الثورة – فادية مجد:

تتسارع وتيرة الحياة بشكل يفوق قدرة الإنسان على الاستيعاب والهدوء، وتتراكم المؤثرات النفسية وتتشابك مع الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، ليجد المرء نفسه غير قادر على المواجهة، وفي حالة من اضطراب القلق المعمّم الذي يرافقه في كل مكان.
يبين استشاري الصحة النفسية شادي حسامو، أنه في زمنٍ تتراكم فيه المسؤوليات وتتدفق فيه المعلومات من كل حدب وصوب، لم يعد الإنسان يملك فسحة حقيقية للهدوء أو التأمل، وحتى الهاتف المحمول الذي يفترض أن يكون وسيلة للتواصل أو الترفيه، تحوّل إلى مصدر ضغط بفضل المحتوى المتسارع و”الريلزات” التي لا تهدأ، وبالتالي وضع الأفراد في حالة من التوتر الدائم والانفصال التدريجي عن ذواتهم وعمن حولهم.
وأوضح أنه مع أجواء التوتر هذه وتسلل الأخبار السلبية، والأعباء الاقتصادية، يصبح أصحاب البنية النفسية الحساسة في مواجهة مباشرة مع اضطرابات نفسية، أبرزها اضطراب القلق المعمّم.
شعور مفرط بالخوف
وبحسب حسامو، إن اضطراب القلق المعمم لا يعد مجرد شعور عابر بالخوف أو الترقب، بل هو حالة من القلق المفرط وغير المتناسب مع المواقف اليومية، والذي يتغذى على سلسلة من الافتراضات والتوقعات السلبية، وكأن الأمور السيئة حتماً ستحدث، أو أنها على وشك الوقوع.
وتعريفاً هو تعميم الأفكار الوسواسية على جوانب حياتية عديدة من العمل، الأمراض، ومن المستقبل.
وتتبدى أعراضه باضطرابات النوم، شدّ عضليٌ مزمن، تعرّق مفرط، واضطراب القولون العصبي، ما يجعل المصاب يعيش في حالة من الاستنزاف الذهني والجسدي، ويؤثر سلباً على جودة حياته اليومية.
وأشار إلى أن اضطراب القلق المعمم غالباً لا يظهر بمعزل عن غيره، بل يترافق مع اضطرابات نفسية أخرى، مثل الاكتئاب واضطراب الهلع والوسواس القهري. كما يؤثر بشكل مباشر على العلاقات الشخصية والمهنية، إذ يضعف التركيز، وتزيد الحساسية، ويؤدي إلى الانغلاق العاطفي.
العلاج ممكن بشروط
ولكن الأمر الجيد -وفق حسامو- أن اضطراب القلق المعمم قابل للعلاج، وأحد أبرز أساليب العلاج هو العلاج المعرفي السلوكي (CBT)، الذي يهدف إلى تعليم الفرد فهم مشاعره وأفكاره، وتمكينه من إدارة القلق عبر تقنيات الاسترخاء، وتصحيح التشوهات المعرفية التي تؤدي إلى التفكير السلبي والمفرط، وإعادة توجيه الجسد نحو استجابة فسيولوجية طبيعية وصحية، لافتاً إلى أنه في الحالات الشديدة منه، لابدّ من تدخل الطب النفسي وأخذ الدواء المناسب تحت إشراف ومراقبة طبية.
ولا يمكن إغفال أهمية تعديل نمط الحياة، فممارسة الرياضة بانتظام، وتنظيم النوم، وتقنيات التنفس والتأمل، وتقليل التعرض للمحتوى الرقمي المجهد، كلها عوامل تساهم في تحسين الحالة النفسية. كما أن التشخيص المبكر والتوعية المجتمعية يشكلان حجر الأساس في الوقاية وتقليل المعاناة.
ليست ترفاً
وفي ختام حديثه شدد حسامو على أن الاهتمام بالصحة النفسية لم يعد ترفاً، بل ضرورة حتمية في زمن يضج بالضغوط. فالقلق المفرط لا يعني ضعفاً في الإيمان أو الثقة بالنفس، بل هو حالة ذهنية تحتاج إلى فهم عميق ودعم حقيقي، يبدأ بالاعتراف بالمشكلة، ولا ينتهي إلا بالتمكين والتعافي.