تتزاحم التخمينات حول الأسباب والدوافع التي تحكم التطورات في إدلب ومسارها التصاعدي سياسياً وميدانياً.. بعيدها وقريبها.. الآني منها والنهائي، في وقت تكثر فيه المعطيات والمعلومات والتسريبات أيضاً حول اللهاث التركي خلف تحقيق ما يمكن تحقيقه لتحسين شروط وجوده في سوتشي، أو بمعنى أصح لتحسين موقعه التفاوضي داخل الترويكا الثلاثية التي تجمعه مع الروسي والإيراني.
فالمؤشرات الميدانية تنحو باتجاه تأكيد المؤكد في سياق محاولات البحث عن تفسير للمماطلة التركية التي أوصلت الأمور إلى الحائط المسدود، ورمت بكل الأوراق السياسية خارج الحسابات، بعد أن بدت الدائرة مغلقة على النظام التركي وبإحكام، والذي بدا أنه يشتري الوقت بأي ثمن وتحت أي ظرف، ولو ذهب به الأمر للذهاب إلى مواجهة سياسية مع شركائه الضامنين.
فالمعادلة التي ينشدها النظام التركي يعتقد أنها الأقل تكلفةّ، هي الاشتباك السياسي، على أن يقع المحظور في نهاية المطاف والاضطرار إلى خوض منازلة ميدانية يبدو أنه الخاسر الأكبر حتى لو كانت بالوكالة، أو عبر التنظيمات الإرهابية، وخصوصاً بعد المواجهة التي جاءت على سبيل التجريب العبثي، التي دفع إليها تلك التنظيمات، حين لم تلتزم بشروط خفض التوتر المتفق عليها، ومارست اعتداءات يومية على المناطق الآمنة المجاورة والبعيدة.
الاختلاف كان في النتائج التي انتظرها رئيس النظام التركي، وربما عوّل عليها، والتي تحاكي سياسة المراوغة واللعب على حبال السياسة وتقاطعاتها الميدانية، حين فشلت التنظيمات الإرهابية، التي راهن عليها في التحكم بمسار الإشغال التي عمل عليها، وبرزت إلى الواجهة سلسلة تطورات ميدانية، أفقدت تلك التنظيمات ومن خلفها النظام التركي القدرة على التحكم بالتطورات التي بدت متسارعة، وتشي بانهيارات في صفوف الإرهابيين، بما ينذر بوقوع المحظور الذي يجهد لتجنّبه.
والفارق في المسألة ما يتم تداوله وأثبتته الوقائع الميدانية بكثير من الأدلة والقرائن، بأن النظام التركي استقدم تعزيزات نوعية لدعم الإرهابيين بالسلاح والعتاد، وكان الدليل في معركة كفر نبودة واستماتة الإرهابيين من أجل استرجاعها، وهو ما فتح الباب على سيل من الاتهامات بين التنظيمات الإرهابية نفسها، ولغة التخوين بينها وبين النظام التركي، الذي أراد لها أن تكون وقوداً لتحسين شروط تفاوضه.
بين هذين الحدّين تبدو تطورات المواجهة أبعد من سياق الفهم القاصر لدى النظام التركي، وأكثر حضوراً على مسرح العمليات المفتوحة التي ستؤول في نهاية المطاف إلى ما سبق أن آلت إليه مختلف المواجهات السابقة، وأن الفجيعة التركية لن تقتصر على فشله في تحسين شروط التفاوض، بل خسر ما تبقى له من رصيد لدى الروسي، وهو ما برز على نطاق واضح في الحديث الذي تصرّ عليه موسكو، بأن وجود الإرهابيين في إدلب لن يبقى، ولن يستمر.
الرسالة الروسية الواضحة سياسياً ودبلوماسياً والرسالة الميدانية التي يسطّرها الجيش العربي السوري الأكثر وضوحاً، لم تعدّل حتى اللحظة في المقاربة العبثية التي ينتهجها النظام التركي، الذي لا يزال يراهن على الإرهابيين، ويعوّل على شراء الوقت الذي يريد أن يبيع من خلاله الوهم مرتين: مرة للأميركي، وأخرى لإرهابييه، وربما ثالثة لمن صدّقه أو يصدّقه.
إدلب ليست لتحسين شروط التفاوض، ولا لبيع المزيد من الأوهام، بل هي نهاية لكل الواهمين والمتوهّمين، ولا هي للتفاوض أصلاً، إنما أرض سورية ستعود، وسيندحر الإرهاب عنها، وسيرحل المحتل، وسينكفئ الطامعون والغاصبون والمحتلون والمرتزقة والأجراء ومن لفّ لفّهم، أو سار على دربهم، أو صدّق وعودهم وأكاذيبهم.
بقلم رئيس التحرير عـلي قاسـم
a.ka667@yahoo.com
التاريخ: الثلاثاء 28-5-2019
رقم العدد : 16988