الثورة أون لاين – ترجمة ليندا سكوتي:
انبرت العديد من وسائل الإعلام لنشر مقالات حول رغبة تركيا بتعزيز وتوثيق علاقاتها مع “إسرائيل”، الأمر الذي تطرق إليه موقع نيوإيسترن لمرات متعددة مع إجراء تقييم للروابط بينهما وتسليط الضوء على قضية محددة ألا وهي: تركيا وإسرائيل حليفان أم عدوان؟
شهدت العلاقات التركية – الإسرائيلية مداً وجزراً على مدى العقود الماضية، لكن ورغم بعض الخلافات عقب قتل “اسرئيل” 10 نشطاء أتراك على متن سفينة في مرمرة لكسر طوق الحصار المفروض على غزة ودعم الفلسطينيين عام 2010 وسحب السفراء لاحقاً إلا أن العلاقات الخفية كانت مستمرة، ولم يعد خافيا على أحد سعي الطرفين للحفاظ على العلاقات الاقتصادية ومن بينها شركات الإعمار التي تنخرط ببناء المستوطنات الإسرائيلية على أراض فلسطينية منذ تسعينيات القرن الماضي، فضلا عما تبذله شركات تركية ومنها مجموعة يلمازلار للإنشاءات من جهود لترسيخ علاقاتها مع “إسرائيل” منذ عام 2002.
أما بالنسبة لـ”إسرائيل”، فإنها ترى بتركيا مصدراً هاماً لتدفق الأموال لكونها أحد مراكز التجارة العالمية وموقع استراتيجي حيوي يمكنها من السيطرة على الشرق الأوسط، الأمر الذي يفسر الخطوات الإسرائيلية للموافقة على إجراء اتصالات سرية مع تركيا وكان أخرها التواصل بين رئيس جهاز المخابرات التركية حقان فيدان ومسؤولين إسرائيليين في محاولة تركية لتطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، ووفقا لما ذكرته مصادر مطلعة فإن الهدف من هذه الاتصالات وغيرها عودة العلاقات بين تركيا و”إسرائيل” والمباشرة بتبادل المبعوثين بينهما.
وفي هذا السياق، ذكرت جريدة ذي جيروزاليم بوست بأن ما تتطلع إليه تركيا لا يقتصر على إقامة علاقات ودية مع “إسرائيل” واليهود، بل إنها ترمي للحصول على مكاسب ومزايا من إدارة جو بايدن، وتواصل الصحيفة القول: “سبق لأنقرة اتباع هذا النمط مع “إسرائيل”.. ومن غير الواضح ما إذا كانت الأخيرة ستتعاطى مع تركيا وتضرب صفحا عن علاقتها مع بعض الفصائل الفلسطينية”.
وبعد نشر تلك المقالة بيوم واحد قدمت أنقرة عرضا لمصالحة “إسرائيل” وإنهاء النزاع بينهما، إذ كتب الأدميرال المتقاعد وأستاذ العلوم السياسية المقرب من إردوغان سيهات ياسي مقالاً في شهر كانون الأول الحالي بمجلة تركيا سكوب الشهرية التابعة لمركز موشيه ديان في جامعة تل أبيب، قدم فيه اقتراحاً يقوم على إيجاد حل للحدود الاقتصادية البحرية بين “إسرائيل” وتركيا وذلك مقابل تقليص مصالح قبرص التي تدهورت علاقاتها مع أنقرة مؤخرا نتيجة التوسع التركي في شرق البحر المتوسط، وعلق على تلك المقالة رئيس تحرير تركيا سكوب الدكتور هاي إيتان كوهين ياناروجاك، الحاصل على دكتوراة في الدراسات الشرقية بالقول: “من الضرورة بمكان استعادة الثقة المتبادلة وإعادة التمثيل الدبلوماسي لرفع مستوى العلاقات الإسرائيلية-التركية وإجراء تطبيع حقيقي بين الطرفين”.
يتمثل جوهر المقترحات التركية بإنشاء منطقة اقتصادية بحرية تقع بين تركيا و”إسرائيل” على حساب قبرص، وإعادة ترسيم المناطق الاقتصادية البحرية، إذ تسعى أنقرة إلى اللعب على واقع الخلاف بين “إسرائيل” وقبرص بشأن المناطق الحدودية على الرغم من الاتفاقات المبرمة بينهما، وبما أن الأمر يتعلق بالمياه الاقتصادية حيث يوجد على الجانب القبرصي حقل غاز أفروديت الذي يحوي على 100 مليار متر مكعب من الغاز تعادل 9 مليار دولار، تقدم أنقرة الترسيم الجديد للحدود البحرية هدية باهظة الثمن إلى “إسرائيل” شريطة أن تقتصر الأخيرة في تعاملاتها التجارية على تركيا ووقف تعاطيها مع قبرص.
يرى الأدميرال ياسي أنه يجب على “إسرائيل” عدم مد خط أنابيب الغاز إيست ميد باهظ الثمن إلى اليونان عبر قبرص، بل يجب ربطه بالأنابيب التركية لإمداد الغاز إلى أوروبا، تلك العملية التي تعد أيسر وأرخص تكلفة، وذلك في إشارة واضحة إلى “ممر الغاز الجنوبي” الذي يمتد من أذربيجان ويمر عبر تركيا، والجدير بالذكر أن أنقرة كانت قد وقعت في وقت سابق اتفاقية مشابهة مع حكومة السراج في طرابلس على حساب اليونان الأمر الذي لم يثر حفيظة أثينا فحسب، بل بروكسل والقاهرة و”إسرائيل” أيضا علما بأن الأدميرال التركي هو من اقترح فكرة إبرام تلك الاتفاقية مع حكومة السراج .
كما علقت وسائل إعلام إسرائيلية على مقترح ياسي بأنها المرة الثانية التي تقدم بها تركيا عرضا يتعلق بقطاع الطاقة خلال الشهور الأربعة الأخيرة في محاولة منها للتفاوض على عقد هدنة مع “إسرائيل”، وتتجلى عملية التقارب التركي من خلال تكثيف الاتصالات بين الممثلين السريين للجانبين، فضلا عن وقف إردوغان نفسه لانتقاداته العلنية الموجهة “لإسرائيل” على مدى الأشهر المنصرمة.
رأى مراقبون إسرائيليون أن اتفاقية الحدود البحرية المقترحة على “إسرائيل” ليست سوى “مناورة تركية”، لكن هذا الاتفاق قوبل على نحو سلبي في دوائر الخبراء الإسرائيليين، ولاسيما في ضوء التحذيرات مما قد يفضي إليه هذا الاتفاق من نزاع بين “إسرائيل” وكل من قبرص واليونان، فضلا عن إثارة حفيظة الإمارات العربية المتحدة وحاكمها الرسمي ولي العهد محمد بن زايد الذي أبرم مؤخرا اتفاقية دفاعية مع اليونان، وفي ذات الوقت فإنه من غير المستبعد أن تقود التوترات القائمة بين الإمارات وأردوغان وشركائه في قطر إلى توترات بين ” إسرائيل” وأبو ظبي.
في ضوء هذه الظروف، يرى خبراء بأن “إسرائيل” سترفض عرض الاتفاقية التركية المقترح وخيانة حليفتها قبرص، الأمر الذي يثير الشكوك في مدى نجاح “المقامرة التركية”، كما تبدي “إسرائيل” إصرارا في تغير أنقرة لنهجها حيالها، وذلك بالتوقف عن الترويج لنزع الشرعية عنها في نظر الشعب التركي، وضرورة إنهاء علاقتها مع بعض الفصائل الفلسطينية، إذ ترى “إسرائيل” بأنه في حال عمد أردوغان لاتخاذ الخطوات المنوه عنها فإنها ستعمل على إعادة العلاقات الرسمية ذات المنفعة المتبادلة التي كانت سائدة بينهما في السابق.
New Eastern outlook