قصة – بسام مهدي:
في حيّ صغيرٍ من أحياء المدينة، كانت الأسرة تجتمع حول التلفاز مساءً لمشاهدة برنامج المسابقات الشهير” سؤال وكنز”، وفي هذه الحلقة، أعلن المذيع سؤال الجائزة الذهبية الكبرى: “ما اسم الجمل عندما يكون عمره بين 4 – 6 سنوات”؟
توهّجت عينا بسّام، الفتى الذكيّ البالغ من العمر اثني عشر عاماً، وهتف بكل حماس:”إنه القَعُود! القَعُود!”، أرسل الأب الإجابة برسالة نصية دون أن يصدق كثيراً، ولكن لم تمرّ خمس دقائق، حتى رنّ الهاتف، وظهر صوت المذيع نفسه يقول:”مبروك! لقد ربحتم الروبوت الذكي الخارق، واسمه باسبارتو.
لم يصدّق بسّام أذنيه حين أعلن المذيع، وصرخ بأعلى صوته فرحاً: ربحتُ جائزة، “روبوتي الذكي باسبارتو”.
وصل الروبوت في صندوق ذهبيّ، عليه شارة “صُنع بخيال العلماء العرب”، وعندما خرج منه، انحنى بأدب وقال بصوت ودود:”السلام عليكم، أنا الروبوت الذكي باسبارتو .. خادم الأسرة المطيع.
ابتسم الجميع، وظنّ الأب أن الجهاز مجرد لعبة فاخرة، وقفز بسّام فرحاً، وتخيّل لحظات اللعب معه، ومساعدته في دروسه، وربّما حتى صنع مغامرات خيالية لا تنتهي، عانق والديه، وراح يخطط كيف سيُعلّمه الروبوت قراءة الشعر وألعاب الذكاء.
لكن الفرحة لم تدم طويلاً، ففي المساء، اجتمع الأب بأفراد الأسرة، وقال بنبرة حزينة:”يجب أن نبيع هذا الروبوت، علينا ديون كثيرة، وهذه فرصتنا لنرتّب أوضاعنا”.
تحوّلت ملامح بسّام إلى سحابة حزن، وسالت دموعه، وكاد صوته يُختنق، وهو يقول: “لكن، هذا حلمي يا أبي”.
مرّ الليل طويلاً على قلب بسّام، وفي الصباح، استيقظ وفي رأسه فكرة تلمع كبريق النجوم، ركض نحو والده وقال بحماس:”أبي، لا مانع من بيع الروبوت، لكن دعنا نحتفظ به شهراً فقط، دعنا نختبره ونلعب معه جميعاً، ربما نتعلّق به ونجد فيه شيئاً أكبر من ثمنه، “تأمّل الأب ابنه طويلاً، ثم وافق، قائلاً بابتسامة خفيفة: “شهر واحد فقط، يا بسّام”.
وهكذا بدأت الأيام تمضي،وصار الروبوت فرداً جديداً في العائلة، وأصبح يظهر قدراته المدهشة لبسام وأخواته، لين وليمار وشام وسلام، وبرزت أهمية باسبارتو خارج المنزل بإنقاذ قطة عالقة، وكان الربوت يُحضّر الدروس بانتظام، ويعلّمهم ألعاب البرمجة، وصار يُلقي النكات، ويقرأ لهم القصص، ويُذكّرهم بمواعيد الصلاة، ضحكات الأسرة ملأت البيت، ولم يعد أحد يتحدّث عن البيع.
وفي نهاية الشهر، جمع الأب أبناءه وقال:”لقد قررت ألاّ أبيع الروبوت باسبارتو، لأنني أدركتُ أنه ليس مجرّد آلة، بل صار قلباً ينبض بالحياة.
من يدري… ربما القعود لا يكون دائماً جملاً صغيراً، بل أمل يتحول إلى معجزة.