الثورة – حسين روماني:

تشهد الدراما السورية في السنوات الأخيرة تحوّلات جمالية عميقة انعكست على وجوه ممثلاتها، فبين سعي متزايد نحو “المثالية” البصرية، وضغط السوق الذي يربط الظهور الجمالي بجاذبية المشاهدة، تبرز أسئلة ملحّة، هل ما زالت الملامح الطبيعية قادرة على حمل الشخصيات؟ وهل تضع عمليات التجميل المكياج والإخراج في مأزق فني؟ وما حدود تأثير هذه التحوّلات على صدقية الأداء؟.
فنانة شجاعة ونهاية مفتوحة
تواصلنا مع فنانات نجمات، لنسأل إحداهن عن علاقة الممثلة بالتجميل في مسيرتها الفنية، لكننا لم نجد سوى الاعتذارات، فتركنا أسئلتنا مفتوحة، لعلّ فنانة شجاعة تتقدم للإجابة يوماً ما، وبقيت الأسئلة معلقة، التعبير أداة مهمة للفنان، خصوصاً في ملامح وجهه، فهل سبق أن اختفى جزء من تعبيرك نتيجة حقن أو إجراء تجميلي؟ لو عاد بكِ الزمن، هل ستختارين الطريق نفسه في التجميل؟ كيف ترين العلاقة بين جمال الممثلة وصدقية الدور؟.
التجميل بين الأداء والحقيقة الدرامية
حملنا أسئلتنا وتوقفنا عند المخرج ونظرته التي تحيط بين الملامح وما يحتاجه الدور، سألنا المخرج طارق سواح مخرج مسلسل “خطايا” عن تأثير عمليات التجميل على رؤية المخرج التي تحيط بين الممثل والورد، فيخبرنا أن الجمهور لم يعد ساذجاً تجاه مبالغة الظهور، وأن التفاصيل الجمالية باتت تُقرأ سريعاً على الشاشة.
يقول: “الجمهور اليوم جمهور ذكي لا تمرّ عليه مثل هذه التفاصيل، ثم إنك تجد الممثلة بوجه مُكتمِل المكياج عندما تستيقظ من النوم، وحتى عندما تذهب إلى العزاء، حتى أن الأمر يصل إلى أن هنالك بعض الفنانات يفضلن الظهور كعارضات أزياء أكثر من ممثلات”.
ويؤكد سواح أن التجميل ينعكس مباشرة على طاقة الممثلة التعبيرية، موضحاً: “اليوم تريد منها أن تغضب أو تحزن أو تتضايق، لكن وجهها مليء بالفيلر، فكيف ستُخرج هذه الحالات؟ وإذا تغيّبت ممثلة يمكن استبدال أخرى بها من دون أن يشعر المشاهد إلا بتغيير الاسم، فالجميع بات يشبه بعضه بعضاً”، ويقدّم مثالاً من تجربته الإخراجية حين اضطر إلى سحب دور من ممثلة جاءت بملامح لا تشبه الشخصية إطلاقاً: “أرسلنا دوراً يحكي عن شخصية بريئة، وعندما التقيت بالممثلة لم أرَ أي براءة في ملامحها نفخ وفيلر وشد جفون وتعريض حواجب، المعالم كانت بعيدة تماماً عن هوية الدور”.
المكياج بين النص والوجه.
معركة التفاصيل

يشدد سواح على أنّ المكياج عنصر ركيز في صدقية الدور: “تخيّل ممثلة بشخصية بريئة، بينما حواجبها عريضة وشفاهها كبيرة ومكياجها حاد، بعض العاملات في المكياج لا يقرأن النص، والأهم لديهن المكياج الكامل، وهذا خطأ،” ويشير إلى أن عدداً من المصممين الجيدين يشتغلون على النص والشخصية بوعي مهني، مثل: ردينة ثابت، عبير قضماني، سامر حيدر وأحمد حيدر، ويختم حديثه معنا عند دور المنتج في اختيار الممثل للشخصية دون النظر إلى ما يناسبها، قائلاً: “القليل من المنتجين يقرأ النص فعلاً ويبني مع المخرج تفاصيل الشخصيات، معظم الشركات تبحث فقط عن اسم الفنانة، واختبار المكياج والملابس تكاد تقوم به شركة واحدة حالياً”.
المبالغة هي المشكلة
لدى الماكيير وجهة نظر واقعية، فصاحب الريشة يتعامل بشكل مباشر مع الوجوه والملامح، لذلك توجهنا نحو مصممة المكياج عبير قضماني التي عملت مع العديد من المخرجين منهم الراحل حاتم علي، لنسألها عن كواليس غرفة المكياج، وترى قضماني أن معظم الفنانات يقمن بإجراءات تجميلية وهنّ مدركات لطبيعة الدور، معتبرة أن الإشكال الحقيقي يكمن في التغيير المفرط للملامح: “نحن لسنا ضد الفيلر أو البوتوكس، لكننا ضد تغيير الشكل لدرجة فقدان الهوية، كالرغبة في تقليد ممثلة أخرى، المشكلة ليست في التجميل بحد ذاته بل في الإجراء الطبي الخاطئ الذي يغيّر ملامح الشخصية”.
تقنيات مختلفة للوجه المشدود والمحقون
توضّح قضماني أن المكياج يتطلّب تقنيات خاصة عندما يكون الوجه مشدوداً أو محقوناً: “عندما يكون الوجه مشدوداً أو محقوناً بشكل زائد، يتطلب الأمر تقنيات تتناسب مع الحالة، وإذا كان هناك ما يجب إخفاؤه كندبة قوية، ننسّق مع مدير الإضاءة ليُكمل عملنا”، وتشير إلى أنّ التعامل مع تعابير الوجه ليس مستحيلاً، حتى مع الوجوه المجمّلة: “لا نواجه صعوبة كبيرة في إبراز الخطوط. التقنية متاحة، حتى عندما نكبّر ممثلة شابة لتجسّد مراحل عمرية متقدمة”، وتؤكد أن التجميل المبالغ فيه يؤثر بوضوح على واقعية الشخصية: “الوجه الطبيعي أصبح يعطي إحساساً أكبر بالحقيقية. التجميل الزائد، عندما يصل إلى مرحلة المبالغة، يصبح مشكلة، لأن زيادة التجميل كالنقص، كلاهما يذهب بالمصداقية”.
تشابه الوجوه.. تحدٍّ جديد
ترى قضماني أن الموضة الحالية أدّت إلى تشابه واضح في ملامح بعض الوجوه الجديدة: “المشكلة تظهر عند بعض الدخيلات على المهنة اللواتي يمتلكن وجوهاً متشابهة جداً إلى حدّ يعجز المشاهد عن التفريق بينها، مهما بذلنا جهداً فنياً”، لكنها تؤكد أن المخرجين باتوا يميلون إلى اختيار وجوه طبيعية، ما يخفّف من انتشار هذه الظاهرة، وتنفي قضماني أن تكون عمليات التجميل عائقاً أمام الماكيير، لكنها تشير إلى أنها تزيد من الوقت والتعقيد: “الماكيير المحترف قادر على العمل على أي وجه، لكن الوجه الطبيعي يمنح مساحة أوسع. أما الوجه المجمّل فيحتاج إلى وقت أطول لإيصال الفكرة المطلوبة.”