خلال حرب صيف ٢٠٠٦ سعت إسرائيل لتدمير مستودعات صواريخ حزب الله، كما دمرت في ضواحي بيروت أكثر من ٢٥٠ مبنى لمكاتبه ومستودعاته بقنابل دقيقة الهدف بالإضافة إلى دمار مئات المنازل في جنوب لبنان، مع كل هذا فشلت في تحقيق أهدافها بسبب نضج المقاومة واستماتتها في الدفاع عن مبادئها، الأكثر من ذلك أن صواريخ حزب الله المضادة للسفن (نور) فاجأت العدو وأثبتت القدرة القتالية القوية للمقاومة، بعد ثلاثة عشر عاما من إخفاق السياستين الأميركية والإسرائيلية في المنطقة منعت إسرائيل من المواجهة المباشرة، ولم تتمكن كل من واشنطن وتل ابيب من تحقيق أهدافهما الرئيسية التي تمثلت في افشال الدولة السورية وتقسيم العراق وهزم الحوثيين في اليمن، عدا ذلك فإن رفض إسرائيل والولايات المتحدة منح الفلسطينيين حقهم في دولتهم عزز تصميم الفلسطينيين على محاربة إسرائيل.
زادت إسرائيل مستوى قدرتها العسكرية، لكن بنفس الوقت أصبح حزب الله لاعباً استراتيجياً في الشرق الأوسط بعد تعزيز قدراته القتالية بالمعدات العسكرية الجديدة، محاولة الولايات المتحدة وشركائها تدمير الدولة السورية وجر البلاد نحو الفشل ليحكمها أتباع القاعدة المتطرفين كل ذلك شجع حزب الله للوقوف مع السوريين والقتال إلى جانب الجيش السوري لمنع الإرهابيين من التمدد والاستيلاء على لبنان أيضاً، على نقيض التضليل الإعلامي الغربي لم تحتل داعش الموصل ثاني أكبر المدن العراقية، وأراد بارزاني الزعيم الكردي السيطرة على كركوك الغنية بالنفط وأشاد بداعش غير مدرك أن داعش أرادت أيضاً السيطرة على كردستان وكركوك، وخلال السعي الأميركي لتقسيم العراق وقفت واشنطن أمام داعش لمنعها من التوسع خارج بغداد بهدف الحفاظ على النفط تحت السيطرة الأميركية، أضف إلى ذلك حاولت أميركا جاهدة تحويل جنوب العراق إلى كيانات ضعيفة لغناه بالنفط والغاز كي لا يشكل تهديداً على السعودية والكيان الصهيوني، كان سيكون من المفيد لأميركا وحلفائها لو أن سورية أصبحت ملجأ للإرهابيين لأن ذلك كان سيمنع روسيا من تزويد أوروبا بالنفط عبر سورية وتركيا وكانت ستتخلص من قاعدة روسيا البحرية في طرطوس، الأمر الذي من شأنه أيضا تحطيم (محور المقاومة) الذي تشكله إيران وسورية ولبنان.
وبهذا الشكل يتمكن التحالف الأميركي من رؤية عبور الأسلحة والتكفيريين من سورية إلى لبنان وتحويل الحروب إلى حروب طائفية تستمر لسنوات، الأمر الذي سيضعف أعداء إسرائيل، أيضاً كان سيدفع مسيحييو المنطقة إلى الهجرة لعقود من الزمن. فزرع النزاعات الطائفية والتكفيريين في المنطقة مع غياب الجيشين السوري والعراقي كل هذا كان سيشكل هدفاً سهلاً يمكّن إسرائيل من التوسع على حساب الفلسطينيين والدول المجاورة دون أي معارضة، لكن باءت الخطط بالفشل، حيث شارك حزب الله في الحرب السورية والعراقية بمحاربة داعش وتم سحق تلك الأخيرة في عرسال على طول الحدود اللبنانية السورية، كما أمّن المرور البري والجوي من سورية إلى لبنان اليوم تحتل القوات الأميركية الجزء الأكبر من أراضي منابع النفط في الشمال الشرقي من سورية، وتخضع البلاد لعقوبات اقتصادية شديدة، بالمقابل تعمل إيران على دعم الاقتصاد السوري المحلي وتلبية بعض الاحتياجات الأساسية، فيما تسعى الإدارة الأميركية لشل هذه العلاقة بين البلدين وخاصة بعد منعها دول الخليج من العودة لسورية لفتح سفاراتها، لقد تم استخلاص الكثير من الدروس من الحروب على العراق، سورية واليمن، ودروساً جديدة تم استخلاصها من المواجهات الحالية الأميركية-الإيرانية في الخليج، فقد أصبح الآن أكثر فعالية من الناحية العسكرية والسياسية توجيه الصواريخ الرخيصة الثمن إلى منصات النفط والموانئ والسفن العابرة والمطارات والمنشآت الكهربائية ومحطات مياه الشرب بدل توجيهها نحو أهداف مدنية. فالطائرات دون طيار الحربية والصواريخ الدقيقة يمكنها أن تكون مدمرة للدول المتقدمة والأكثر تجهيزاً.. في جميع الأحوال الحرب الجديدة هي حرب اقتصادية، حرب عقوبات وتقييد حرية حركة السفن في جميع أنحاء العالم، إنها حرب ناقلات النفط وتجويع العدو. حرب لا تسمح لأحد بإعادة الآخر إلى (العصر الحجري) لأن قوة السلاح موزعة على جميع الدول، وتعتبر اليمن المثال الأقوى: فتهديدها بقصف دبي دفع الإمارات العربية لطلب توسيط إيران لمنع القصف الصاروخي، ورغم القصف السعودي على اليمن إلا أن تلك الأخيرة نجحت في قصف المطارات السعودية والقواعد العسكرية والمنشآت النفطية في وسط السعودية باستخدام صواريخ كروز وطائرات من دون طيار (درونات).
كذلك غزة، بيروت، دمشق وبغداد لديها ما يكفي من الصواريخ لإلحاق أضرار فعلية بإسرائيل والقوات الأميركية المنتشرة في الشرق الأوسط. تستمتع إسرائيل بضرب أهداف متفرقة لكنها تفتقر إلى استراتيجية حقيقية… ستقف سورية قريباً معافاة سليمة، وسيستعيد العراق قواته، وحزب الله سيجد طريقه لفرض قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل، لكن من السابق لأوانه التحدث في ذلك لأن لمحور المقاومة أولويات أخرى، ولاسيما أن الأزمة الإيرانية الأميركية في أوجها. مع ذلك إن تطورت الأزمة، فإن التهديد الذي يمثله الجيل الجديد من الصواريخ الفتاكة والطائرات من دون طيار الدقيقة ستكشف عن تأثيرها على الاستقرار وتجعل الحرب المفتوحة بعيدة الاحتمال.
بقلم: إيليا ماجنيه- موندياليزاسيون
د.الدراسات والترجمة
التاريخ: السبت 10-8-2019
الرقم: 17046