الثورة – رولا عيسى
في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار نحو إعادة بناء الاقتصاد الوطني بعد عام من التحرير، تبدو مدينة عدرا الصناعية واحدة من أكثر المناطق الصناعية السورية قدرة على تقديم نموذج عملي لعودة النشاط الإنتاجي، ليس بوصفه حدثاً معزولاً، بل كمسار متصاعد يعكس انتقالاً واضحاً من مرحلة التعافي إلى التمكين الصناعي.

الأرقام المتراكمة، إلى جانب حركة البناء والاستثمار، ترسم ملامح مشهد جديد عنوانه: عودة الصناعة السورية إلى دورها المحوري كقاطرة للتنمية.
مؤشرات النمو
حمل عام 2025 إشارات واضحة على انتقال مدينة عدرا الصناعية من مرحلة التعافي إلى التمكين الإنتاجي، وهو ما أكده مدير المدينة الصناعية، سامر السماعيل.
وقال السماعيل لصحيفة “الثورة”: “شهدت المدينة توسعاً مدروساً في التخصيص الصناعي، حيث تم تخصيص 218 مقسماً صناعياً لمختلف أنواع الصناعات، ما يعكس استمرار الطلب على الاستثمار الصناعي رغم التحديات”.
وأضاف: “وتيرة البناء بقيت نشطة، مع دخول عشرات المعامل الجديدة في طور الإنشاء، حيث بلغ عددها حوالي 34 منشأة، بينما بدأت منشآت أخرى بالإنتاج الفعلي وعددها 12 منشأة، بعضها في قطاعات صناعية كبرى، ما يدل على أن الاستثمارات لم تعد مجرد نوايا، بل تحولت إلى واقع ملموس”.
وأشار إلى أن “هذا التقدم ترافق مع تنوّع الصناعات، إذ حصلت 10 معامل على سجلات شملت القطاعات الهندسية والكيميائية والغذائية، ما يعكس نضج توجهات المستثمرين نحو الصناعات ذات القيمة المضافة”.
تنظيمياً

من جهة تنظيمية، أوضح السماعيل أن الإدارة شهدت مرونة في منح التراخيص، وهو ما يظهر في أرقام الرخص الصادرة لأول مرة، والتي بلغت 31 رخصة، فيما بلغت الرخص المجددة 87 رخصة، وعدد رخص الاستكمال للمقسم نفسه 39 رخصة، وعدد الرخص سارية المدة حتى تاريخه 173 رخصة، وعدد أذونات الصب 114 إذناً.
وأكد السماعيل أن هذه المؤشرات تؤكد أن القطاع الخاص بدأ يستعيد زمام المبادرة، ليس فقط كممول، بل كشريك في صياغة مستقبل اقتصادي أكثر استقراراً وتنوعاً. وأضاف: “نحن في إدارة المدينة نعمل على تعزيز هذا الدور من خلال تطوير البنية التحتية، وتوسيع نطاق التخصيص، وتقديم تسهيلات نوعية تواكب تطلعات المستثمرين”.
حصاد تراكمي
وتؤكد الأرقام التراكمية الدور الحيوي الذي تلعبه عدرا الصناعية في دعم الاقتصاد الوطني.
وكشف السماعيل عن وصول عدد الشركات المنتجة حتى الآن إلى 1003 منشآت في القطاعات الغذائية والنسيجية والكيميائية والهندسية، وتوفير فرص عمل لـ 72 ألفاً و389 شخصاً.
وأوضح أن عدد المعامل قيد البناء المباشر بلغ 2,437 معملاً، في حين تم إصدار 3,957 رخصة بناء، وإجمالي الاستثمارات في المدينة بلغ 1,476 مليار ليرة سورية، فيما وصلت الإيرادات التراكمية للمدينة إلى 226 مليار ليرة، والإنفاق التراكمي على مشاريع البنية التحتية والاستملاك تجاوز 94 مليار ليرة.
وبيّن أنه ضمن الأرقام التراكمية تم تسليم 5,763 مقسماً صناعياً بمساحة إجمالية قدرها 1,797 هكتاراً، وتم تخصيص 5,755 مقسماً بمساحة إجمالية قدرها 1,779 هكتاراً لإنتاج الطاقات البديلة.
بيئة استثمارية واعدة

وفي تعليق على هذه الأرقام ودلالاتها، أكد رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها، أيمن مولوي، أن هذه المعطيات موثقة وتعكس الواقع الفعلي.
وقال مولوي لصحيفة “الثورة”: “اليوم سوريا، وبعد الخلاص من النظام المخلوع، أصبحت مقصداً للمستثمرين السوريين والعرب والأتراك وغيرهم”.
وأضاف: “نسعى مع وزارة الاقتصاد والصناعة لتذليل أي صعوبات تواجه الصناعة والاستثمارات، ومؤخراً صدرت تعديلات على قانون الاستثمار، والمهم الآن تبسيط إجراءات التراخيص وأي معوقات، ووضع نافذة واحدة للمستثمر يتم من خلالها تأمين كل ما يلزم”.
وأشار إلى التحسن الملحوظ في قطاع الطاقة، قائلاً: “وضع الطاقة يتحسن مستمراً، ويتم تزويد المدن والمناطق الصناعية بالكهرباء على مدار 24 ساعة تقريباً، وموضوع الطاقات البديلة ذو أهمية بالغة للحصول على الطاقة بأسعار أقل، ونعمل على تعديل قانون الكهرباء المتعلق بالطاقات البديلة لجذب الاستثمارات في هذا القطاع الهام”.
واعتبر مولوي أن “النمو المتسارع في عدرا الصناعية خلال العام الأخير يثبت أن القطاع الصناعي قادر على استعادة دوره الريادي بمجرد توفر البيئة المناسبة، وما نشهده اليوم ليس توسعاً رقمياً فقط، بل توسع نوعي في الصناعات المنتجة، مع دخول مستثمرين جدد وعودة مستثمرين سابقين”.
وأكد العمل على “دعم هذا التوجه عبر تعزيز الخدمات، وتحسين التواصل مع الصناعيين، وإيجاد حلول عملية لعقبات التمويل والمواد الأولية، وتطوير التعاون مع الجهات الحكومية بما يضمن استمرار هذا الزخم”.
ومما سبق، تبدو عدرا الصناعية كأنها تستعيد موقعها الطبيعي كأكبر تجمع صناعي في سوريا، مستندة إلى استثمارات ضخمة، وحركة بناء نشطة، وتنوع صناعي متزايد.
ولا تعتبر الأرقام المتحققة مجرد مؤشرات اقتصادية، بل شهادة على قدرة الصناعة السورية على النهوض حين تتوفر البيئة المناسبة.
ومع استمرار العمل على تطوير البنية التحتية، وتبسيط الإجراءات، وتحسين واقع الطاقة، يبدو أن عدرا الصناعية ماضية نحو مرحلة جديدة عنوانها: الإنتاج، والاستقرار، وجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والخارجية.