الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
احتشد الآلاف من أنصار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في واشنطن العاصمة للاحتجاج على نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية، بينما تجمعت مجموعات أصغر من المتظاهرين المناوئين في منطقة وسط المدينة لدعم فوز جو بايدن بالرئاسة، ووفقاً لتقارير إعلام أميركية فقد وقعت مناوشات عنيفة بين المتظاهرين المناهضين لترامب والمتظاهرين المؤيدين له استمرت لساعات طويلة.
دائماً كانت واشنطن تعتبر نفسها منارة الديمقراطية والحرية في العالم، ولكن بعد الانتخابات، وبعد رفض ترامب وأنصاره الاعتراف بنتيجتها على أساس أن التصويت غير قانوني وأنّ النتائج مزيفة، أكّد المسؤولون عن التصويت أنه لا يوجد أي دليل يُذكر على تزييف النتائج، فاندلع العنف وانتشرت الفوضى عندما احتشد الآلاف من المؤيدين لكل من الحزبين في الشارع.
قبل الانتخابات، كان من الصعب تخيّل حدوث هذا النوع من الهرج والمرج الذي تلا الانتخابات، والذي لا يُرى عادة إلا في البلدان التي تكون فيها الأنظمة الديمقراطية متخلفة، فهل كان متوقعاً أن يحدث هذا في الولايات المتحدة، أقوى دولة في العالم ومثال الديمقراطية كما يقولون؟ حسب قول شين تشيانغ، نائب مدير مركز الدراسات الأميركية بجامعة فودان، إن الفوضى التي أعقبت الانتخابات ناتجة جزئياً عن الوضع الحالي للمجتمع الأميركي، حيث بدأت تظهر خطورة الانقسامات الاجتماعية فيه، كما يبدو أن أنصار الحزبين مترددين في تقديم أي تنازلات، علاوة على ذلك، فإن ترامب ليس من النوع الذي يعترف بالهزيمة طواعية، وحتى الآن، لم تحترم إدارته القواعد واللوائح المتعارف عليها لتسهيل الانتقال السلمي للسلطة.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال أقوى الدول من حيث الاقتصاد والجيش والتكنولوجيا، إلا أنّ الانقسامات الاجتماعية والمعارك بين الحزبين قد قوّضت القوة الناعمة للولايات المتحدة، ومع استمرار الفوضى التي أعقبت الانتخابات لم تعد الولايات المتحدة قادرة على إعلان أن عمليتها الانتخابية تتفوق على نظيراتها في البلدان الأخرى، وبهذا فإن قدرة الولايات المتحدة على توجيه الانتقادات للانتخابات في بقية دول العالم قد بدأت تتضاءل.
إنّ وجود الآلاف من المؤيدين الذين احتشدوا في الساحات لدعم ترامب يعكس التأثير العميق الذي مارسه هو وقاعدته على السياسة الأميركية على مدى السنوات الأربع الماضية، حيث إن الحزب الجمهوري وقاعدته في قبضة ترامب، وبالتالي سيكون لإيديولوجيته تأثير عميق على حزبه، وستستمر في تشكيل مستقبل الحزب الجمهوري. لذلك يجب على الديموقراطيين القيام بالبحث ولو قليلاً عن سبب حصول ترامب على مثل هذا العدد الكبير من المؤيدين له ولحزبه، وفي المقابل لا يمكن استبعاد أن يحذو بعض الديمقراطيين حذو ترامب في محاولة لكسب تأييد المزيد من الناخبين.
لطالما حرصت الولايات المتحدة على تأجيج نيران المظاهرات في البلدان الأخرى، فعلى سبيل المثال، قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في شهر آب من العام الحالي إنّ الانتخابات الرئاسية في بيلاروسيا “لم تكن حرة ونزيهة”، وأدان بشدة ما سماه “العنف المستمر ضد المتظاهرين واحتجاز أنصار المعارضة”، ومع ذلك فقد أفادت بعض وسائل الإعلام الأميركية أنه تم اعتقال ما لا يقل عن 20 من المتظاهرين المؤيدين لترامب والمعارضين له في الاشتباكات في واشنطن، يأتي هذا كمثال آخر على المعايير المزدوجة التي تنتهجها الولايات المتحدة.
تعتقد معظم دول العالم أن الولايات المتحدة لا تملك الحق في التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، فعندما لا ترضى واشنطن عن نتائج الانتخابات في دول أخرى، فإنها تقوم بفرض عقوبات لممارسة الضغط السياسي عليها، وتتم معارضة هذه التحركات التي تمارسها الولايات المتحدة وبشدة من قبل المجتمع الدولي لأنّه من الواضح جداً أنّ الهدف الأساسي لهذه التدخلات هو فقط مراعاة المصالح الأميركية الخاصة.
وأخيراً، تقف بلدان العالم مراقبة ومنتظرة لترى كيف، وما إذا كانت الولايات المتحدة ستخرج من هذه الفوضى التي أعقبت الانتخابات الرئاسية فيها، والتي استحوذت على اهتمام عالمي كبير. إنّ هذه البلدان لا تتدخل في الشؤون الداخلية للولايات المتحدة، كما تفعل الولايات المتحدة مع الكثير منها، فالتدخلات الأميركية المهيمنة والكارثية طالت عدداً كبيراً جداً من دول العالم.
لا شكّ أنّ المساواة في السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى هو المعيار المعترف به على نطاق واسع في العلاقات الدولية، فلكل بلد طريقته الخاصة في معالجة مشاكله، وذلك بسبب الاختلاف في التقاليد الثقافية والتاريخ، وبالتالي لا يحق للدول الأخرى التلاعب بها.