ثلاث مشاجرات وحالة إغماء.. حصيلة يوم في “كهرباء حمص”..! 

 الثورة – فراس النجار:

في البناء الكبير، متعدد الطوابق والأجنحة، قد يتوه المرء وسط سكون لا يشوبه إلا وقع قدميه، إذ تترد أصداء خطواته في الأروقة وبين المكاتب والغرف الفارغة أو شبه الفارغة.

نظرات الموظفين كالسهام تطول كل مراجع يدخل المبنى، ولدی سؤال المراجع لأي موظف يتلقی رداً مقتضباً لا يخفي الضيق: “برّا راجع برّا..”! فيتحرك كالمطرود إلی هذا الـ(البرّا).

في خارج المبنی، مبنی شركة كهرباء حمص، (برّا) يتزاحم مئات المراجعين حول ثلاث أو أربع “برّاكيات”، صورة لاكتظاظ وتزاحم لا يليق بآدمية الإنسان.

النافذة الواحدة، وهي “برّاكية” كبيرة تضم داخلها نحو عشر نوافذ، تتوزع علی صفان متقابلان، يفصلهما ممر لا يتجاوز عرضه المترين أو ثلاثة أمتار! فيه يُحشر المراجعون بالعشرات، وفي ساعات الذروة قد تصل الأعداد إلی المئات، حيث يصبح مجرد الدخول إلی الممر عملاً استثنائياً وخارقاً، يختلط الذكور بالإناث، ويتداخل الأصحاء بالمرضی، فيما تصبح روائح المكان بذاتها مبعثاً علی الشعور بالغثيان.

قسم كبير من هؤلاء المراجعين والمراجعات هم من العائدين إلی أحيائهم وبيوتهم من المهاجر في الشمال السوري.

 فواتير لم يستهلكها..!

يشرح لنا الحاج مصطفی كيف قام بترميم بيته، ليصطدم بعد ذلك بإجراءات إعادة اشتراكه في شركة الكهرباء! والواقع أن معاناته هي معاناة عشرات وربما مئات الألوف ممن عادوا إلی بيوتهم المخربة، ليجدوا أن عدادات الكهرباء، والماء أيضاً قد سُرقت ضمن ما سرقه ونهبه “شبيحة” النظام المخلوع في السنوات السابقة، وبرغم ذلك يجد الحاج مصطفی نفسه مضطراً لدفع فواتير لم يستهلكها ورسوم وأجور وتكاليف يشعر معها وكأنه المسوؤل عن أعمال النهب والسلب، التي صارت لسنوات مهنة أزلام النظام المخلوع و”شبيحته”، بعد تهجير الناس في السنوات السابقة.

مفارقة من يومياتنا المريرة أن يدفع الضحية تكاليف ما نزل به من نهب وسلب!

 استهزاء ولا مبالاة..!

مراجع آخر دخل في جدال حاد مع موظف، كان يشرح كيف أنه أنهی معاملة استرداد العداد المسروق، وأنه دفع كل المبالغ التي طُلبت منه، ومع ذلك لا يستطيع الاستفادة من الكهرباء، بانتظار أن تتكرم الشركة عليه بوضع عداد أو قاطع مؤقت.  ي

يصرّ الموظف علی ضرورة أن يتنظر، فيصرخ المراجع بأنه انتظر شهراً، بينما جيرانه في الحي ينعمون جميعاً بالكهرباء، رغم انقطاعها علی فترات.

ويصف المراجع حاله وسلوك الشركة وإهمالها لحاجته بأنه غير إنساني وغير منطقي في بلد يحترم المواطن، ليأتي جواب الموظف غريباً في استهزائه ولامبالاته: “روح مد كهرباء وإن شاء الله بيطلع الكشاف وبيعمل لك ضبط وخلّي ينفعك كلامك عن احترام المواطن….”!.

في تلك الأثناء كان أحد المراجعين وسط التزاحم قد أُغمي عليه، أخرجه بعضهم إلی الشارع ومددوه علی الرصيف، احتاج لبعض الوقت ليستفيق من نوبة الربو.

علی رصيف الشارع نفسه، حيث الكوة أو “البرّاكية” المخصصة لبراءة الذمم وتسديد الرسوم، لم يكن الحال بأفضل منه في ممر النافذة الواحدة. صحيح أن الشارع يتسع لعشرات ولمئات المراجعين، لكن من دون سقف يرد عنهم حرارة شمس أو هطول مطر.

معاناة وخيبة..!

وقفنا في طابور طويل نستمع إلی ما يدور من تعليقات وأحاديث، تدور كلها تقريباً عن المعاناة، المعاناة حتی في تسديد فاتورة أو تبرئة ذمة. أحدهم كان يقول لآخر إنه يقف في هذا الطابور منذ التاسعة صباحاً، والآن وقد شارفت علی الواحدة ظهراً مازال أمامه أكثر من ثلاثين مراجعاً، ويخشی ألا يستطيع إنهاء براءة الذمة اليوم، وأن يضطر لخوض الطابور مجدداً غداً.

يرد عليه أحدهم ويقاطعه آخر ليتدخل ثالث ويقاطع الآخر وهكذا، والشعور المشترك هو الخيبة والمرارة! بينما كان آخرون يتكلمون بقلق عن التسعير الجديد للكهرباء الذي لا يتوافق مطلقاً مع الدخول الضئيلة أو المعدومة لشرائح واسعة من المواطنين.

نترك الطابور ونقصد المسؤول عن النافذة الواحدة، نسأله عن سبب حشر الناس في هذه “البرّاكيات” أو حولها في طوابير، بينما طوابق بناء الشركة وأجنحتها وأروقتها وغرفها تكاد تكون خالية، وموظفون وموظفات يجلسون هناك بلا عمل، أما كان أكرم لآدمية الموطن أن يُتم معاملته في المبنی لا محشوراً في “برّاكية” أو متزاحماً حولها؟ يرد المسؤول بأن “هذا تنظيم قديم معمول به والتجديد يحتاج إلی وقت”!. أي وقت؟! أبعْدَ مُضي نحو سنة من التحرير، نحتاج وقتاً لتنظيم التعامل في مؤسسة قائمة مع المراجعين وطريقة معاملتهم؟! لم يكن غريباً في ظروف كهذه أن تثور المشاجرات بين المراجعين، شهدنا ثلاثاً منها، في إحداها تبادل المراجعون اللطمات والصفعات واللكمات، وسط لامبالاة تامة من الموظفين المتحصنين وراء النوافذ الحديدية الضيقة!

مماطلة وتمنّع..!

صعدنا الأدراج الخالية من أي شخص، مراجع أو موظف، اجتزنا الأروقة الساكنة، دخلنا مكتب مدير شركة الكهرباء، طلبنا من مدير مكتبه مقابلته، فراح يسألنا عن عملنا وصفتنا وسبب طلب المقابلة؟.

أخبرناه أننا بصدد نشر مادة صحفية عن عمل شركة الكهرباء، ومن الأصول أن نضمّنها رأي مدير الشركة. دخل إليه وعاد بعد دقيقة ليخبرنا باعتذار المدير، لكونه مشغولاً في اجتماع.

عدنا إليه بعد ساعة، فعاد مدير مكتبه ليذكرنا بأنه في اجتماع. جلسنا وقلنا له بأننا سننتظره، فرد بأنه يعتذر عن مقابلتنا حتی لو فرغ من اجتماعه! كنا نودُّ أن نخبر مدير الشركة بأن الإدارة، والوظيفة العامة عموماً، تكليف وليست تشريفاً، مسؤولية لا امتياز.

لقد كان نظام الأسد المخلوع يُذل الناس في أبسط حقوقهم، ويمنُّ عليهم بأقل الخدمات التي يتوجب علی مؤسسات الدولة تقديمها لهم. وقد كان هذا مما رتب احتقاناً، راح يتعاظم مع الزمن حتی بلغ حد الانفجار والثورة.

ليس هناك إدارة حكومية وطنية تستمتع بتعقيد المواطن ولا تبالي بمعاناته، وأن عنوان الإدارة الناجحة خدمة الناس وتلبية حاجاتهم بتفهم ومعايشة لهمومهم، لا الاحتجاب خلف المكاتب الفارهة والانشغال الدائم بالاجتماعات، فكما يری علماء الإدارة العامة، كثرة الاجتماعات بما يزيد عن حجم المنجز هي علامة الفشل الإداري.

كنا نريد أن نقول له وبكل مودة: إن العمل الصحفي شراكة مع المسؤول والمواطن، أمانته شرف الكلمة وتعرية الخطأ. الصحافة ليست ترفاً ولا فضولاً ولا وقتاً مهدوراً في الزيارات والمجاملات. بل كنا نريد أن نقول له: إن الجهل بالقانون لا يُعفي من المسؤولية والمحاسبة، وإن الظروف التي وُضع فيها المراجعون بكل ما فيها من احتمالات عالية لوقوع أذی، كحالة وفاة بسبب الاختناق مثلاً لا سمح الله، تترتب عنها مسؤولية جزائية، أو تقصيرية، علی عاتق المسؤول عن هذا التنظيم وهذه الإدارة أو علی عاتق المسؤول الذي أقرها.

نتمنی من الإدارات الجديدة في قطاعات ومؤسسات الدولة كافة، مراعاة حاجات المواطنين، واعتبار خدمتهم هي وحدها مبرر وجودهم في مناصبهم ومراكزهم. فما سمت دولة ولا ازدهرت إلا بقدر حسّ مسؤولية ووطنية كادرها الإداري. وما انحطت وآلت للسقوط إلا بتعالي الكادر واعتباره لمركزه غنيمة وللمواطن مجرد معاملة تُقبل أو تُرفض بحسب مزاج الموظف أو تعنت المسؤول، ولنا في الأنظمة التي سقطت والدول التي فشلت كل الأمثلة والعبر.

آخر الأخبار
الرئيس الشرع يصل "البيت الأبيض" ويبدأ محادثاته بجلسة مغلقة إعادة تأهيل 320 مدرسة في إدلب زيارة الرئيس الشرع لـ"البيت الأبيض".. ماذا تريد واشنطن من لقاء دمشق؟ بعد 116 يوماً على اختطافه.. الدفاع المدني يجدد مطالبته بالإفراج عن حمزة العمارين سوريا تطرق أبواب "التحالف الدولي".. هذه أبرز الانعكاسات على الخرائط السياسية والعسكرية   ثلاث مشاجرات وحالة إغماء.. حصيلة يوم في "كهرباء حمص"..!  30 ألف مستفيد سنوياً من خدمات مركز الإعاقة ومصابي الحرب وفد سويسري – ألماني يضع ملامح تطوير التعليم المهني في دمشق أجندة ترامب الشرق أوسطية.. لماذا زار الشرع واشنطن قبل صفقة بن سلمان الكبرى؟ بسلاح الحجة والعقلانية.. الرئيس الشرع يفرض الحوار من أجل إلغاء قانون "قيصر" خلال أقل من عام.. كيف أوصل الشيباني سوريا إلى مكاتب "البيت الأبيض"؟ "رويترز".. هل باتت الوكالة البريطانية الوسيلة الأخيرة لترويج تنظيم "داعش" في سوريا؟ ماذا تعني الاتفاقية الأمنية الجديدة بين سوريا وإسرائيل؟ لماذا يترقب لبنان نتائج زيارة الرئيس الشرع إلى "البيت الأبيض"؟ "تجارة حلب" تبحث تحديات قطاع المواد الكيماوية للأدوية ومواد التجميل بعد ارتفاع تعرفة الكهرباء.. المنتج المحلي عاجز عن منافسة المستورد ازدحام السيارات يهدد هوية دمشق القديمة ويقضم ذاكرة المكان فوضى ارتفاع الأسعار مستمرة.. حبزه: التجار يسعرون عبر الواتس آب مستشفى جبلة الوطني.. خدمات مستمرة على الرغم من الصعوبات "مغارة جوعيت" جمال فريد لم يلتفت إليه أحد!