سوريا تطرق أبواب “التحالف الدولي”.. هذه أبرز الانعكاسات على الخرائط السياسية والعسكرية
الثورة – عزة شتيوي:
يفتح لقاء الرئيس، أحمد الشرع، مع نظيره الأميركي، دونالد ترامب، في واشنطن بوابة واسعة للتعاون العسكري والسياسي بين دمشق والغرب كاملاُ، خاصة مع تصدّر توقيع اتفاق انضمام سوريا لـ “التحالف الدولي ضد داعش” أجندة اللقاء الذي يعدّ تحولاً جذرياً في السياسة السورية، ويؤسس لمشهد مختلف في الخرائط السياسية لمنطقة الشرق الأوسط.
فالتوقيع على انضمام سوريا لـ “التحالف الدولي” يفرض معادلات سياسية جديدة تدخل فيها سوريا شراكة حقيقية عسكرياً وسياسياً مع واشنطن وحلفائها، ويلتقط تموضعاً سورياً جديداً في الإقليم والعالم، تراهن فيه دمشق على وضع كل إمكاناتها العسكرية وتحسينها في وجه محاربة “داعش” والتنظيمات الإرهابية التي من المتوقع أن تظهر شراسة أكثر في هذه المرحلة وهو ما تتصدى له الحكومة السورية.
انضمام سوريا لثمانين دولة
مع ظهور تنظيم “داعش” وتمدده في العراق وسوريا وهجماته المروعة في المنطقة، قادت الولايات المتحدة الأميركية استجابة دولية لطلب الحكومة العراقية للمساعدة ضد “داعش”، فتشكل “التحالف الدولي” ضد التنظيم في أيلول/سبتمبر عام 2014.
وبدأ التحالف بستين دولة وانضمت الدول الأعضاء تباعاً، وبدخول سوريا إليه يصبح عدد الدول فيه ثمانين دولة تعمل مجتمعة على مكافحة التنظيم الإرهابي على كافة الجبهات، و هدم شبكاته والوقوف في وجه تمدده العالمي، حيث تعهد التحالف منذ تأسيسه على مكافحة ومواجهة البنية التحتية المالية والاقتصادية لتنظيم “داعش” وتفكيكها، ووقف كل عمليات التسرب من المقاتلين الأجانب عبر الحدود إلى شريان التنظيم، بالإضافة إلى دعم الاستقرار وإعادة الخدمات العامة الأساسية للمناطق المحررة من قبضة “داعش”، ومواجهة دعاية التنظيم.
منذ تأسيس “التحالف الدولي” ضد تنظيم “داعش”، قدم دعمًا عسكريًا حاسمًا للقوات المحلية الناشطة ميدانيًا من أجل دحر التنظيم في العراق وفي المناطق التي كانت خارج سيطرة النظام المخلوع في سوريا. ومكّن هذا الدعم القوات العراقية من إعلان تحرير كامل أراضيها في كانون الأول/ديسمبر 2017، في حين تمكن التحالف من تخليص بعض المناطق السورية من سيطرة التنظيم خاصة في شمال شرق سوريا.
كما تمكن في نفس العام الذي يعتبر حاسماً من تحرير محافظة الرقة كاملة من أيدي التنظيم، ليدخل التحالف مع عام 2018 منتصراً على مساحة 98 بالمئة من المناطق التي كان يسيطر عليها “داعش” في العام 2014 وحصر التنظيم في بؤر محددة في سوريا، إلا أن خلاياه النائمة والصغيرة لا تزال تشكل تحديا لدول التحالف خاصة قبل سقوط نظام الأسد الذي شكل عائقا أمام تخليص البلاد من الإرهاب.
قطع التمويل ومحاربة الدعاية
شكل قطع تمويل “داعش” تحدياً كبيراً لدول التحالف فعملت على قطع موارد التمويل وتجفيفها، اتُّخذت مجموعة من التدابير الرامية إلى مكافحة الشبكات غير الشرعية والإتجار المنظّم بالنفط والتحف الفنية والبشر، خاصة أن التنظيم اعتمد هذه القنوات للحصول على التمويل.
وعقدت في باريس الدورة الأولى لمؤتمر “لا لتمويل الإرهاب” في نيسان/أبريل 2018 وضمّ المؤتمر 70 دولة و20 منظمة دولية. قدمت الدول التزامات من خلالها من أجل مكافحة التستر على قنوات التمويل وتجنّب مخاطر إساءة استعمال منتجات وخدمات مالية جديدة على وجه الخصوص.
كما عُقدت الدورة الثانية للمؤتمر في ملبورن في أستراليا يومَي 7 و8 تشرين الثاني/نوفمبر 2019. واعتمد بعد ذلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على القرار 2462 في 28 آذار/مارس 2019 بشأن مكافحة تمويل الإرهاب. كما تعاونت الدول الأعضاء في التحالف على مكافحة الوجود الافتراضي لـ “داعش” عبر رصد المحتويات الإرهابية المتوافرة على الإنترنت وتفكيكها وإزالتها.
سوريا في التحالف
بتوقيع سوريا على الانضمام لـ”التحالف الدولي” تكثر التساؤلات عن أهمية هذا الحدث وانعكاسه على الأمن القومي السوري والعلاقات السياسية السورية مع الغرب، وفي هذا الصدد يقول الكاتب والمحلل العسكري والاستراتيجي، العميد مصطفى فرحات، في حديثه لصحيفة “الثورة”: إن “انضمام سوريا إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش يشكّل تحولاً استراتيجياً عميقاً في السياسة السورية الخارجية، ويمكن القول إنه يمثل خطوة تأسيسية لإعادة إدماج سوريا في النظام الدولي بعد سنوات طويلة من العزلة والصدام”.
ومن أبرز هذه الانعكاسات كما يذكر فرحات، هو كسر العزلة السياسية التي وُضعت فيها سوريا حيث كان النظام المخلوع يعتمد على محور سياسي وعسكري واحد ( ما كان يسمى محور المقاومة) ما أدى إلى قطع الجسور مع الغرب.
أما اليوم، فإن توقيع الاتفاق يعطي إشارة قوية بأن سوريا الجديدة تسير باتجاه دبلوماسية متوازنة، تتعامل مع الجميع وليس مع محور واحد .
بالإضافة إلى تحسين موقع سوريا التفاوضي في الإقليم واستعادة الشرعية الدولية للنظام السياسي السوري الجديد والاعتراف به واعتباره شريكاً موثوقاً في الأمن الدولي، وقادراً على الالتزام بالقانون الدولي.
كما يرى فرحات، أن انضمام سوريا للتحالف يعني تعزيز الأمن القومي السوري في مرحلة حساسة، فسوريا تحتاج في هذه المرحلة إلى مظلّة دولية تساعدها على ضبط الحدود، وملاحقة الخلايا المتطرفة النائمة.
آلية الانضمام
ووفقاً للمعايير المتبعة في تجارب مشابهة، يمكن توقّع ما آلية انضمام سوريا عسكريا إلى التحالف بحسب المحلل العسكري والاستراتيجي، مصطفى فرحات بأن تبدأ بتشكيل لجنة تنسيق عليا سورية–أميركية مهمتها تحديد طبيعة المشاركة السورية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية ووضع بروتوكولات العمل المشترك، بالإضافة إلى دمج سوريا ضمن منظومة تبادل المعلومات الاستخباراتية وإنشاء مراكز قيادة مشتركة داخل سوريا.
وقد يكون هناك تدريب للقوات السورية، ومن الممكن أن يجري التدريب إما داخل سوريا بإشراف خبراء، أو في قواعد خارجية (مثل الأردن أو تركيا)، وهو أسلوب اعتمده التحالف سابقاً مع قوات عراقية ويمنية وأفغانية، بالإضافة إلى إعادة تأهيل المؤسسة العسكرية. سوريا تخوض معركة مفتوحة منذ انتصار الثورة واستلام الحكومة الجديدة زمام القيادة في سوريا، حاول التنظيم الإرهابي تكثيف عملياته وتنشيط بؤره المتفرقة، فقام بعدة عمليات إرهابية كان أكبرها تفجير كنيسة القديس مار الياس في حي دويلعة ضمن مدينة دمشق ما أسفر عن وقوع ضحايا، الأمر الذي واجهته الحكومة السورية بحزم رغم الإمكانات المحدودة. وتستمر القوات السورية بمهاجمة أوكار “داعش” الذي يسعى إلى التشويش على البنية الأمنية لسوريا الجديدة واستعادة نشاطه، مما يجعل من خطوة دمشق التوقيع على الدخول إلى التحالف خطوة كبرى في إنجاز المهمة الصعبة لاستقرار سوريا وانقاذها في هذه المرحلة السياسية والأمنية الحساسة.
يذكر أن قوات الأمن السورية نفذت خلال الأيام الفائتة على مستوى البلاد ضد خلايا تنظيم “داعش”، 61 مداهمة، وألقت القبض على 71 فرداً، وصادرت متفجرات وأسلحة، في مختلف المحافظات السورية؛ في حلب، إدلب، حماة وحمص ودير الزور والبادية، وأيضاً الرقة ودمشق وريفها.