تبدو المنطقة وكأنها على كف عفريت، في ظل التحشيد والتصعيد الأميركي المتواصل ليس العسكري فحسب، بل السياسي والدبلوماسي والاقتصادي أيضاً الذي يقوده صقور الإدارة الأميركية وغربانها التي تنعق بالحرب والخراب بقيادة بومبيو وبولتون وبدعم إسرائيلي واضح، لاسيما وأن إسرائيل تبرز إلى الواجهة بأنها صاحبة المصلحة العليا بإشعال الحرب في المنطقة، خاصة إذا كانت حرباً ضد محور المقاومة التي تمثل الجمهورية الإسلامية الإيرانية ركناً أساسياً منه.
فبعد نحو شهر على حادثة ميناء الفجيرة الإماراتي الذي أسفر عن تعرض أربع ناقلات نفط إماراتية لهجوم، تعرضت نهاية الأسبوع الفائت ناقلتا نفط جديدتان لهجمات إرهابية في مياه خليج عمان، ليعود التوتر ليخيم مجدداً على المنطقة في ضوء الاتهامات الأميركية والخليجية والإسرائيلية الجاهزة لطهران حتى قبل أن تقوم الأطراف صاحبة العلاقة بالتحقيقات، وفي هذا دليل واضح على النوايا المبيتة لواشنطن تجاه إيران، حيث كانت تصريحات وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو التي أعقبت الهجمات بلحظات تؤكد بما لا يترك مجالاً للشك وتفضح عن سعي حثيث ورغبة جامحة لدى صقور الإدارة الأميركية وعلى رأسهم (بومبيو وبولتون) بالتعاون مع إسرائيل وبعض المشيخات الخليجية لإشعال الحرب مع إيران ودفع ترامب لإعلانها.
لكن رغم هذا التوتر الذي يأخذ مساراً تصاعدياً فإنه لا يمكن الوصول إلى استنتاج حاسم أو نتيجة قطعية بأن الحرب واقعة، ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى عدم نضج الظروف والأسباب والدوافع الأساسية لشن حرب، لاسيما في ظل غياب الدعم العالمي والأوروبي لواشنطن في هذا الاتجاه، خصوصاً وأن بوادر الخلاف والاختلاف كانت ظاهرة بين الأميركي والأوروبي طيلة المرحلة التي سبقت الاتفاق النووي، ليس هذا فحسب بل إن الأمور قد أخذت شداً وجذباً كبيراً بين الطرفين في أعقاب الانسحاب الأميركي من الاتفاق.
ناهيك عن أن الظروف الإقليمية والدولية المستجدة نتيجة الحرب على سورية وفشل داعميها وأدواتهم في تحقيق أهدافهم، قد ضاعفت من مخاطر وتداعيات أي حرب مقبلة في المنطقة بسبب التحولات الكبرى التي ضربت المشهد، تلك التحولات التي أعادت الروسي والصيني والإيراني إلى المسرح الدولي كقوى إقليمية ودولية فاعلة ومؤثرة في العالم وبالتعاون والتحالف مع كل الدول والقوى الرافضة والمقاومة للمشاريع الاستعمارية والاحتلالية والتخريبية الأميركية على مستوى العالم بأسره.
الهجمات الجديدة في بحر عمان لم تدفع بالتصعيد خطوة إضافية نحو الأمام فحسب، بل أدت بطريقة أو بأخرى إلى ضرب أو تعطيل جهود التهدئة التي تقودها بعض دول العالم – اليابان ،ألمانيا ، سويسرا – وهذا من شأنه أن يشرع الباب على مصراعيه عن الأطراف الحقيقية المستفيدة من وراء هذه الهجمات، ليبرز الكيان الصهيوني كأحد أبرز الأطراف المستفيدة من تأجيج الأوضاع في المنطقة لاسيما ضد الجمهورية الإيرانية التي كانت ومازالت منذ الإطاحة بنظام الشاه داعماً أساسياً لكل حركات المقاومة ضد المشروع الصهيو-أميركي وتحديداً المقاومتين الفلسطينية واللبنانية من أجل استرجاع واسترداد الحقوق المغتصبة.
ولكن رغم هذه المعطيات والتطورات الجديدة تبدو أميركا ماضية في سياسة التحشيد والتصعيد بجميع أشكاله ومستوياته ولاسيما الاقتصادية، وتبدو معها الأطراف التي تسعى لصب الزيت على النار لاسيما إسرائيل والسعودية والإمارات مستمرة وجاهزة لخلق الذرائع والحجج لتفجير الصواعق الجاهزة للتفجير وتأجيج الأوضاع والدفع بالأمور نحو المواجهة التي لن يمنع حدوثها إلا قراءة موضوعية لتداعيات الحرب التي ستتأذى منها جميع الأطراف بدون استثناء وخاصة المشاركة في إشعال النيران وفي مقدمتهم دول الخليج والكيان الصهيوني.
وبالتالي يمكن توقع المزيد من التصعيد والتوتر خلال الأيام القليلة القادمة وربما مزيداً من الغليان في المياه الباردة قبل توجه أطراف الصراع، إما الذهاب بعيداً نحو المواجهة وإما الذهاب نحو الجلوس إلى طاولة المفاوضات، خصوصاً مع الرفض الإيراني المعلن لسياسة التهديدات والعقوبات والنعيق المتكرر لجر المنطقة إلى آتون حرب شاملة.
فؤاد الوادي
التاريخ: الخميس 20-6-2019
رقم العدد : 17005