بعد أسبوع من الآن، ستجتمع الدول الـ29 الأعضاء في حلف شمال الأطلسي للاحتفال بمرور الذكرى السبعين على تأسيس هذا الحلف، وسيعقد ذلك الاجتماع رغم التوترات والسجالات القائمة داخل الناتو، حيث سيصار إلى اختصار مدة الاجتماع ليومين فقط بدلا من عقد قمة كما جرت عليه العادة. لكن السؤال الذي يتعين علينا طرحه هو: لماذا جرى تقليص جدول الأعمال؟
لا ريب أن أحد الأسباب التي أدت إلى تقليص مدة الاجتماع كانت نتيجة المخاوف من احتمال انتهاز الرئيس دونالد ترامب تلك المناسبة وقيامه بخرق آداب التعامل الدبلوماسي عبر توجيه عبارات التوبيخ للأوروبيين بشأن استغلالهم لميزانية دفاع الولايات المتحدة.
وإبان الذكرى السنوية لهدنة الحرب العالمية الأولى وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حلف الناتو أنه يعاني حالة «الموت الدماغي». وفي الوقت الحالي يشكك ماكرون علنا بالتزام الولايات المتحدة بالقتال إلى جانب أوروبا، ويتحدث عن ضرورة تشكيل «جيش أوروبي فاعل»، يتمتع بقدرة ردع نووية فرنسية هدفها «الدفاع عن أوروبا فحسب».
أما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تخصص دولتها 1.4% من الناتج الإجمالي المحلي لأغراض الدفاع وتعتمد على الولايات المتحدة والناتو في بعض القضايا منذ بداية الحرب الباردة، فقد قيل بأنها ضاقت ذرعا بـ»السياسات التخريبية» التي يتبعها الرئيس الفرنسي.
وعلاوة عما ذكر آنفا، ففي مطلع شهر كانون الأول، ستجري بريطانيا انتخابات وطنية، ورغم إبداء حزب العمال التزاما بالناتو فإن زعيمه جيرمي كروبين لا يماثل كليمنت أتلي الذي أدخل بريطانيا إلى التحالف عند تأسيسه في عام 1949. كما لا يخفى على أحد ما أبداه كوربين من شكوك انتابته بشأن أهمية استمرار الناتو غداة انتهاء الحرب الباردة. في حين أن الداعم الجديد المحتمل لحكومة العمال هو الحزب القومي الاسكتلندي الذي تتزعمه نيكولا ستورجيون التي تطالب بإغلاق قاعدة غواصات ترايدنت البريطانية في اسكتلندا كشرط مسبق لتقديم الدعم من قبل حزبها.
بالإضافة إلى ذلك سيحضر الاجتماع في لندن أيضا حليف الناتو الرئيس التركي رجب أردوغان الذي عمد إلى تخليص جيشه ونظامه من المعارضين له، وسجن عددا من الصحفيين أكثر من أي مستبد آخر عقب محاولة الانقلاب عام 2016، واشترى نظام الدفاع الصاروخي الجوي إس 400 من روسيا، ووجه أوامر للقوات الأميركية بالتنحي عن طريقه عندما غزا شمال سورية.
إبان الحرب الباردة، حظي الناتو بدعم واسع النطاق من الأميركيين والأوروبيين على حد سواء، الأمر الذي كان مفهوما آنذاك، ذلك أنه كان ثمة 20 فرقة عسكرية تابعة للاتحاد السوفيتي في ألمانيا تحاصر غرب برلين وتحتل الضفة الشرقية من إلبي التي تبعد مرمى حجر عن نهر الراين.
لكن الحرب الباردة انتهت منذ وقت طويل. وباتت برلين عاصمة لألمانيا الحرة الموحدة، وجرى حل حلف وارسو، وانضم معظم أعضائه إلى الناتو، وانقسم الاتحاد السوفيتي إلى 15 دولة، كما انقسمت يوغسلافيا الشيوعية إلى سبع دول.
وهنا يجدر بنا أن نتساءل عن الأسباب التي حدت بالأميركيين للبقاء في تلك المنطقة على الرغم من انتهاء الشيوعية في أوروبا؟
منذ الحرب الباردة عمدنا إلى مضاعفة حجم الناتو، وأدخلنا له جمهوريات البلطيق الثلاث استونيا ولاتيفيا وليتوانيا دون مشاركة لكل من فنلندا أو السويد. وألزما أنفسنا بالقتال لأجل سولفينيا، كرواتيا، ألبانيا والجبل الأسود، دون صربيا أو البوسنة أو مقدونيا الشمالية. وأصبحت رومانيا وبلغاريا حلفاء في الناتو في الحين الذي بقيت به مولدوفا و بيلاروسيا خارجه.
من المعلوم أن جورج بوش الابن قد نأى عن إقحامنا في المواجهات بين روسيا وجورجيا بشأن أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا عام 2008. كما أن باراك أوباما قد عارض إرسال مساعدات فتاكة إلى أوكرانيا لاسترداد القرم أو هانسك أو دونيتسك، رغم ما طالب به السيناتور جون مكين من تدخل الولايات المتحدة في كلا النزاعين.
أشار ضباط في الخدمة الخارجية خلال جلسات الاستماع للتهم أمام لجنة الاستخبارات بمجلس النواب عما يسمى «العدوان الروسي» على «حليفنا» الأوكراني ورأوا أن ذلك سببا يجعل «أمننا القومي» محفوفا بالمخاطر. بيد أننا نتساءل منذ متى أصبحت أوكرانيا حليفة للولايات المتحدة ويتعين علينا تقديم المساعدة العسكرية لها في حروبها الإقليمية إن لم يكن القيام بخوض تدخل عسكري لأجلها؟ ومنذ متى أصبحت سيطرة كييف على القرم ودونباس أمرا في غاية الحساسية بالنسبة للأمن القومي الأميركي؟ ونرى بأن تلك الأسئلة التي لم يُجبْ عليها تعد في غاية الخطورة.
فهل يدور في خلدنا حقا أنه في الأحوال التي تلجأ بها روسيا إلى التدخل في إستونيا -على سبيل المثال- فإن الولايات المتحدة ستعمد إلى مهاجمة السفن والطائرات والقوات لدولة مسلحة بآلاف الأسلحة النووية الاستراتيجية والتكتيكية؟ وهل سيعلن حلفاء الناتو في اسبانيا والبرتغال وإيطاليا الحرب على روسيا؟
يتعين علينا أن نستذكر ما جرى في عامي 1914 و1939 إذ نتيجة تضامننا مع الدولة الأم بريطانيا، أعلنت كندا الحرب على ألمانيا. لكننا في الوقت الحاضر نتساءل هل ستستدعي حكومة جاستن ترودو حلف الناتو وتعلن الحرب على روسيا التي يتزعمها بوتين من أجل استونيا أو لاتفيا؟
في ظل الناتو فإننا نلتزم بخوض حروب لأجل 28 دولة بينما يرغب مؤيدو التدخل العسكري الذين أقحموا بلادنا بحروب في العراق وسورية وليبيا واليمن بحرب تمتد إلى دول أخرى أكثر قربا إلى روسيا. بتقديرنا لن يمر طويل وقت حتى يكتشف الشعب الأميركي أنه كان غير مدرك لما أوقعته به إدارته رغم أنه ليس على استعداد للقبول بما جرى من تصرفات ولاسيما إذا أفضت إلى حرب واسعة النطاق مع أي قوة نووية.
The American Conservative
بقلم: باتريك بوشنان
ترجمة: ليندا سكوتي
التاريخ: الجمعة 29 – 11-2019
رقم العدد : 17134