واجه الاحتلال الإسرائيلي للجولان العربي السوري في حرب عام 1967 رفضاً واستنكاراً دولياً وأممياً مستمراً، كما أدى العدوان إلى سقوط صورة الكيان وهبوط رصيده الدولي، حيث أجمعت دول العالم ومن بينها الولايات المتحدة أكبر حليف له على عدم شرعية الواقع الذي فرضه الاحتلال بقوة السلاح، بحيث لم يجرؤ أحد على الاعتراف بالواقع المشوه الذي أحدثته إسرائيل، وصدرت قرارات دولية تدعوها للانسحاب إلى خط الرابع من حزيران وعدم جواز استيلائها على أراضي الغير بالقوة، وظل هذا الوضع مستمراً رغم كل المحاولات الإسرائيلية لتغييره، حتى وصل إلى البيت الأبيض دونالد ترامب الرئيس الأكثر صهيونيةً من كل من سبقه من رؤساء، ليقدم لتل أبيب في تغريدة متهورة كل ما كانت تسعى إليه خلال سنوات خلت، أي الاعتراف بسيادتها على الجولان المحتل، حيث شكل هذا الاعتراف موقفاً يتيماً ومستهجناً في بحر من المعارضة الدولية له، وقد رآه الكثيرون محاولة من ترامب للحصول على دعم اللوبي الصهيوني له في الانتخابات القادمة وكذلك التملص من الأزمات الداخلية التي تلاحقه.
فمن خلال تغريدة واحدة تحتقر القانون الدولي، وتوقيع استعراضي، ضرب ترامب بعرض الحائط كل قرارات الشرعية الدولية، لكن أهلنا في الجولان السوري المحتل كانوا له بالمرصاد، بحيث أكدوا له بصمودهم ووقفاتهم الاحتجاجية ضد قراره المأفون، أن الجولان سيبقى عربياً سورياً وأن قراره لا يساوي ثمن الحبر الذي كتب به، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، والجولان له أهله وأصحابه المتمسكون بكل ذرة من ترابه الطاهر، وما تحركاتهم الاحتجاجية خلال الأشهر الماضية وإضرابهم بالأمس ضد محاولات الاحتلال اللعب بالجغرافيا وتكريس سيادته المرفوضة بوقائع جديدة عن طريق تركيب مراوح هوائية لإنتاج الطاقة، سوى تأكيد جديد على أن أبناء الجولان هم أصحاب هذه الأرض المتربصين بمشاريع الاحتلال.
لقد فرضت إسرائيل (سيادتها) غير القانونية وغير الشرعية على الجولان عام 1981 عبر قرار الضم المشؤوم الذي فجر مقاومة شعبية ضده وإضرابات شلت الحركة في الجولان المحتل، واستطاعت أن تبني مستوطنات وتأتي بمستوطنين إليه وتسرق مياهه وثرواته ومحاصيله الزراعية، لكنها فشلت فشلاً ذريعاً بترويض أبناء الجولان أو فرض هويتها غير الشرعية عليهم، وظل الجولانيون غصة وشوكة في حلق الاحتلال ومخرزاً في عينيه لا يستطيع أن يتجاهلهم أو يقفز عن حقيقة الواقع الذي يمثلونه بهويتهم العربية السورية وبانتمائهم لوطنهم الأم سورية ولشعبهم، حيث كانت مواقفهم الشجاعة والأصيلة خلال الحرب الإرهابية التي شنت على وطنهم تعبيراً صادقاً عن وطنيتهم وصدق انتمائهم، وهذا ما قضَّ مضجع الصهاينة وجعلهم يتسولون إلى ترامب قراراً بائساً لا يغني ولا يسمن من جوع ولا يعطيهم شرعية أو يمنحهم حقاً في أرض اغتصبوها بقوة السلاح والقهر والاحتلال.
اجراءات الاحتلال السافرة في الجولان العربي السوري ومحاولاته المستمرة استثمار الإمكانيات الموجودة فيه واستغلال الموقع الحيوي والاستراتيجي له بشتى الطرق يكشف عن الأطماع الصهيونية الدنيئة في الجولان ومن بينها محاولات التنقيب عن النفط والغاز وسرقة المياه وحرمان الجولانيين منها عبر تحويل الجزء الأكبر منها لمصلحة مستوطنيه في فلسطين المحتلة، وكذلك سرقة الآثار واستغلال مرتفعات الجولان سياحياً، ولعل تسمية إحدى المستوطنات غير الشرعية في الجولان باسم دونالد ترامب تعتبر ذروة الاستهانة بالأعراف والقوانين الدولية، حيث تتم مكافأة داعم الإرهاب والاحتلال بإطلاق اسمه على جزء من الأرض المحتلة.
من المعلوم أن المحتل الصهيوني يستثمر في الجولان أكثر من 28 مصنعاً من ضمنها مصانع للصناعات العسكرية الجوية في مستوطنة (بني يهودا) من ضمنها الصناعات الأمنية لأجهزة الوقاية من السلاح الكيميائي، وهناك أكثر من ثلاثة وعشرين تجمعاً مائياً أقامته إسرائيل في الجولان المحتل، إضافة إلى منتجع (جبل الشيخ) الذي يرفد الاحتلال سنوياً بأكثر من ملياري دولار لخزينته.
كما يستغل الاحتلال الجولان سياحياً حيث تؤكد بعض الإحصائيات الصهيونية أن هناك ثلاثة ملايين سائح أجنبي يدخلون إلى الجولان سنوياً بشكل دوري للاصطياف والاستجمام.
من الواضح أن الاحتلال الإسرائيلي يستميت لاستغلال قرار ترامب بأشكال مختلفة في الجولان ظناً منه أن ما يفعله اليوم ويقيمه من مشاريع اقتصادية تحت عناوين مختلفة يمكن أن يكرس احتلاله ويخرج الجولان العربي السوري المحتل من ذاكرة ووجدان السوريين ومن المفيد هنا تذكير ترامب ونتنياهو ومن يعنيهم الأمر بما قاله السيد الرئيس بشار الأسد في ذروة العدوان على سورية عام 2013:(لا تنازل عن المبادئ ولا تفريط بالحقوق، ومن راهن على إضعاف سورية من الداخل لتنسى جولانها وأراضيها المحتلة فهو واهن، والجولان لنا وفلسطين قضيتنا التي قدمنا لأجلها الغالي والثمين، الدماء والشهداء وسنبقى كما كنا ندعم المقاومة ضد العدو الأوحد فالمقاومة نهج لا أشخاص).
زينب العيسى
التاريخ: الخميس 20-6-2019
رقم العدد : 17005