الثورة اون لاين – سلوى الديب:
” التخيّل من العمليّات والقدرات المعرفيّة الراقية، التي ينفرد بها الإنسان عن سائر الكائنات الأخرى، حيث يستمدّ من هذه القدرة قوّته وأحلامه وأهدافه، فمن التخيّل والإبداع صنع الإنسان كلّ مبتكراته وإنجازاته..” بهذه الكلمات أستهل محاضرته الباحث محمود نقشو في فرع حمص لاتحاد الكتاب العرب من خلا ل محاضرة بعنوان “الخيال الجامح بين العلم والأدب وهو يعرّف الخيال بأنّه القدرة العقليّة على التجريب واستكشاف الجديد، والبناء والتشكيل والمحاكاة والربط باستخدام صور ذهنيّة تحاكي الطبيعة، وإن لم تعبّر عن شيء موجود في الواقع، وهو القوّة التي تحرّك المخيّلة والإبداع والرؤى والفكر، ويؤسّس من ثمّ للفرضيّات، ويختلف عن (المخيّلة) التي تستحضر الصور الذهنيّة التي تسجّلها الذاكرة، وتتصرّف بها بالتركيب والتحليل والزيادة والنقصان والحذف والدمج، لتنتج تركيبة جديدة، معقولة أو غير معقولة حدّ الغرابة، فتغدو عندها (فانتازيا fantasia).
ومن تعريفات الخيال أنّه قدرة المبدع على إسقاط مشاعره على موقف أو شخصيّة أو مكان أو فكرة، إسقاطاً ينتج من التفاعل المتعاطف مع أيّ منها، وهو الملكة التي تمكّن الذهن من إبداع رموز للمفهومات المجرّدة، والمرادف الشعريّ أو الفنيّ للحدس الصوفيّ.
قد يبدو للمراقب العاديّ أنّ الخيال من صفات الشعراء، وخصائص فنّهم ومرابع سياحتهم؛ فـ (وادي عبقر) الذي تنسب إليه شطحاتهم الغنيّة بالوجدان، والمفعمة بالتخيّلات، والنابضة بالمفردات، لكنّ الحديث هنا عن خيال ليست مرجعيّته (وادي عبقر)؛ بل هو أقرب إلى (وادي السليكون)؛ وهو خيال له مواصفاته الدقيقة، وضوابطه الصارمة.
وأضاف : من أبرز المعالم التي ينبغي أن تؤصّل لها الثقافة العلميّة مصطلح (المنهج العلميّ )، وهو المنهج المظلوم في الأدبيّات العربيّة تعريفاً واستيعاباً واستخداماً، فقد أُسيء إليه كثيراً ، بحيث استطاع (العقل العربيّ) بما أوتي من فصاحة وبلاغة وخيال ورومانسيّة أن يطوّعه لأحلامه وأمنياته وأوهامه؛ ولكن الحقيقة المستعصية على هذا العقل أنّ لهذا المنهج ضوابطه الصارمة، وله شقّان متفاعلان ومتلاحمان: التجريب، والمنطق الرياضيّ ؛ ولكلّ منهما حواف حادّة من الانضباط والتدقيق لا تسمح للأهواء والأمزجة والتحيّزات والرومانسيّة أن تعبث بالقول والفعل والقرار والنتيجة، وهكذا يتّضح أنّ للمنهج العلميّ خصائصه وضوابطه.
وتساءل نقشو: لكن ما قصّة تقنيّة (النانو)؟
تبدأ هذه القصّة بالخيال العلميّ، ويتأصّل الخيال العلميّ في عالم (النانو)، ويستمرّ معه في مسيرته؛ أمّا البداية فهي مع تلك الرحلة التخيّلية التي قام بها أحد أبرز ثلاثة في علم الفيزياء قبل أكثر من مائة وخمسين عاماً، وهو الفيزيائيّ الأسكتلنديّ (جيمس ماكسويل)، فقد أجرى تجربة ذهنيّة، تخيّل فيها مخلوقاً (ذريّاً) يقف حارساً على بوّابة ذريّة، تفصل بين وعاءين يحتويان على غاز؛ يقوم هذا المخلوق بمنع ذرّات الغاز النشطة من اجتياز البوابة، والسماح لتلك الأقلّ نشاطاً بعبورها، لينتهي الأمر بتنظيم جزيئات الغاز بحيث تجتمع الذرّات النشطة في وعاء، وتبقى الذرات الأقلّ نشاطاً في الوعاء الآخر …
وأخيراً: كانت المحاضرة غنية بالمعلومات والحضور لافتاً حيث غصت القاعة بالأدباء والمهتمين بالأدب والثقافة..
