الثورة أون لاين-د. مازن سليم خضور:
ضمن سلسلة ” الحرب الأخرى” نتناول ظاهرة جديدة متنامية في المجتمع السوري وهي ظاهرة التسول التي تعدُّ جريمة يعاقب عليها القانون، وهي من الظواهر الاجتماعية السلبية على المجتمع السوري وأصبحت معضلة اجتماعية حقيقية بالرغم من أن امتهانها يحط من كرامة الإنسان إلا أنها تنامت في السنوات الأخيرة وزادت من سوء التبعات المعيشية للحرب و تسببت بانهيار “الطبقة المتوسطة” العامود الأكبر في المجتمع السوري لعقود مضت، ما عوم مشهد ظاهرة التسول كواحدة من أقبح أوجه الحرب .
ومع تزايد نسبة الفقر بين السوريين أصبح استجداء العواطف والاستحواذ على المشاعر وسيلة وهدفا رئيسيا يمارسه المتسول للحصول على الأموال.
وللتسول أنواع منه التسول المباشر والذي يطلب فيه المتسول المال من أي شخص يلتقيه مباشرة، وهناك تسول غير مباشر، والذي أضحى ظاهرة لافتة وهو تسول مقنّع يتستّر من يعمل بهذه المهنة خلف تقديم بعض الخدمات الرمزية كمسح زجاج السيارات أو بيع العلكة أو المناديل الورقية وبأسعار مضاعفة. غير أن التسول لا يقتصر على الحالات المذكورة، فهو يشمل أيضا المعوقين أو ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يتم استغلال اعاقتهم من خلال استجداء عطف الناس.
التسول أصبح مهنة البعض ومصدر دخلهم حتى أن البعض أصبح يدير شبكات منظمة للمتسولين وبمختلف الأعمار والحالات.. والبعض أرجع أسبابه إلى تغيير في قيم التضامن و زيادة منسوب الفقر وتردي الاوضاع الاقتصادية من جهة أو لأسباب قانونية و اجتماعية من جهة أخرى كعدم توافر الأوراق الثبوتية لعدد كبير من الأطفال، بسبب فقدانهم الأهل ، وبالطبع ذلك يحرمهم من الحصول على بعض المساعدات من قبل الجمعيات والمنظمات الإنسانية الخاصة التي تقدم المساعدات الغذائية، وغيرها من احتياجات الإنسان الضرورية كالغذاء والدواء والألبسة، كذلك من الأسباب تقلّص قيم التعاون والتضامن داخل المجتمع نتيجة غياب أدوار فعالة للعائلة والمؤسسات المعنية بالدفاع عن العدالة الاجتماعية، ما عمّق من التفاوتات الاجتماعية .
ورغم تفعيل مكاتب مكافحة التسول في مختلف المحافظات السورية ظاهرة تسول الأطفال والنساء والشيوخ تنامت إلى حد كبير في الأشهر الأخيرة.. وفي حديثها للثورة أون لاين تحدثت فداء دقوري رئيس مجلس إدارة جمعية دفى وهي منظمة أهلية غير ربحية أشهرت بالقرار رقم 3110 لعام 2019 تعنى بأطفال فاقدي الرعاية الأسرية والمعنفات وتسعى للعمل بكل الإمكانات المتاحة لمساعدتهم بهدف انتشالهم من واقعهم المؤلم، أنه منذ بداية عام 2020 ولغاية تاريخ اليوم 20/10/2020 تم رصد مايقارب 300 حالة بين أطفال ورجال ونساء لحالات التسول ، ومكتب المكافحة يخدم محافظتي دمشق وريفها وهناك عقد شراكة مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
أما عن طريقة التعاطي مع الحالات بينت دقوري أنه عندما يتم رصد الحالة يتم إحالتها عن طريق أقسام الشرطة أو المحامي العام الأول إلى الجمعية تقيّم الحالة من الناحية النفسية والاجتماعية والاقتصادية من قبل الاختصاصية الموجودة بالجمعية ومن خلال استمارة إدارة الحالة المعتمدة من الجمعية وبعد ذلك يتم العمل على دمج هذه الحالة مع الحالات الموجودة بالجمعية ويتم العمل على تأهيلها وتمكينها ومعالجة السبب الذي دفعها للشارع .
دقوري بينت أنّ هناك رقما وخطا ساخنا للابلاغ عن الحالات والرقم هو : (0932625661) وتتم الاستجابة مباشرة للتعامل مع الحالات.. و لقد وسعت ظروف الحرب ظاهرة التسول وذلك بعد أن فقدت الناس أرزاقها ومنازلها و تتم متابعة الملف مع وزارتي العدل والداخلية ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ملفات الشبكات التي يتم ضبطها مستغلة الأطفال.
والغريب في الأمر أن هناك انتشارا كبيرا للعمل المنظم في التسول حيث ذكرت دقوري أن هناك حالات ممتهنة للتسول ويوجد حالة لعشرة أطفال أخوة يقوم والدهم ووالدتهم بدفعهم للتسول بالشارع ويوجد خمسة أطفال من هذه العائلة ضمن الجمعية.
و بالإضافة إلى الحالات التي ذكرتها رئيسة جمعية دفى فداء قدوري فقد نشرت وزارة الداخلية السورية على موقعها الرسمي أنه تمّ توقيف سيدة بحي الرمل الجنوبي باللاذقية تقوم باستغلال أطفال وإيوائهم بمنزلها للعمل بالتسول لقاء المنفعة وتشكيل شبكة تسول مؤلفة من ثلاث نساء وسبعة أحداث منهم ثلاثة أطفال صغار .
وفي ظل تنامي هذه الظاهرة علينا أولاً العمل على الجانب الوقائي من جهة وعلى الجانب العلاجي من جهة أخرى، فمعرفة الأسباب تؤدي حكماً للمعالجة الصحيحة حيث يجب التنسيق بين وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ووزارة الداخلية لاسيما أن الأخيرة تملك إدارة معنية بهذا الموضوع و هي إدارة مكافحة الاتجار بالأشخاص، لمعالجة ملف التسوّل، وملاحقة مشغّلي الأطفال، والعمل على إيجاد آلية لتطبيق القوانين علما أن المادة “603” من قانون العقوبات السوري تنص أنه “يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبالغرامة مائة ليرة أبو القاصر الذي لم يتم الخامسة عشرة من عمره أو أهله المكلفون إعالته وتربيته رغم اقتدارهم وتركوه مشرداً” بينما أشارت المادة “604” أنه يعد كل “من دفع قاصراً دون الثامنة عشرة من عمره إلى التسول جراً لمنفعة شخصية عوقب بالحبس من ستة اشهر إلى سنتين وبالغرامة مائة ليرة، كما يعاقب المتسول، سواء كان أبًا أو أمًا أو أي شخص آخر، الذي يصطحب طفلا سواء كان ولده أو غير ولده، وهو دون السابعة من عمره، بتشديد عقابه ليصل إلى الحبس لمدة سنتين، بحسب المادتين “569” و”599″ من قانون العقوبات.
ويجب العمل على استكمال إحداث دور ومكاتب لمكافحة التسول في كل المحافظات وتفعيل عملها والتي حددت أهدافها ومهمتها لمتابعة حالات التسول والتشرد والعمل على معالجتها، كما من المهم العمل على تشديد العقوبات الخاصة بشبكات الاتجار بالاشخاص و الأطفال، خاصة المالية منها.
غير أن الحلول الناجحة لا تكمن في المطاردة والعقوبات فقط، بل في محاربة أسباب التسول وفي مقدمتها الفقر الشديد وتشرد العائلة.
ومن الحلول القيام بحملات دائمة للتوعية في هذا الجانب، إضافة لتأكيد الوزارة على الجمعيات الأهلية مسؤولية متابعة وضع حالات التسول والتشرد إن وجدت في محيطها و تعزيز دور المؤسسات الاجتماعية الرسمية والخاصة من خلال تعليم وتأهيل المتسولين فالموضوع يحتاج لخطة مجتمعية وتنسيق حقيقي بين الجهات المعنية وإشراك اختصاصيين في كافة المجالات لوضع قراءة جيدة للمشكلة وتشخيصها وبالتالي وضع الحلول الناجحة لمعالجة هذه الظاهرة المتفاقمة.