الثورة – نور جوخدار:
منذ حوالي 11 شهراً تحولت أنظار العالم إلى دمشق، التي كسرت الجليد بعد سنوات طويلة من العزلة، مستعيدة موقعها على الخريطة السياسية الدولية، وكان وزير الخارجية أسعد الشيباني المحرك الأساسي وراء ذلك النجاح الدبلوماسي، الذي عمل على إعادة فتح قنوات الدبلوماسية مع العالم والمنطقة، ناقلاً الملف السوري إلى عواصم لم يكن من المتوقع أن يصل إليها في ظل حكم الأسد الأب والابن، وصولاً إلى مكاتب صناع القرار في واشنطن.
نهج دبلوماسي متوازن
تبنت الخارجية السورية بقيادة وزيرها نهجاً مغايراً تماماً عن نهج النظام السابق يقوم على تصفير الخلافات والانفتاح المتوازن، بعد أن كانت دمشق غائبة لعقود عن المجتمع الدولي.
لم يكن الشيباني يعرف طعم الراحة منذ لحظة سقوط النظام فقد أمضى معظم وقته خلال الأشهر الفائتة في الجو، متنقلاً بين الدول والعواصم حاملاً معه تطلعات السوريين في غدٍ أفضل، أجرى خلالها ما يقارب 52 زيارة دبلوماسية رسمية شملت دولاً عربية وأوروبية وأميركية.
وفيما يلي أبرز تلك الرحلات التي تم تغطيتها إعلامياً ورسمياً وفقاً لبيانات وزارة الخارجية والمغتربين، حيث كانت أولى زياراته خارج البلاد، إلى المملكة العربية السعودية بدعوة من وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، وذهب بصحبة وزير الدفاع مرهف أبو قصرة، ورئيس جهاز الاستخبارات العامة أنس خطاب، وتلتها زيارات إلى قطر والإمارات ثم الأردن.
كما شكلت زيارة تركيا نقطة تحول بعد قطيعة دامت 14 عاماً، التقى خلالها بكل من وزير الخارجية هاكان فيدان ووزير الدفاع يشار غولر ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم قالن.
المشاركات الدولية
وشارك الشيباني في القمة العربية الطارئة بشأن فلسطين في القاهرة، وهي أول زيارة له إلى مصر، وفي زيارة أخرى حضر فيها اجتماع مجلس جامعة الدول العربية بدورته الـ 164، حيث التقى خلالها وزراء الخارجية العرب منهم وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، ووزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي.
وفي نيويورك، كان العامل الرئيس لتجهيز زيارة الرئيس أحمد الشرع، وإلقائه خطاباُ لأول مرة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ80 والتقى مسؤولون أميركيون.
وفي سبتمبر/أيلول 2025 قام بزيارة رسمية إلى واشنطن، هي الأولى لوزير خارجية سوري إلى واشنطن منذ أكثر من 25 عاماً، اجتمع فيها مع مشرعين أميركيين في “الكونغرس” لمناقشة رفع العقوبات الأميركية على سوريا وعلى رأسها قانون “قيصر”.
وفي موسكو، أجرى أول زيارة لحليف النظام السابق، والتقى مع نظيره سيرغي لافروف والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
انفتاح على أوروبا
زار وزير الخارجية الشيباني، معظم دول الاتحاد الأوروبي، حيث شارك في باريس الدولي من أجل سوريا، ثم عاد مرة إليها برفقة الرئيس أحمد الشرع، للقاء الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والجالية السورية في فرنسا بوساطة المبعوث الأميركي، توماس براك، كما حضر مؤتمر “ميونيخ” للأمن الدورة الـ 61 والتقى على هامشه عدداً من القادة الأوروبيين.
وفي هولندا، شارك للمرة الأولى في تاريخ سوريا باجتماع المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وتعهد بتعاون الحكومة السورية على تدمير أي مخزون متبقٍ من الأسلحة الكيميائية في البلاد.
كما شارك أيضاً في عدة منتديات دولية مهمة مثل مؤتمر “بروكسل” التاسع للمانحين. والمنتدى الاقتصادي العالمي 2025 في دافوس، ومؤتمر “أوسلو” للسلام في النرويج الذي التقى فيه بوزير الخارجية النرويجي، إسبن بارث إيدي، والتقى أيضاً وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، وبدر البوسعيدي العماني.
ورافق الرئيس الشرع إلى البرازيل لحضور مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ 2025. وهي المرة الأولى التي يشارك فيها رئيس سوري في القمة السنوية للمناخ منذ إنشائها في عام 1995.
في أنطاليا التركية، عقد الشيباني اجتماعاً مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بعد يومين من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سوريا من الرياض، وبدء تطبيع العلاقات الثنائية.
زخم دبلوماسي وعربي
وخلال الأشهر الماضية، شهدت دمشق زخماً غير مسبوق في عدد الوفود الأجنبية والعربية التي زارتها، استقبلت خلالها أكبر عدد من الزيارات الحكومية الأجنبية في أقل من عام مقارنة بما استقبلته حقبة الأسديين خلال الـ 53 عاماً والتي تم ترجمة تلك الوتيرة بعودة سوريا إلى الساحة الدولية بسرعة مذهلة وبجهود الدبلوماسية التي تنتهجها وزارة الخارجية بقيادة الشيباني.
ومن أبرز الوفود، وفد بريطاني برئاسة وزير الخارجية ديفيد لامي الذي أعلن إعادة العلاقات الدبلوماسية الرسمية مع سوريا، ودعم برامج التعاون الاقتصادي والمالي، وكانت هذه الزيارة بمثابة إعادة الاعتراف السياسي الغربي بمرحلة جديدة في البلاد.
كما زار دمشق وفد خليجي بقيادة وزير الخارجية الكويتي عبد الله اليحيا، والذي أكد فيها أن “أمن سوريا جزء من أمن الخليج”، في خطوة تُبرز قوة الدبلوماسية الخليجية.
وتلاها وفود رسمية من الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وتركيا والسعودية ومصر والبحرين والأردن والعراق وليبيا وقطر والإمارات، ووفد أوكراني بعد قطيعة مع نظام الأسد إلى جانب عدد من وفود الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وغيرها.
إضافًة إلى زيارة وفد من كوريا الجنوبية برئاسة وزير الخارجية جو تاي-يول، وتم خلالها توقيع اتفاق رسمي لتأسيس العلاقات الدبلوماسية تضمن خططاً لافتتاح سفارات وتبادل البعثات الدبلوماسية، لتصبح كوريا الجنوبية آخر دولة كبرى باستثناء الشمالية تقيم علاقات رسمية مع سوريا.
كل هذه الجهود الدبلوماسية للخارجية السورية مهدت لأهم حدث في تاريخ المنطقة وتاريخ سوريا الحديث، حيث تتجه الأنظار اليوم إلى البيت الأبيض، للقاء الرئيس الشرع بالرئيس ترامب، في محطةٍ قد تُشكّل المنعطف التاريخي نحو رفع العقوبات عن سوريا بلا عودة.