الثورة أون لاين:
يعبرون الزمن مرة واحدة ولكنهم يبقون إلى الأبد يعبرون صفحاته، يولدون جسداً مرة واحدة، ويفنى الجسد مرة واحدة أيضاً، ويرحلون ولكن الذي يبقى للأبد أثمن وأغلى وأسمى ،يبقى الإبداع
، فالذي قال إن الزمن كماء النهر لا يمكن أن نستحم به مرتين بالتأكيد كان يقصد الجسد، وإلا ما معنى الزمن لولا وجودنا، وربما كان شاعرنا الكبير بدوي الجبل على حق حين قال (وسيشكو الخلود المر أبقانا)
وهو مخالف بذلك لجده الشاعر الجاهلي الذي صرخ ذات مرة: ما أطيب العيش لو أن الفتى حجر..
سليمان العيسى يعبر الزمن ولا يزال حياً يرزق، سندبادنا الذي طاف بنا ونحن أطفال بساتين ورياض الأدب كافة حملنا على جناح كلمة إلى كل قطعة من أرض الوطن من الماء إلى الماء، ومن الحكاية إلى الحكاية، شاعر الأمل والألم، رافقنا في حلنا وترحالنا، في غفواتنا وصحواتنا.. سندباد الكلمة وصاحب بساط الريح السحري في هذا العصر هو أيضاً تنقل بين أرجاء الوطن الواحد لم يعترف بالحدود الزائفة المصطنعة، وأنّى للخلية أن تنفصل عن أخواتها.
سليمان العيسى شاعر سيبقى يعبر الزمن، ويبقى بستاناً أخضر نديّاً، ثماره تقطف وتهدى، تسحر الألباب على غير الثمار الأخرى كلما ازدادت نضجاً ازدادت ألقاً وبهاء، لا تذبل ولا تسقط، حافظاتها القلوب والصدور… اليوم يدلج نقياً، شفافاً، صريحاً، كحد السيف ربما، عامه التسعين.. وكأنه الطفل الذي غادر بالأمس مرابع لم تغيره نوائب الزمن وعواديه، لم تغتل براءة الطفل ولم تسلب عزيمة الإرادة، لم يكل ولم يمل، حمل حلمه على ظهره، على ريشته وخضب بألوان الكلمة وعطرها حياتنا.. تسعون عاماً ربما بدأت وربما تنتظر شهوراً والشاعر في معترك الحياة لنا وله في معترك الإبداع يثري حياتنا، يرفدنا بالشعر، بالنثر، بالهمسة، ذات يوم أصدر ديواناً تحت عنوان (همسات ريشة) متعبة، فقلت له: يا أستاذي هي همسات ريشة مبدعة.. ويضحك شاعرنا، وبعد هذه الهمسات جاءت مجموعات أخرى يكتب على البياض متكئاً على ركبته ليزيد البياض ألقاً ولتأخذ الكلمة من ركبته قوة وعنفواناً .
هذه القصائد بخط يده , وكان يحلو له أن تنشر كما كتبها , وفعلا كانت صحيفتنا (جريدة الثورة ) تلبي رغبة الشاعر وتنشرها بخطه الأانيق الجميل .