الثورة – علا محمد :
في قلب جبال اللاذقية، حيث تتلاطم أصوات النار وألسنتها، وقف أبناء سوريا سداً منيعاً أمام أهوال الحرائق، مشيدين لوحة فريدة من نوعها في التضامن والبطولة، تجمعوا من مختلف المحافظات، يداً بيد، ليكونوا شهوداً على عزم لا يلين وإصرار على نسيان أوجاعهم الشخصية، من أجل إنقاذ وطنهم وتضميد جراحه.
أزمة حرائق لا تزال تتصاعد، لتكتب صفحات جديدة من التضحيات، حكايات تُروى من قلب المآسي، تحمل في طياتها دروساً من العزيمة والأمل، فالدفاع المدني السوري، كالسند الوحيد في مواجهة اللهيب، لم يبخل بتضحياته، ورجال الإطفاء والفرق التطوعية، يقفون بروح الفداء شامخين أمام النيران، يلقون بأنفسهم في سبيل إخمادها، رغم المخاطر، تاركين خلفهم أسمى صور الشجاعة والتفاني.
في قلب هذا المشهد الدامي، تبرز صورٌ من إنسانية الشعب السوري المتشابكة مع أبطال الدفاع المدني، من محافظة إدلب، جاء الشاب أحمد حلوم، بائع المثلجات، حاملاً عربة بسيطة تحمل ألوان الفرح والانتعاش، ليشارك السوريين أوجاعهم، ويعبر عن تضامنه بأسلوبه البسيط والجميل، فمن جبال إدلب الشامخة، إلى جبال اللاذقية، جاءت قافلة المحبة معلنة أن التضامن لا يعرف الحدود، وأن أيسر الطرق أحياناً هي إحضار قشة أمل في زمن الغرق.
أما من مصياف، فحكاية أخرى، إذ لم تمنع الظروف المعيشية الصعبة الأهالي من تقديم ما يستطيعون، لقمة طعام بسيطة من يدٍ ممدودة بالدعاء، وقلوبٍ موجهة إلى السماء عالياً، طالبين رحمة الله ومد القوة والصبر لكل يد تعمل على إطفاء النار.
لقد تجلت روح الإيثار في أسمى صورها، حين هرع المتطوعون من كل المحافظات، بكل ما يملكون من طاقة ودماء، لينضموا إلى صفوف الدفاع المدني، وليكونوا درعاً يحمي الوطن من الانهيار، جاءت شاحناتهم محملة بالمعدات، وقلوبهم مملوءة بالحب والإصرار، مقدمين رسالة قوية لكل من يتنفس عبق التضحية: “أن سوريا قوية، وسيرتقي أبناؤها فوق الصعاب”.
في خضم هذه الأحداث، لم يقتصر الأمر على المشاركة المادية، بل امتد ليشمل دموع السوريين التي سكبت على خشبة السماء، والدعوات التي تتردد في ظلال النار، ترنيمة حب وبيان أن الإنسان، رغم الألم، يظل يحمل قلباً نابضاً بالإيمانيات والأمل في غدٍ أفضل.
هذه الصورة الرائعة من التكاتف، والبطولة، والعطاء، تضعنا أمام لوحة من الإنسانية المتحدة، حيث يبقى الأمل حياً، والوجدان السوري يعانق سماء الوطن، متسلحاً بوحدة لا تقهر، وإرادة لا تلين، وموقف يحكي قصة عز وكرامة تستحق كل تقدير وفخر.