الصراعات الكبرى في تاريخ البشر، قديمها وحديثها تتأطر على قواعد لا تزال معالمها ثابتة حتى هذه المرحلة، وبالمحصلة فإن الدخول في هذه المعارك والخروج منها بأفضل النتائج إنما يأتي من خلال القواعد التي تحكم هذا الصراع ولا سيما حينما يكون هذا الصراع ذاته حرباً مصيرية تاريخية شاملة, وليس مجرد قواعد في الاشتباك كما يحلو للبعض الآن أن يدخل هذا المصطلح إلى عناوين وأساسيات صراع سورية العربية مع القائمة المفتوحة من القوى المعادية والتي تبدأ من أميركا وتستقر عند طبيعة القوى الإرهابية بأسمائها ومسمياتها المتكاثرة والمتوالدة باستمرار.
إن أهم قاعدة لتأسيس خوض الصراعات الكبرى إنما يتمثل ذلك في وعي حالة الواقعية والأمر الواقع، وهذه الحالة متناثرة في أجزائها رغم اشتقاقات وتقارب حروفها لغوياً.
فالواقعية هي وعي الذات ووعي الآخر المعادي والآخر الصديق وهي الخبرة المتراكمة عن القوى والأهداف المعادية واستشراف ما سوف تدور فيه وعليه المعارك وما سوف ينتج عن هذه المواجهات من اصطفافات سياسية وعسكرية واقتصادية في نهاية الأمر، أما الأمر الواقع فهو الاستسلام المسبق في الأداء وفي المواجهة وغالباً ما يكون هذا الأمر الواقع مغطى بحسابات مادية وراهنة في سياق واحد وهذه الحسابات باستمرار يتفوق فيها المعسكر المعادي الذي بنى وجوده ومخططاته أصلاً في التفوق المادي والتكنولوجي وكذلك في احتمالات الاختراقات المضافة للمتن الأساسي للمعارك القائمة، وفي المحصلة فإن تجاوز الواقعية في الصراع هو شرك يؤدي إلى المغامرة بل المقامرة غير المحسوبة وفي الطرف الثاني من المصطلح فإن الاعتقاد بأن الأمر الواقع هو الطريق والنجاة مما هو في الواقع والاحتمال، إنما يعني ذلك مباشرة الاستسلام وتقبيل يد الجلاد ونسف كل مقومات المشروعية والتضحية والكرامة والسيادة التاريخية، إن هذه المسألة الكبرى التي تتراوح ما بين الواقعية والأمر الواقع تشكل الآن في الأداء الوطني السوري قوة مادية ومعنوية هي التي تكشف للعدو قبل الصديق أن سورية العربية تمتلك الرؤية والمنهج ومعها تمتلك طاقة التضحية وفي ركاب كله تمتلك سورية نمط تراكم الخبرة العضوية، إذ كل معركة هي اختبار ودرس وعبر، ولا بد أن ينسكب ذلك في إطار التعديلات والتحسينات التي تؤدي إلى هزيمة العدو وفرض الإرادة والسيادة الوطنية.
وفي كثير من الحالات التطبيقية ينتشر مصطلح الحكمة والشجاعة في مسار واحد موحد أثناء التقويمات التي تنطلق عادة من حسابات الصديق والعدو معاً.
وحينما تتفاعل مع عناوين الأداء الوطني السوري العسكري والسياسي والدبلوماسي والاجتماعي نكتشف مباشرة عاملين اثنين في تأسيس هذا المدى من التحولات الكبرى في سورية، أما العامل الأول فهو أن هذه التحولات والانتصارات ومع قسوة السنوات العجاف صارت مرصداً ومقصداً لكل الأطراف في هذا العالم سواء الأطراف الضالعة في العدوان أم القادرة على التقويم واكتشاف الحقائق، أم تلك التي تمتلك القرار وتديره بحسابات القوة المادية الصماء، وبتكثيف بلاغي وواقعي نقول في هذه النقطة إن سورية امتلكت ذاتها واستحضرت في المعارك كل المقومات والخصائص التي تراكمت عضوياً عبر قرون طويلة وعبر معارك مصيرية لا حصر لها وهذا الجانب عصي على استيعاب ومدارك القوى المعادية الهائجة سواء أكانت دولاً وأنظمة أم كانت تنظيمات إرهابية متعددة المصادر ومتخابطة الأهداف، على أن النقطة الثانية المهمة في منظومة عوامل الأداء والتأسيس للموقف السوري في كل مساحاته وخطوطه إنما تأتي من خلال الواقعية في المنهج سواء أكان في إدارة المعارك عسكرياً عبر أقسى الظروف والتضاريس ومستويات التسليح عند الطرف المعادي، أم كان ذلك في تكامل المسار السياسي والدبلوماسي والاجتماعي مع المسار العسكري، وهذه الواقعية هي خيار حيوي لتوفير كل الطاقات والمناخات من أجل إحراز النصر النهائي الذي سوف يأتي في المحصلة إلى الوطن كما أن الوطن ذهب إليه، إننا بهذا الصدد ندرك هذه الخاصية في معرفتنا بحقيقة الاصطفافات المعادية ولا سيما أميركا وتركيا أردوغان والكيان الصهيوني ومشيخات الخليج العربي وفي هذا السياق هناك وعي شديد التوهج بمعرفة العلاقة العضوية ما بين هذه القوى والمرتزقات الإرهابية من حيث أصولها وتكاملها واستنادها إلى المصادر الخارجية في التسليح أو المعلومات أو المساندة المباشرة في ساحات المعارك من قبل الطرفين معاً وتقدم المعارك الأخيرة نموذجاً فذاً لمثل هذه الرؤية ولا سيما الاعتداء الواسع والكثيف الذي جرى في منطقة الحماميات شمال حماة أو في الهجوم الواسع والكثيف على بعض النقاط في ريف اللاذقية الشمالي والشرقي.
فقد كانت حالة الدراسة واكتساب المعلومات وخاصية التخطيط الدقيق وإطلاق النار عند اللحظة المناسبة التي تقررها القوات المسلحة السورية بعيداً عن تقديرات العدو الإرهابي الدولي التي تستند إلى الانفعالات وإلى مكونات السلاح المادي وإلى الرعاية الصهيونية الأميركية في ذلك.
د. أحمد الحاج علي
التاريخ: الاثنين 15-7-2019
الرقم: 17024