الثورة – علي إسماعيل:
نجحت الدبلوماسية السورية في تحقيق إجماع دولي على دعم العملية الانتقالية التي تشهدها سوريا بعد سقوط النظام المخلوع في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، واستطاعت انتزاع اعتراف بضرورة حماية إرادة الشعب السوري والحفاظ على وحدتها وسلامة أراضيها.
عملت السياسة السورية على تعرية وفضح الجانب الإسرائيلي الذي لا يتوقف عن استفزاز الجانب السوري عبر مزيد من الانتهاكات، ضارباً عرض الحائط بكل المقررات الأممية والقوانين الدولية. لذلك، حصلت دمشق على مواقف سياسية تدعم التوجه السوري بضرورة وقف انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي المتكررة، والالتزام باتفاقية فض الاشتباك لعام 1974.
وفي كل يوم، تزداد المؤشرات السياسية على صوابية النهج الدبلوماسي السوري نحو سياسة التوازن والانفتاح التي أثمرت علاقات سياسية مع مراكز صنع القرار العالمي، انطلاقاً من العلاقة الصحية والسليمة مع محيطها العربي والإقليمي نحو العلاقات الدولية. كما عملت على تصحيح المسار مع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، من موسكو إلى واشنطن، ومن باريس إلى لندن وبكين، لتكون في مسار واضح نحو التعاون والحوار بعيدًا عن الاستقطابات السياسية.
كذلك، انخرطت الدبلوماسية السورية في بناء تحالف إقليمي بأبعاد اقتصادية وأمنية، وبدعم دولي يستطيع فتح المسارات السياسية المغلقة، وبناء جدار سياسي قادر على التصدي للمخططات الإسرائيلية أو غيرها شرقاً وغرباً.
إجماع دولي على دعم سوريا
لا يمكن قراءة تصريحات مندوبي مجلس الأمن الدولي في جلسته التي عقدها الأربعاء، بشأن سوريا ضمن سياق الأخبار العادية عن اجتماع دوري للمجلس لإطلاق تصريحات لسد فجوة إعلامية هنا أو هناك، خاصة أن كلمات مندوبي الدول الخمس دائمة العضوية تطابقت مع تصريحات الخارجية السورية على مدار العام ومنذ اليوم الأول للتحرير.
وفي هذا السياق، أكد الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية، المهندس باسل كويفي، أن الجهود السياسية والدبلوماسية السورية نجحت بشكل كبير في تحقيق إجماع دولي على دعم العملية الانتقالية في سوريا بين العواصم المؤثرة والدول الإقليمية. هذا الإجماع كان على أن الحل في سوريا يجب أن يكون سياسياً من خلال الحوار بين جميع الأطراف السورية.
وأكد ذلك مندوب المملكة المتحدة في مجلس الأمن، جيمس كاريوكي، الذي قال: ” إن الدبلوماسية والحوار هما أفضل طريقة لتحقيق مستقبل مستقر لسوريا”، وكذلك الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها، وهي نقطة محورية في خطاب العديد من الدول لأن أمن سوريا وسلامة أراضيها أمر حيوي لاستقرار المنطقة.
ويضيف كويفي أن الحكومة السورية نسجت علاقات محورية مع عواصم قرار إقليمية ودولية مكنتها من كسر العزلة وفتح مسارات سياسية بالإجماع الدولي والإقليمي، نحو دعم استقرار سوريا والحل السياسي تحت مظلة وحدة البلاد وسيادتها، ما يعزز قدرتها على التصدي لأي مخططات تهدف إلى زعزعة استقرارها أو تقسيمها.
وحدة سوريا واستقلالها وسلامة أراضيها، ووقف الانتهاكات الإسرائيلية للأراضي السورية، وضرورة رفع العقوبات الدولية المفروضة على سوريا بعد زوال أسباب فرضها، والقرار 2799 الذي رفع اسمي الرئيس الشرع ووزير الداخلية خطاب من قوائم العقوبات، هي جمل تكررت على لسان مندوبي الدول الأعضاء كلها تقريباً، وأيضاً على لسان نائبة المبعوث الأممي إلى سوريا، نجاة رشدي، التي شددت على احترام سيادة سوريا ووحدتها واستقلالها، محذرةً من استمرار التوغلات الإسرائيلية وضرورة تحرك مجلس الأمن لوقف هذه الانتهاكات، ومؤكدة أن اعتماد مجلس الأمن القرار 2799، خطوة محورية لإعادة دمج سوريا دولياً وإطلاق مرحلة انتقال سياسي شامل.
وتجلى التأثير الإيجابي للدبلوماسية السورية في تصريحات مندوبي الدول المؤثرة، خاصة أن المندوبة الأميركية، بدأت كلمتها بالإشارة إلى الزيارة التاريخية للرئيس الشرع إلى واشنطن في العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر. حيث أوضحت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، مورغان أورتاغوس، أن زيارة الرئيس الشرع للبيت الأبيض شكلت محطة تاريخية، معتبرةً أن هذه الخطوة تعكس رغبة الإدارة الأميركية في فتح صفحة جديدة وإتاحة فرصة أمام الشعب السوري للسلام والازدهار.
وأشارت أورتاغوس إلى رفع العقوبات عن الرئيس الشرع ووزير الداخلية قبل الزيارة، ودعم واشنطن جهود إنعاش الاقتصاد السوري مع ضمان عدم استفادة الجهات الخبيثة، وتفعيل تعليق العمل بـ”قانون قيصر” لمدة ستة أشهر لتشجيع الشركات الدولية على الاستثمار، مشددةً على وحدة سوريا واندماج جميع مواطنيها، واستعداد الولايات المتحدة للشراكة طويلة الأمد مع دمشق.
من جانبه، أكد مندوب روسيا، فاسيلي نيبينزيا، أن سوريا تعيش مرحلة انتقالية دقيقة وحاسمة، مشدداً على حل القضايا الداخلية بين السوريين ورفض أي تدخل خارجي. وعبر عن قلقه من الأعمال غير المشروعة لإسرائيل في الجولان المحتل، داعياً مجلس الأمن إلى التحرك لوقف الانتهاكات. وأكد أن ملايين السوريين بحاجة إلى دعم عاجل وأن رفع العقوبات يمكن أن يعزز الاقتصاد والأمن الغذائي.
بدوره، أكد المندوب الصيني لدى الأمم المتحدة، فو تسونغ، دعم بلاده لجهود سوريا في تعزيز الاستقرار والتنمية، مشيداً بالملكية الوطنية للعملية السياسية، ومشدداً على مكافحة الإرهاب باعتبارها أولوية. وطالب إسرائيل بالالتزام باتفاق فض الاشتباك ووقف انتهاكاتها في الأراضي السورية فوراً.
ودعا إلى رفع جميع العقوبات عن سوريا لتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي، مؤكداً أهمية دور الأمم المتحدة في دعم العملية السياسية في سوريا.
مندوب الجزائر، عمار بن جامع، رحب بتحسن الظروف المعيشية في سوريا، مؤكداً أن أي دعم دولي يجب أن يحترم سيادتها ووحدتها، ومعتبراً أن القرار 2799 يعزز أداء المؤسسات السورية.
وأدان العمليات العسكرية الإسرائيلية على الأراضي السورية، داعياً للالتزام الكامل باتفاقية فض الاشتباك. وأكد أن الجولان جزء لا يتجزأ من سوريا، وحذر من تجدد نشاط تنظيم “داعش” الإرهابي، داعياً إلى جهود منسقة لمكافحة الإرهاب وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لضمان الاستقرار الأمني.
وكان مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، إبراهيم علبي، قد أكد خلال الجلسة أن سوريا تشدد على حقها الثابت في بسط سيادتها على كامل أراضيها، ورفض أي تدخل خارجي يهدد السلم الأهلي. وتجدد مطالبتها للأمم المتحدة ومجلس الأمن بالتحرك الحازم والفوري لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على أراضيها وضمان عدم تكرارها، والالتزام الكامل باتفاق فض الاشتباك وتنفيذ القرارات الشرعية ذات الصلة.
وفي تصريح له الخميس، عبر المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، عن قلق الأمم المتحدة إزاء الزيارة العلنية التي قام بها رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي لقوات منتشرة في سوريا داخل منطقة عازلة من المفترض أن تفصل بين البلدين، ناقلاً ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة بأن هذه الزيارة التي جرت علنًا وبصورة صريحة تُعد “مقلقة على أقل تقدير”، وداعيًا إسرائيل إلى احترام اتفاق فض الاشتباك لعام 1974.
قرار المواجهة الدبلوماسية للانتهاكات الإسرائيلية
إن النظرة البعيدة للدبلوماسية السورية بالعمل على سد ذرائع الاحتلال الإسرائيلي التي يستند إليها في اعتداءاته المتكررة على سوريا، واتخاذ قرار مواجهتها عبر العمل الدبلوماسي المكثف، أثمر نتائج مهمة على صعيد توضيح الموقف السوري وسياسته الداعية للسلام، إضافة إلى فضح الانتهاكات الإسرائيلية وتعريتها على حقيقتها ومخالفتها للقوانين الدولية.
وأشار الباحث كويفي إلى أن قرار مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية عبر العمل الدبلوماسي السوري يؤتي ثماره على عدة مستويات، الأمر الذي ساهم في تعزيز موقف سوريا دوليًا وإقليميًا. فعلى المستوى الإقليمي، هناك تخوفات إسرائيلية من إمكانية توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين سوريا وتركيا، وإدانة خليجية وعربية كبيرة، ما يمنح سوريا ورقة تفاوضية أقوى.
أما على المستوى الدولي، فتجلت ثمار القرار السوري عبر رفض المجتمع الدولي الواضح للانتهاكات الإسرائيلية للسيادة السورية، حيث تشكل “موقف دولي رافض”، وعلى الأخص بعد مبادرة الحكومة السورية باتفاق أمني يستند إلى اتفاق فك الاشتباك عام 1974، وتصريحات الرئيس الشرع ووزير الخارجية الشيباني بتوجهها نحو سلام عادل وإعادة الأراضي المحتلة، وتجنب الدخول في أي حرب جديدة والتركيز على البناء الداخلي.
بدت النوايا الإسرائيلية واضحة تماماً من خلال الذرائع التي تروج لها إعلامياً، والتي ظهرت جلياً من خلال تصريحات قادة الاحتلال التي استغلت العملية الانتقالية في سوريا.
في 13 تشرين الثاني/نوفمبر، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن حكمه على الرئيس السوري، أحمد الشرع، يعتمد على التطورات الميدانية. ووفق صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، طرح نتنياهو تساؤلاً حول مرونة الشرع في الامتثال لما تريده إسرائيل، قائلاً: “هل تصبح سوريا دولة مسالمة؟ وهل يتعاون معي لإنشاء منطقة منزوعة السلاح في جنوب غرب سوريا على حدود مرتفعات الجولان؟”.
وكانت هيئة البث الإسرائيلية قد قالت عن مصادر سياسية في 17 تشرين الثاني/نوفمبر إن المفاوضات مع سوريا وصلت إلى طريق مسدود، بعد خلاف حول الانسحاب من الجنوب السوري. كما لفتت الهيئة إلى أن إسرائيل اشترطت توقيع “اتفاق سلام” مع سوريا مقابل الانسحاب من المناطق التي تحتلها. وأضافت أن إسرائيل ليست مستعدة للانسحاب من هذه المناطق إلا في مقابل توقيع اتفاقية سلام شاملة مع سوريا وليس مجرد اتفاق أمني. ولا تلوح مثل هذه الاتفاقية في الأفق حالياً، وفقًا لهيئة البث.
وجاء هذا بعدما أعلن الرئيس أحمد الشرع، الأسبوع الماضي لصحيفة “واشنطن بوست”، أن دمشق منخرطة في مفاوضات مباشرة مع الجانب الإسرائيلي، وقد قطعت شوطًا جيدًا في طريق التوصل إلى اتفاق، لكنه لفت إلى أنه “للوصول إلى اتفاق نهائي، يجب على إسرائيل الانسحاب إلى حدود ما قبل 8 كانون الأول/ديسمبر 2024”. كما أشار إلى أن القوات الإسرائيلية نفذت أكثر من 1000 غارة جوية على الأراضي السورية منذ 8 كانون الأول/ديسمبر 2024 بعد سقوط النظام السابق، وشمل القصف القصر الرئاسي ووزارة الدفاع.
وأعلن وزير الخارجية أسعد الشيباني، خلال جلسة حوارية في معهد “تشاتام هاوس” في لندن في 13 تشرين الثاني/نوفمبر، أن “إسرائيل تلعب حاليًا دورًا سلبيًا في سوريا، وغير راضية عن التغيير الذي حصل، وواصلت انتهاكاتها في الأراضي السورية”. وقال الشيباني إن سوريا “لن تنجر للاستفزاز وحاولنا الرد بالدبلوماسية”. وأضاف: “لا نريد أن نكون طرفاً في أي حرب بالوكالة، ونريد الهدوء ونسعى إلى تفادي التصعيد مع إسرائيل وتبديد مزاعمها بالتعرض للتهديد، فنحن نعمل على إعادة بناء سوريا وننظر لأي اتفاق محتمل مع إسرائيل في هذا الإطار”.
وكان من المفترض أن توقع سوريا وإسرائيل اتفاقاً أمنياً برعاية أميركية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الماضي، لكن تقارير صحفية ذكرت أن المحادثات تعثرت في اللحظات الأخيرة.
وتحدثت مصادر أمنية إسرائيلية آنذاك عن خلافات ظهرت خلال اللقاءات التي عقدها وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، تتعلق بشكل رئيسي بمطالب دمشق بانسحاب إسرائيل من المواقع التي احتلتها منذ أواخر عام 2024، والعودة إلى حدود اتفاقية فض الاشتباك الموقعة عام 1974، ووقف انتهاك الأجواء السورية. كما نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر قولها إن المحادثات تعثرت بسبب مطلب إسرائيل السماح لها بفتح “ممر إنساني” إلى محافظة السويداء بجنوب سوريا.
ومنذ دخولها إلى المنطقة العازلة في كانون الأول/ديسمبر الماضي، ارتكبت القوات الإسرائيلية انتهاكات في جنوبي سوريا، بما في ذلك جريمة الحرب المتمثلة في التهجير القسري، كما جاء في تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش”، الذي نُشر في أيلول/سبتمبر، إذ تمت مصادرة منازل وهدمها، كما جرى احتجاز سوريين ونقلهم إلى داخل إسرائيل في انتهاك واضح للقانون الدولي.
وفي تشرين الأول/أكتوبر، احتجزت القوات الإسرائيلية خمسة مدنيين من جنوب القنيطرة، وهي واحدة من أحدث سلسلة توغلات واعتقالات منذ سقوط النظام البائد. وفي آب/أغسطس، أطلقت القوات الإسرائيلية النار على شاب قرب منزله، في قرية طرنجة شمال القنيطرة، وأردته قتيلًا، كما شنت غارات جوية قتلت مدنيين ودمرت مواقع وآليات عسكرية وأسلحة وذخائر تابعة للجيش السوري.
التوازن والانفتاح.. نهج ثابت في الدبلوماسية السورية
تميزت الدبلوماسية السورية خلال عام بالانفتاح والتوازن؛ انفتاح على المجتمع الدولي لإظهار الصورة الحقيقية لسوريا وإعادتها إلى موضعها الطبيعي في المحيط العربي والإقليمي أولاً والدولي ثانياً. لذلك، عملت على بث رسائل الطمأنينة للجميع بأن سوريا ليست بصدد الدخول في نزاعات مع أحد، وليست بوارد الدخول في محاور ضد أي دولة في العالم.
أما ميزة التوازن، والتي مهدت لفتح المسارات الدبلوماسية لاحقاً، فكانت ميزة استثنائية تنبئ عن عمق إدراك السياسة السورية الجديدة للتوازنات الدولية وتناقضاتها. فعملت على نسج خيوط دبلوماسية مع عواصم القرار العالمي، وفتحت آفاق التعاون مع المجتمع الدولي كاملة. لذلك، عملت على التواصل البناء مع المجتمع الدولي، وتصحيح المسار السياسي مع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، من موسكو إلى واشنطن، ومن باريس إلى لندن وبكين، وأثمر هذا التواصل نتائج دبلوماسية مهمة على مختلف الصعد.
وهنا يقول الباحث كويفي: “بعد مرحلة من العزلة الدولية في عهد النظام البائد، تبنت الحكومة السورية الجديدة نهجًا دبلوماسياً قائماً على التوازن والانفتاح، يعكس رؤية استراتيجية تهدف إلى التحول من دولة تمثل مشكلة في النظرية الدولية إلى دولة طبيعية ومحورية، وفاعلة ومستقرة في المعادلة الإقليمية. وتتطلع إلى الانسجام مع محيطها والمجتمع الدولي، مع تصحيح المسار السياسي في هذه العلاقات بناءً على مبادئ الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة، وبناء شبكة من العلاقات المتنوعة مع جميع الأطراف المؤثرة، شرقاً وغرباً، لتعزيز هامش المناورة والسيادة في صنع القرار”.
ويضيف كويفي أن هذا النهج المتوازن عملياً يتضح عبر حوار مباشر وبناء مع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، ما أثمر عن تحقيق تقدم على جبهات متعددة. قد يكون “الحياد الإيجابي” في فلسفة هذا التوازن والانفتاح خياراً استراتيجياً ناجحاً للدبلوماسية السورية في مرحلة ما بعد الحرب، ما يعيد تعريف موقع سوريا على الخريطة الجيوسياسية الإقليمية والدولية.
وكان الرئيس أحمد الشرع، قد أكد على هامش زيارته إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 أيلول/سبتمبر، أن الأرض السورية لن تكون مصدر تهديد لأحد، مجددًا دعوته إلى واشنطن لرفع العقوبات المفروضة على بلاده بموجب “قانون قيصر”.
وقال وزير الخارجية أسعد الشيباني، رداً على سؤال حول إمكانية تطبيع العلاقات بين سوريا وإسرائيل في مقابلة حصرية مع قناة “سي إن إن” الأميركية في 28 أيلول/سبتمبر الماضي: “نحن لا نشكل تهديداً لأحد في المنطقة، بما في ذلك إسرائيل، لكن هذه السياسات الجديدة للتعاون والسلام قوبلت بهذه التهديدات والضربات”.
وفي مقابلة مع قناة “الإخبارية السورية”، قال وزير الخارجية أسعد الشيباني، في 18 تشرين الأول/أكتوبر: إن العلاقة مع روسيا والصين وأوروبا تقررها مكانة سوريا، مؤكداً أن كل التحركات الدبلوماسية للحكومة هادئة ومخطط لها ولا يوجد فيها أي تنازل عن حقوق السوريين. وأشار إلى أن التعامل مع روسيا، التي زارها الرئيس أحمد الشرع قبل أيام، كان فيه تدرج ولم تحصل أي اتفاقيات جديدة، والاتفاقيات بين موسكو والنظام السابق معلقة، ولا نقبل بها، وفق تعبيره. وبشأن العلاقة مع الصين، قال إنه تمت إعادة تصحيح العلاقة مع هذا البلد الذي كان يقف سياسياً “إلى جانب النظام البائد ويستخدم الفيتو لصالحه”، مضيفاً: إنه في بداية الشهر القادم ستكون هناك أول زيارة رسمية لبكين.
وفي الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، أعلن الشيباني في مؤتمر صحفي عقده أن “سوريا لن تكون مركزاً للاستقطاب، وإنما تسير في مسار واحد يضم الجميع”، مشدداً على التزام الحكومة بـ”تعزيز السلم الأهلي وجعل القانون هو الأساس في العلاقة بين جميع مكونات الشعب السوري”.
ؤكداً أن بلاده “تفخر بتنوعها الثقافي والعرقي، وتواصل مد يد التعاون إلى الحلفاء والأصدقاء في المنطقة”، مضيفاً أن سوريا “واجهت خلال الفترة الماضية تحديات كبيرة لكنها لم تستسلم، وبقيت متمسكة بتحقيق العدالة”.
تحالف إقليمي داعم
بدا واضحاً للقاصي والداني أن سوريا شريك أساسي ومحوري في أي تحالف إقليمي جديد. بل ذهب البعض إلى أن انتصار الثورة السورية بعد 14 عاماً من الحرب، كان ملهماً للعديد من دول المنطقة لتشكيل تحالف إقليمي جديد تكون سوريا فيه واسطة العقد، لما تحمله من سمات جيوسياسية ودبلوماسية واقتصادية وأمنية تجعلها الأقدر على هذه المكانة.
لذلك، تؤكد العديد من الأوساط السياسية أن سوريا شريك أساسي في بناء التحالف الإقليمي بأبعاده المختلفة. وهنا يرى الباحث كويفي أنه لا بد من الإشادة بموقف التحالف الإقليمي الداعم لسوريا بقيادة السعودية وتركيا وقطر، والذي تجلى عبر دعم متعدد المستويات منذ التحرير، في الدعم السياسي والدبلوماسي، والدعم الاقتصادي والتنموي، والتعاون الأمني والاستراتيجي.
ويقول كويفي: “باعتقادي، يمثل هذا التحالف الثلاثي نموذجاً جديداً للتعاون الإقليمي الذي يساهم في بناء الجدار السياسي، ويساهم في خلق كتلة إقليمية فاعلة تزيد من هامش المناورة لسوريا في وجه الضغوط الخارجية، عبر تنفيذ المشاريع الاقتصادية الضخمة، كمشاريع البنى التحتية (الطاقة، التعليم، الصحة، المرافئ، الاتصالات، النقل)، وهي لا تهدف فقط لإعادة الإعمار، بل لتعزيز سيادة سوريا الاقتصادية وربط مصير استقرار المنطقة باستقرارها، مما يشكل رادعًا غير مباشر لأي مخططات تهدف إلى زعزعة الأمن الإقليمي”.
ويتابع الباحث كويفي بالقول: “إن التحالف الإقليمي يهدف أيضًا إلى التصدي للمخططات الإسرائيلية، من خلال تعزيز التضامن الإسلامي والعربي، حيث يتقاطع الموقف الثلاثي (قطر، تركيا، سوريا) في دعم القضية الفلسطينية، ورفض الانتهاكات الإسرائيلية للسيادة السورية. ويدعم هذا التضامن الموقف السوري دوليًا ويُصعِّد من تكلفة أي إجراءات إسرائيلية منفردة، كما يعزز الدعم الدولي لسوريا في المحافل الدولية ويشجع الاستقرار والاستثمار. حيث تشير توقيع الاتفاقيات الاقتصادية الكبرى بمشاركة شركات أميركية مثل ‘باور إنترناشونال’ ورفع الولايات المتحدة جزئيًا للعقوبات على سوريا، إلى وجود قبول دولي ضمني لهذا التحالف الإقليمي ودور سوريا الجديد فيه”.
التطابق الأميركي مع دول الإقليم في النظرة إلى سوريا الجديدة يعطي زخماً إضافياً لمساعي الدبلوماسية السورية، والتي تنطلق من مصالحها الوطنية أولاً في إقامة علاقاتها السياسية مع دول العالم. وهو ما بدا واضحاً من خلال تصريحات وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، عندما أعلن عن إجراء المحادثات في البيت الأبيض مع وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، والمبعوث الخاص للرئيس الأميركي، ستيف ويتكوف، والمبعوث الأميركي إلى سوريا، توم باراك، ووزير الخارجية أسعد الشيباني، وانضم لاحقًا إلى الاجتماع نائب الرئيس الأميركي، جي دي فانس. وأشار فيها إلى أن المشاركين ناقشوا في الاجتماع السبل الممكنة للخروج من المشكلات القائمة في سوريا.
المواقف السعودية في دعم سوريا مواقف أصيلة، وأعلنت عن تأييدها لخيارات الشعب السوري منذ اليوم الأول للتحرير، وعملت من خلال ثقلها النوعي على إقناع واشنطن بأهمية استثمار النصر في سوريا لمصلحة المنطقة والعالم برمته.
الدعم السعودي محطاته عديدة، وأبرزها لقاء الرئيس الشرع بنظيره الأميركي في الرياض وإعلان الأخير عن نيته رفع العقوبات المفروضة على سوريا، وصولاً إلى الاستثمارات السعودية الضخمة المقبلة في سوريا، وليس انتهاءً بالزيارة الأخيرة لولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إلى واشنطن والتي تطرق فيها إلى الوضع السوري.
وخلال زيارة إلى دمشق أواخر أيار/مايو، أكد وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، أن الرياض ستكون في مقدمة الدول التي تقف إلى جانب سوريا في إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي.
بدوره، قال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، خلال مقابلة على قناة “هابر” التركية في 16 تشرين الثاني/نوفمبر، إن الوجود التركي في سوريا يُعد “أمرًا طبيعيًا تمامًا”، مشيرًا إلى أن تركيا تعمل من منظور تاريخي واستراتيجي يتجاوز المصالح الضيقة، ويأخذ في الاعتبار مصالح المنطقة بأسرها. وأشار فيدان إلى أن تركيا تسعى لحل الأزمة السورية بطريقة نادرة تاريخيًا، تعتمد على سياسة أخلاقية تهدف إلى الاستقرار وعودة اللاجئين. وأوضح أن تركيا تركز على إنهاء كل أشكال الاحتلال التي تهدد وحدة الأراضي السورية، وضمان عدم تهديد إسرائيل لسوريا، مع احترام سيادتها. وقال إن المحادثات بين دمشق و”قسد” توقفت مؤقتًا بسبب التدخل الإسرائيلي في الجنوب السوري.