الثورة – مها دياب:
برعاية وزارة الثقافة، وبمبادرة من مجموعة “هذه حياتي” انطلقت فعالية “شارك كتابك” ضمن مشروع دعم ثقافة الكتاب والمطالعة، وذلك في الفترة الممتدة من الإثنين إلى الأربعاء، 10-12 تشرين الثاني، في المكتبة الوطنية بدمشق، من الساعة الثالثة حتى السادسة مساء.
تهدف المبادرة إلى تعزيز ثقافة القراءة الجماعية، وتشجيع تبادل الكتب بين محبي المطالعة، في خطوة تهدف إلى إعادة تدوير المعرفة وتفعيل دور الكتاب في الحياة اليومية، بعيداً عن كونه مجرد ديكور منزلي.
تبادل الكتب بدلاً من شرائها
تقوم فكرة الفعالية على دعوة المشاركين لجلب كتاب سبق لهم قراءته، ووضعه في متناول الآخرين، مقابل اختيار كتاب جديد من رفوف المبادرة.
هذا التبادل لا يقتصر على الكتب فقط، بل يشمل أيضاً تبادل العناوين والتجارب القرائية، مما يخلق مساحة ثقافية تفاعلية بين أفراد المجتمع.
وفي حديثه خلال الفعالية، أوضح محمد أرحابي، مدير ثقافة ريف دمشق، أن المبادرة تسعى إلى تحفيز المجتمع على تبادل المعرفة، وتوفير بدائل ثقافية عملية تغني عن شراء الكتب الجديدة، وتفتح المجال أمام تداول الأفكار والعناوين بين القراء.
وأضاف أن الكتاب الذي تقرأه اليوم قد يكون مصدر إلهام لشخص آخر غداً، نحن نعيد للكتاب دوره الحقيقي كوسيط معرفي حي، لا كمجرد غرض منزلي مهمل.
إعادة الحياة للكتب المنسية
وأشار أرحابي في حديثه إلى أن كثيراً من الكتب تقرأ مرة واحدة ثم تركن على الرفوف لسنوات، دون أن تعاد قراءتها أو تستثمر معرفياً من جديد، هذا الركود لا يلغي قيمة الكتاب، بل يظهر الحاجة إلى آليات مجتمعية تعيد دمجه في دورة القراءة.
ومن هنا، تأتي أهمية مبادرة “شارك كتابك” في إعادة تفعيل هذه الكتب، ومنحها فرصة جديدة لتكون جزءاً من رحلة معرفية جديدة لقارئ آخر.
فبدلاً من أن تبقى الكتب حبيسة الرفوف، تتحول عبر هذه المبادرة إلى أدوات تواصل ثقافي، تحمل في طياتها تجارب قرائية سابقة وتفتح المجال لتجارب جديدة.
كل كتاب متبادل هو دعوة مفتوحة للحوار، ومصدر محتمل للإلهام، ومفتاح لفهم أوسع للعالم من حولنا، كما أن إعادة تداول الكتب يسهم في خلق بيئة معرفية مستدامة، تقلل من الهدر الثقافي، وتعزز من قيمة المشاركة المجتمعية في بناء الوعي، فالمعرفة لا تستهلك، بل تتداول، وكل قارئ يضيف طبقة جديدة من الفهم والتأويل للنص، مما يمنح الكتاب حياة متجددة تتجاوز لحظة اقتنائه الأولى.

انطلاقة الحملة وتفاعل الشباب
أوضح يزن النوري، مدير حملة “شارك كتابك”، أن الحملة انطلقت بمبادرة من مجموعة “هذه حياتي”، وتهدف إلى تعزيز ثقافة تبادل الكتب ونشر المعرفة بين الشباب السوري، وخاصة طلاب الجامعات، برعاية وزارة الثقافة.
وقال نحن ندعو الشباب لجلب كتبهم التي قرؤوها منذ سنوات، لتبادلها مع الآخرين، في فعالية مجانية تشبه معارض الكتب، لكنها تعتمد على التبادل المباشر، مما يجعلها أكثر تفاعلية وواقعية.
وأضاف عندما طرحنا الفكرة على الفريق، كانت ردود الفعل إيجابية جداً، وشعر الجميع أن هناك شيئاً جديداً وملهماً، أسهم معنا العديد من الأصدقاء، وتم عرض كتب من مراكز ثقافية مختلفة، مما أتاح للمشاركين فرصة الاطلاع على محتوى متنوع وغني.
وأكد أن التبادل دائم، حيث يمكن للمشارك أن يأخذ كتاباً ويبدله بآخر، في دورة مستمرة تهدف إلى نشر القراءة والوعي الثقافي.
أصوات من القلب
شهدت الفعالية حضوراً متنوعاً من القراء والمهتمين بالثقافة، خاصة من طلاب جامعة دمشق.
تقول علا الزين، إحدى المشاركات عرفت عن الحملة من خلال فريق هذه حياتي، وشاركت لأنني أحب القراءة وأؤمن أن تبادل الكتب يعزز الوعي الثقافي بيننا كطلاب.
أما ماريا تسابحجي، المتطوعة في وزارة الثقافة، فقد أضافت لمستها الخاصة من خلال كتابة أسماء المشاركين على إشارات الكتب بخط عربي، مؤكدة أن الخط العربي تراث عالمي يميز لغتنا، ويسهم في إبراز الهوية الثقافية للمبادرة.

نحو نشر دائم للوعي
عبّر المشاركون والزوار عن رغبتهم في استمرار هذه المبادرات بشكل دوري، لما لها من أثر إيجابي في تعزيز روح المطالعة وتوفير بدائل معرفية بأسلوب تشاركي.
وأكد فريق “هذه حياتي” أن أحد أهدافه الأساسية هو رفع الوعي الثقافي لدى الشباب السوري، عبر مبادرات مستدامة تنطلق من المجتمع وتعود إليه.
وتفتح حملة “شارك كتابك” الباب أمام تصور جديد لدور الكتاب في الحياة اليومية، حيث يتحول من مادة استهلاكية إلى أداة تفاعلية تُسهم في بناء جسور ثقافية بين الأفراد.
فكل كتاب متداول هو فرصة لإعادة اكتشاف الذات والآخر، وكل لقاء حول رف المبادرة هو بذرة لحوار معرفي يتجاوز حدود النص.
إن إعادة الحياة للكتاب، وإشراك المجتمع في تداول محتواه، يعتبر دعوة مستمرة لإعادة بناء علاقة أكثر حيوية وعمقا مع المعرفة، حيث يكون لكل قارئ دور، ولكل كتاب رحلة جديدة تبدأ من يد إلى أخرى.