تعرفة النقل بين التخفيض المرتقب والواقع المرهق.. قرار يحرّك الشارع

الثورة – لينا شلهوب:

في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، وتقلّب أسعار الوقود، وما يرافق ذلك من ضغوط يومية تثقل كاهل المواطنين، يبرز قطاع النقل الداخلي كإحدى أكثر الخدمات تأثيراً على الحياة اليومية.

ومع كل صباح، يخرج آلاف الموظفين والطلاب والعمال إلى محطات النقل باحثين عن وسيلة تقلّهم إلى أعمالهم ودراستهم بتكلفة يمكن تحملها، وفي الوقت نفسه، يقف السائقون خلف عجلات مركباتهم، يواجهون واقعاً اقتصادياً لا يقل صعوبة، بين ارتفاع أسعار الصيانة ومستلزمات التشغيل ومحدودية الدخل.

تحديات بالجملة

وسط هذا المشهد المزدحم بالتحديات، صدر التوجيه الحكومي الأخير بإعادة دراسة تعرفة النقل الداخلي، ليعيد فتح ملف بالغ الحساسية يمسّ بشكل مباشر حياة المواطنين وأرزاق السائقين على حدّ سواء، وهذا القرار ينتظره الناس بترقّب، ويستقبله السائقون بحذر، بينما تأمل السلطات أن يسهم في إعادة التوازن لقطاع يشكّل شرياناً أساسياً في حركة المدن والبلدات، حيث أصدرت وزارة الإدارة المحلية والبيئة تعميماً موجهاً إلى المحافظين يقضي بضرورة الإسراع في عقد اجتماعات رسمية لإعادة دراسة تعرفة خطوط النقل الداخلي في جميع المحافظات، وجاء هذا التوجيه استناداً إلى قرار وزارة الطاقة رقم 731 الصادر بتاريخ 11/11/2025، والمتضمن تخفيض أسعار المشتقات النفطية، ما يستدعي مراجعة شاملة للتعرفة السابقة التي كانت مبنية على أسعار أعلى للوقود وتكاليف تشغيلية مختلفة.

ويشير التعميم إلى وجوب اعتماد عدد من المعايير الفنية والاقتصادية عند دراسة التعرفة الجديدة، وفي مقدمتها المسافة المقطوعة للخط، وتكاليف التشغيل اليومية، وتكاليف المستهلكات مثل الإطارات والبطاريات والصيانة الميكانيكية، إضافة إلى تحديد مسار الخط ونسبة الذهاب والإياب والتحميل، وصولاً إلى تقدير هامش الربح المقبول، كما شدّد التعميم على ضرورة موافاة الوزارة بالقرارات فور صدورها، ومتابعة التزام وسائل النقل بالتعرفة الجديدة وخطوط السير المحددة، منعاً لأي تجاوزات أو استغلال للمواطنين.

 بين الترقب والقلق

التقت “الثورة” عدداً من المواطنين الذين يعتمدون على وسائط النقل الداخلي يومياً للوصول إلى أعمالهم وجامعاتهم ومراكز الخدمات، وقد عبّر العديد منهم عن أملهم بأن يؤدي هذا القرار إلى انخفاض فعلي في أجور النقل، خاصة بعد موجة الارتفاع التي شهدتها التعرفات خلال الأشهر الماضية.

هيثم العبدالله موظف في القطاع العام قال: نحن نسمع عن تخفيض أسعار الوقود، لكن في كثير من الأحيان لا نلمس أي انعكاس على أجور النقل، نتمنى أن يكون هناك التزام حقيقي هذه المرة، فيما أضافت بيسان كحل طالبة جامعية في كلية العلوم السياسية: الكلفة اليومية للتنقل أصبحت عبئاً على أغلب الطلاب، وأي تخفيض مهما كان بسيطاُ سيساعد على تحمل المصاريف.

في المقابل، أعرب بعض المواطنين عن تخوفهم من أن تبقى الأسعار على حالها رغم التعميم، مستشهدين بتجارب سابقة لم تترجم فيها القرارات الحكومية إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع، كما عبّر آخرون عن قلقهم من أن يؤدي تخفيض التعرفة إلى تراجع جودة الخدمة، أو إلى عزوف السائقين عن تشغيل بعض الخطوط التي يعتبرونها أقل ربحية.

أصحاب المركبات.. بين الالتزام وصعوبات الواقع

من جهتهم، أبدى عدد من أصحاب المركبات استعدادهم للالتزام بأي تعرفة جديدة تقرها اللجان المختصة، بشرط أن تراعي التكلفة الحقيقية للتشغيل، وأوضح فايز مصطفى سائق حافلة، أن انخفاض أسعار الوقود هو خطوة إيجابية، لكنه لا يشكل سوى جزء من المصاريف التي يتحملها السائقون يومياً، مشيراً إلى أن سعر المازوت انخفض، لكن بقية التكاليف مثل الإطارات والزيوت والصيانة ما زالت مرتفعة جداً، لذا نأمل بتعرفة عادلة تغطي المصروف فقط.

وأشار السائق جواد إبراهيم على خط السيدة زينب، إلى أن صيانة المركبات أصبحت تحدياً كبيراً، حيث يحتاج الكثيرون إلى إصلاحات دورية مكلفة، في وقت يعاني فيه السائقون من انخفاض عدد الركاب على بعض الخطوط، وأكد قائلاً: إذا تم تخفيض التعرفة كثيراً، قد لا نجد جدوى من العمل على بعض خطوط الريف مثلاً، من هنا لابد من إجراء حسابات دقيقة تأخذ هذا بعين الاعتبار.

وعلى الرغم من ذلك، يرى عدد من السائقين أن وجود تعرفة واحدة واضحة وملتزم بها من الجميع أفضل بكثير من الفوضى الحالية التي تسمح للبعض برفع الأجرة دون رقيب، معتز الأحمد قال: وجود قرار واضح يساعدنا ويريح الركاب أيضاً، المهم أن تراقب المحافظة تطبيق القرار بجدية.

الجوانب الإيجابية المتوقعة

الخبير في شؤون النقل بسام المصري بين أن القرار يسهم في تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، إذ أن تخفيض التعرفة سيساعد آلاف الأسر على تقليل نفقات التنقل اليومية، كما يعزز الانضباط في خطوط النقل، حيث أن إصدار قرار رسمي ومراقبته سيحدّ من العشوائية ويضمن التزام السائقين بالأسعار المحددة، مضيفاً أن ذلك يساعد في تحقيق العدالة بين الخطوط المختلفة، فاعتماد المعايير المعلنة سيسهم في تحديد تعرفة عادلة لكل خط وفق مسافته وتكاليف تشغيله، علاوة على ذلك، فإن انخفاض التعرفة قد يشجع على تخفيف الاعتماد على السيارات الخاصة، الأمر الذي يحفّز على استخدام النقل العام، ويسهم في تقليل الازدحام والتلوث، بالإضافة إلى أنه ربما يسهم القرار بتنظيم العلاقة بين السائقين والركاب، من خلال تحديد نسبة الربح بشكل واضح، ما يمنع المبالغة في تحميل المواطنين أعباء غير مبررة.

التحديات والسلبيات المحتملة

في خضم ذلك، فإن هناك عدداً من التحديات التي من المحتمل أن تواجه تطبيق القرار بالشكل الأمثل -حسب المصري- منها احتمال عدم التزام بعض السائقين، خاصة على الخطوط ذات الطلب العالي، إذ قد يحاول البعض فرض أسعار مخالفة، كذلك ارتفاع تكاليف الصيانة والمستهلكات، وهو ما قد يجعل السائقين غير راضين عن أي تخفيض كبير في التعرفة، أيضاً ضعف الرقابة في بعض المناطق، خصوصاً في الأرياف والضواحي البعيدة، حيث يصعب ضبط المخالفات، ناهيك عن تفاوت ظروف الخطوط، فبعض الخطوط تعتمد على عدد ركاب أكبر، ما يجعل أي تخفيض مقبولاً، بينما خطوط أخرى قليلة الحركة قد تتأثر سلباً، ولا يخفى تخوّف المواطنين من عدم التطبيق، وهو عامل نفسي يؤثر على تقبّل القرارات الحكومية بشكل عام.

تنظيم قطاع النقل الداخلي

يرى المصري أن التوجيه الأخير لوزارة الإدارة المحلية والبيئة يأتي في إطار السعي لتنظيم قطاع النقل الداخلي وربطه بالمتغيرات الاقتصادية الفعلية، خاصة بعد تخفيض أسعار المشتقات النفطية، وبينما يعكس القرار نية واضحة لإعادة التوازن بين الكلفة التي يتحملها السائقون، والعبء الذي يقع على المواطنين، يبقى نجاحه مرتبطاً بمدى جدية المتابعة والرقابة، ودقة اللجان المختصة في وضع تعرفة عادلة تراعي جميع المتغيرات، لافتاً إلى أن إشراك المواطنين وأصحاب المركبات في النقاشات الدائرة – ولو بشكل غير مباشر – يساعد في بناء رؤية أقرب إلى الواقع، ويزيد من فرص تطبيق القرار بشكل فعّال، ويحقق مصلحة الطرفين، كما ويعيد الثقة بقطاع النقل العام في البلاد.

آخر الأخبار
دمشق تستقبل طارق متري لمناقشة قضايا سيادية وزير العدل يعزز التعاون القضائي مع فرنسا  السودان يثمّن دور السعودية وأميركا في دفع مسيرة السلام والتفاوض توليد الكهرباء بين طاقة الرياح والألواح الشمسية القطاع المصرفي.. تحديات وآفاق إعادة الإعمار الخارجية توقع مذكرة تعاون مع الأمم المتحدة لتعزيز قدرات المعهد الدبلوماسي القبائل العربية في سوريا.. حصن الوحدة الوطنية وصمام أمانها  عدرا الصناعية.. قاطرة اقتصادية تنتقل من التعافي إلى التمكين نتنياهو في جنوب سوريا.. سعي لتكريس العدوان وضرب السلم الأهلي هيئة التخطيط والإحصاء لـ"الثورة": تنفيذ أول مسح إلكتروني في سوريا استلام الذرة الصفراء.. خطوة لدعم المزارعين وتعزيز الأمن العلفي تعرفة النقل بين التخفيض المرتقب والواقع المرهق.. قرار يحرّك الشارع بعد عام من الحراك الدبلوماسي.. زخم دولي لافت لدعم سوريا صحيفة الثورة السورية المطبوعة.. الشارع الحلبي ينتظر رائحة الورق حملة "دفا".. ليصبح الشتاء أكثر دفئاً استيراد السيارات المستعملة يتأرجح بين التقييد والتمديد من الماضــــي نستمد العبرة للحاضـــر اضطراب القلق المعمّم يهدّد التوازن النفسي.. وعلاجه ممكن بشروط اختلال ميزان المجتمع.. هل تلاشت الطبقة المتوسطة ؟ الزيتون.. موسم صعب بين الجفاف وقلة الدعم