مؤسسات التمويل الأصغر في دائرة الضوء ومقترح لإحداث صندوق وطني لتمويلها

الثورة – دمشق – محمود ديبو:

ما الذي تحتاجه اليوم المشروعات متناهية الصغر والصغيرة حتى تنهض وتنمو وتستمر، هل هي بحاجة إلى التمويل، أم إلى تسهيلات في التراخيص والضرائب والرسوم، أم تحتاج إلى التسويق والترويج أم إلى توجهات أخرى؟.
سلسلة طويلة من الأسئلة تصب في مصلحة هذه المشروعات، وإذا ما بدأنا بالحديث عن حاجتها إلى التمويل، فما شكل التمويل الذي يناسب مثل هذه المشروعات وقيمته ونوعه، وهل استطاعت مؤسسات التمويل الأصغر التي أحدثت لهذه الغاية أن تؤدي مهمتها في هذا الجانب وتعطي الدعم المنشود لتلك المشروعات عبر قروضها..؟؟
ويبقى السؤال الذي يشغل تفكير البعض من المعنيين بهذا الشأن، وحتى أصحاب تلك المشروعات، أين تكمن الفائدة في إخراج تلك المشروعات من (الظل) بوصفها تمثل (اقتصاد الظل) حالياً، وجعلها تعمل في الضوء وتحت رقابة وإشراف هذه الجهة وتبقى مدينة لمصارف التمويل الأصغر بعد حصولها على القروض المخصصة لها؟.
مثل هذه الأسئلة كانت محور نقاش موسع وعميق تشارك فيه أصحاب العلاقة من عدة وزارات وهيئات تحت رعاية الحكومة، عرض فيه الجميع ما يؤدى من أعمال وخطوات عملية في هذا الاتجاه مع وصف يقارب واقع حال تلك المشاريع وآليات تمويلها والعقبات والصعوبات التي تواجه ذلك ومقترحات الحل لتجاوز تلك الصعوبات.
أقل من الطموح
ولعل أبرز ما كشفت عنه ورشة واقع سوق تمويل المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، حالة من عدم الرضا لدى الجميع عن مستوى الأداء بالنظر إلى حجم الطموح الذي يتطلع إليه الجميع للنهوض بتلك المشروعات والتوسع بها أفقياً وعمودياً، فالممولون أو مصارف التمويل الأصغر لديهم ما يشغل بالهم في هذا الإطار تتلخص في جملة من التحديات منها ما هو مرتبط بالمشروعات نفسها ومنها ما هو مرتبط ببنية العمل المصرفي وخاصة التمويل الأصغر، فالكثير من المشروعات متناهية الصغر ليس لديها تراخيص إدارية ولا سجل تجاري ولا أي وثيقة رسمية لدى الجهات المعنية.
كما أن توزعها الجغرافي على امتداد مساحة القطر وتركز الكثير منها في الأرياف والمدن البعيدة الأمر الذي يحول دون حصولها على التمويل بالنظر إلى عدم وجود فروع أو مكاتب لمصارف التمويل الأصغر في تلك المناطق والأرياف، وكذلك عدم قدرة أصحاب المشروعات على تحمل تكاليف الانتقال والسفر للوصول إلى تلك المصارف أو أحد فروعها.
صعوبات تواجه مصارف التمويل الأصغر
بالمقابل فإن تلك المصارف تواجه مشكلة شح السيولة وارتفاع تكلفة الأموال المستخدمة في التمويل وارتفاع التكاليف التشغيلية لافتتاح مكاتب وفروع لها، وعدم ملاءمة بعض قرارات المركزي لواقع عملها ومنها على سبيل المثال قرار مجلس النقد والتسليف رقم 57 لعام 2022 بحيث يتم تمديد المدد في تصنيف العملاء ضمن المراحل الأولى والثانية وفقاً لتواريخ التوقف عن الدفع والمحددة بقرار مجلس النقد والتسليف المذكور لتصبح من (0- 15) يوم تأخير المرحلة الأولى ومن (15- 30) يوم تأخير المرحلة الثانية.
كذلك تبين من خلال الورشة أن هناك حالة من عدم الثقة لدى أصحاب رؤوس الأموال والشركات في إيداع أموالهم في مصارف التمويل الأصغر، وكذلك عدم وجود خدمات مصرفية تجارية في تلك المصارف لاستقطاب هذه الشريحة من أصحاب رؤوس الأموال أي استقطاب سيولة إضافية، إلى جانب ارتفاع سعر الفائدة، مع الإشارة إلى ندرة الخبرات المصرفية المتخصصة في مجال خدمات الإقراض الأصغر على اعتبار أنه منتج جديد في السوق المصرفية السورية، كذلك عدم كفاية الأموال (السيولة) المتاحة للإقراض في المصارف العامة التي دخلت مجال التمويل الأصغر وارتفاع درجة مخاطر هذه القروض وعدم وجود قاعدة بيانات عن هذه المشروعات وعدم وجود هيئة معنية بتصنيفها، وتخفيض تمويل تلك المشروعات بسبب بعض الضوابط المصرفية.
مقترحات للحل
وحول كل هذا تم عرض جملة من المقترحات والتوصيات من أصحاب الشأن من المصارف المتخصصة بالتمويل الأصغر، ومنها ضرورة إنشاء بنية قانونية وتنظيمية متخصصة بهذا النوع من التمويل وتوفير إحصاءات عن هذه المشاريع.
التوسع بانتشار المصارف
ودعا الرئيس التنفيذي لمصرف الوطنية للتمويل الأصغر حازم الدويري إلى إعطاء المرونة لتلك المصارف، لتحقيق انتشار أوسع عبر مروجين يتواجدون في المناطق البعيدة أو لدى المخاتير لتحقيق التواصل بين المستهدفين من تلك القروض وبين المصارف.
منصة وطنية
المدير التنفيذي لبنك بيمو السعودي الفرنسي للتمويل الأصغر منير هارون اقترح إطلاق صندوق وطني لتمويل مصارف التمويل الأصغر نظراً لشح السيولة، وكذلك إطلاق منصة وطنية للمشاريع متناهية الصغر تهدف إلى التشبيك الصحيح بين أصحاب المشاريع ومصارف قطاع التمويل الأصغر، ومنح أصحاب المشاريع الحاصلين على موافقة تمويل من أي مصرف من مصارف القطاع ترخيصاً مؤقتاً لمدة خمس سنوات (سجل صناعي، تجاري، حرفي، زراعي)، وتسهيل حصول أصحاب المشاريع على ضمانة مؤسسة ضمان مخاطر القروض بعد حصولهم على التراخيص المؤقتة، وتوفير خارطة مشاريع صغيرة ومتناهية الصغر واضحة بمعلومات اقتصادية كافية، والوقوف على حاجات السوق من المشاريع من خلال الطلبات الواردة إلى المنصة، وإحصاء المشاريع وأنواعها وتوزعها الجغرافي بشكل دقيق ما يتيح وضع خطط تنمية مستقبلية عبر أسس صحيحة، وخلق جو إيجابي يتميز بالشفافية والوضوح في الحصول على التمويل المطلوب لأصحاب المشاريع ورواد الأعمال.
الفجوة التمويلية
رئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية الدكتور عبد الرزاق قاسم قال إن الهيئة تعمل على تقديم الدعم للمشروعات متناهية الصغر هذه من خلال منصة ستوفرها لها على موقعها لربطها مع المستثمرين وأصحاب الشركات، أو من يرغب في مشاركة أصحاب المشروعات الصغيرة وتقديم الدعم لهم، بحيث يتم ربطهم مع شريحة واسعة من أصحاب رؤوس الأموال، داعياً في هذا إلى ضرورة تحديد الفجوة التمويلية بين المصارف الممولة من جهة وبين المشروعات متناهية الصغير، من خلال معرفة عدد تلك المشروعات وحجم احتياجاتها من التمويل، بالمقابل معرفة حجم الكتلة النقدية المتوافرة للتمويل، وبالتالي يمكن تحديد الاحتياج الفعلي لدعم تلك المشروعات وبذلك تتحقق الجدوى من عمليات التمويل من خلال التمكن من الوصول إلى كل المشروعات وتقديم احتياجاتها بشكل فعلي.

البنك الشامل
ومن ضمن المقترحات الواردة في هذا السياق رأى شادي العظمة الخبير في مجلس النقد والتسليف ضرورة التركيز على مفهوم البنك الشامل لكن أن يكون متخصصاً بالتمويل الأصغر، وتوفير بيئة تمكينية للمشروعات متناهية الصغر بوصفها قطاعاً واسعاً وتحويل الأفكار إلى أعمال ومشروعات من خلال تبني التكنولوجيا المالية.
تجربة طويلة
بدورها لفتت الدكتورة رائدة أيوب مديرة تنمية المرأة الريفية في وزارة الزراعة إلى أن أهم الصعوبات التي تم رصدها على مدى سنوات طويلة من العمل في تمويل نشاطات المرأة الريفية تتمثل في قصر مدة سداد القروض الممنوحة، وارتفاع سعر الفائدة على القروض، وانخفاض سقف القرض، مشيرة إلى أن التجارب في هذا المجال أثبتت أن الحل يكمن في وجود مصادر تمويل لتلك المشروعات بأمد طويل وبتكاليف اقتراض أقل وإعطاء مدة سماح للسداد وتقديم التسهيلات بتأسيس الأعمال وإعفائها من الضرائب والرسوم وغيرها من التكاليف خاصة في السنوات الأولى من التأسيس.
ضمان مخاطر القروض
مدير عام مؤسسة ضمان مخاطر القروض قيس عثمان أشار إلى أن المؤسسة بدأت بتقديم الضمانات للقروض منذ العام 2022 وخلال العامين الماضيين قدمت المؤسسة ضمانات بقيمة 12 مليار ليرة سورية علماً أن رأسمالها هو خمسة مليارات ليرة بقي ثابتاً لم يتغير منذ تاريخ تأسيس المؤسسة في العام 2016، ولديها تعاون مستمر مع 9 مصارف من أصل 21 مصرفاً تعمل في السوق المصرفية السورية، والمؤسسة تحتاج اليوم لأن يكون رأسمالها 150 مليار ليرة على الأقل لتستطيع القيام بواجباتها على أكمل وجه وتعطي الضمانات المطلوبة للقروض.
منصات التمويل الجماعي
الدكتور سليمان موصللي الأستاذ المساعد في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق تحدث عن تجارب عربية في هذا المجال اعتمدت مبدأ التمويل الجماعي الذي يتم عبر منصات مرخصة على الانترنيت تقوم بتأمين التمويل للمشروع من عدد كبير من الأشخاص والشركات أو الجهات الراغبة بتقديم الدعم لتلك المشروعات، كذلك هناك شكل جديد بدأ يعتمد في عدد من الدول بعيداً عن التمويل المصرفي هو (سوق الشركات الواعدة)، إلى جانب ذلك يوجد بنوك التنمية الخاصة بتمويل المشروعات الصغيرة، وعليه اقترح الموصللي إحداث منصات تمويل جماعي تدار عبر الجمعيات والصناديق الجماعية، ومنصات تمويل جماعي تدار من قبل غرف التجارة والصناعة والزراعة والسياحة إلى جانب إحداث صندوق للتنمية، وشركات وصناديق الاستثمار الجريء.
بيئة رقمية
بدوره تحدث الدكتور خليل عجمي رئيس الجامعة الافتراضية السورية ضرورة اعتماد البيئة الرقمية في عمل مصارف التمويل الأصغر ودورها في تمكين إدارات المصارف من اتخاذ القرارات بدقة أعلى بما يحقق الهدف المرجو من عملها، واعتماد المنصات الرقمية في تأمين التمويل لتلك المشروعات، مع الدعوة لتجاوز المشكلات التي تواجه التحول الرقمي حالياً في سورية والمتمثلة بعدم رغبة الكثير من الأفراد بالتعامل مع المصارف إلى جانب الهشاشة المالية التي يعاني منها شريحة من الأفراد، ودعا إلى الخروج من عقلية إجبار المستهلك على الاستخدام القسري للتكنولوجيا المالية، وتوفير تطبيقات تعتمد على التكنولوجيا المالية وتيسيرها وتسويقها بشكل احترافي لإقناع الأفراد بالتعامل معها وتسهيل الحصول على التجهيزات اللازمة لذلك.

آخر الأخبار
الإمارات تستأنف رحلاتها الجوية إلى سوريا بعد زيارة الشرع لأبو ظبي الاحتلال يواصل مجازره في غزة.. ويصعد عدوانه على الضفة مصر والكويت تدينان الاعتداءات الإسرائيلية وتؤكدان أهمية الحفاظ على وحدة سوريا بعد أنباء عن تقليص القوات الأميركية في سوريا..البنتاغون ينفي إصلاح محطة ضخ الصرف الصحي بمدينة الحارة صحة اللّاذقية تتفقد مخبر الصحة العامة ترامب يحذر إيران من تبعات امتلاك سلاح نووي ويطالبها بعدم المماطلة لكسب الوقت  الأونروا: إسرائيل استهدفت 400 مدرسة في غزة منذ2023 صحة طرطوس تستعد لحملة تعزيز اللقاح الروتيني عند الأطفال الأونكتاد" تدعو لاستثناء اقتصادات الدول الضعيفة والصغيرة من التعرفات الأميركية الجديدة إصلاح المنظومة القانونية.. خطوة نحو الانفتاح الدولي واستعادة الدور الريادي لسوريا التربية تباشر تأهيل 9 مدارس بحماة مركز لخدمة المواطن في سلمية الاستثمار في المزايا المطلقة لثروات سوريا.. طريق إنقاذ لا بدّ أن يسير به الاقتصاد السوري أولويات الاقتصاد.. د. إبراهيم لـ"الثورة": التقدّم بنسق والمضي بسياسة اقتصادية واضحة المعالم خبراء اقتصاديون لـ"الثورة": إعادة تصحيح العلاقة مع "النقد الدولي" ينعكس إيجاباً على الاقتصاد المحلي في ختام الزيارة.. سلام: تفتح صفحة جديدة في مسار العلاقات بين لبنان وسوريا  محافظ اللاذقية يلتقي مواطنين ويستمع إلى شكاويهم المصادقة على عدة مشاريع في حمص الأمن العام بالصنمين يضبط سيارة مخالفة ويستلم أسلحة