع 50 بالمئة من قيمة العقار للمستأجر.
اما إذا انتهت المدة ولم يطلب المالك خلالها استرداد عقاره فهنا يفقد حقه في طلب استرداد العقار، وينتقل الخيار للمستأجر، فاذا رغب ببيع المأجور يجب عليه أن يعرض على البائع الشراء مقابل دفع 50 بالمئة من قيمة العقار، ويجب عليه تسديدها وبيان رغبته بالشراء خلال مدة محددة، فإذا انتهت هذه المدة ولم يسدد المالك الـ50 بالمئة هنا يحق للمستأجر بيع العقار مقابل دفع 50 بالمئة من قيمة العقار للمالك).
العدالة المطلقة
“الثورة” سألت كريم الدين: إذا لم يكن تطبيق العدالة لحل هذه المشكلة متاحاً فهل من الأفضل بقاء الوضع على ما هو عليه؟
فأجاب: إن ملف المستأجرين القدامى في العقارات التجارية ملف كما بينا يحوي على كثير من الإشكاليات والحقوق المتشابكة بين الأطراف، ومحاولة الوصول إلى العدالة المطلقة لكل الأطراف بعد مرور هذا الزمن ضرب من ضروب الخيال، وكل طرف يرى الحق من جانبه متغافلاً عن حقوق الطرف الآخر، ودوام هذا الحال يزيد من تعقيد المشكلة وتعدد الأطراف فالمالك سيبقى محروماً من حقه بالملكية، والمستأجر سيبقى مهدداً بترك العقار بأي لحظة، ومع الزمن سيكون لكل منهما ورثة تتفرق الحقوق بينهم بتعددهم وتزايدهم، لذلك لا بد من الوصول إلى حلّ متوازن بين جميع الأطراف.
وختم المحامي محمد علاء أصفر بالقول: يجب دراسة هذا الموضوع من الناحية الشرعية أولاً ثم القانونية، لأنه لا يجوز شرعاً ولا قانوناً الاعتداء على حق المالك باستعمال ملكه، والقانون الذي صدر بمكين المستأجر هو قانون جائر مخالف للشرع والقانون، ويعتبر باطل وما بني على باطل فهو باطل، لذلك ليس لأحد أن يدعي أنه اكتسب حقاً على عقار المالك نتيجة لهذا القانون الباطل، ويجب أن يكتفي بالمدة التي استنفع فيها بالعقار بمقابل بخس في ظل قانون الإيجار السابق.
مشكلة عالمية
أما المحامي وائل الحسن- استشاري تطوير أعمال فقال: إن مشكلة الفروغ للمحال التجارية هي مشكلة عالمية وليست مشكلة محلية ومن المؤكد وجود تجارب عالمية لحل هذه الحالات، بالتعاون أو بالشراكة مع حقوقيين واختصاصيين من العالم وبالاعتماد على الأصل الفرنسي، والاعتماد على التجربة الفرنسية والمصرية.