الثورة أون لاين – ترجمة بتصرف ليندا سكوتي:
تعتمد السياسة الخارجية للرئيس بايدن على كون “الليبرالية العالمية الحديثة” أساساً لها، إذ قال في مؤتمر ميونخ بأن “الديمقراطية ستسود، بل ويجب أن نعمل على أن تسود”، مضيفاً بأن “تلك المهمة هي التي تحفزنا”، ما يعني مواجهة تهديدات الديمقراطية أينما وجدت، واستطرد بأن “التحديات مع روسيا تختلف عن التحديات مع الصين، ولكنها في الحالتين حقيقية تماماً”، بينما نجده يواصل “الحروب الأبدية” ويأمر بوقف تقليص عدد القوات الأميركية في أوروبا، إلى جانب فرضه عقوبات على الحكومة العسكرية الجديدة في ميانمار، واتخاذ نهج متشدد حيال كوريا الشمالية وغيرها من القرارات الأخرى.
ربما كان من الممكن الدفاع عن اتباع تلك المقاربة منذ عقود، عندما كانت الولايات المتحدة متفوقة بثرواتها على العديد من الدول العظمى، أو في عام 1999 وما قبله، وقبل صعود الصين وحروب الاستنزاف في الشرق الأوسط والتداعيات الكارثية الناجمة عن الأزمة المالية، إلا أنه يتعذر اتباع ذات السياسة في يومنا هذا.
لأول مرة منذ القرن التاسع عشر، لم تعد الولايات المتحدة الاقتصاد الأول عالمياً، فقد برز تفوق الاقتصاد الصيني بكل المقاييس، لكونه آخذ بالنمو على نحو متسارع مقارنة بالاقتصاد الأميركي، حتى في أعقاب كوفيد 19، علاوة على ذلك تتراجع نسبياً ثروة حلفاء أميركا التقليديين وقوتهم، وفي غضون ذلك تواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها تحديات متعددة تتمثل بروسيا وإيران وكوريا الشمالية، إلى جانب العديد من المشكلات الأخرى على غرار الإرهاب والأوبئة والتعافي الاقتصادي والتغير المناخي.
في ضوء تلك المعطيات، يجب على أميركا التركيز على ما يجب أن تكون عليه سياستها الخارجية، وهذا يعني، بعيداً عن فكرة الدفاع عن أنفسنا من أي هجوم، فإنه يجب علينا التأكد من قدرتنا على تحديد مستقبلنا دون اللجوء إلى ممارسة أي عنف خارجي، وإمكانية التجارة والاستثمار وراء البحار ما يفضي إلى تعزيز ازدهار بلادنا على نحو واسع، ولكن دولة مثل الصين قد تستبعدنا عن الأسواق الرئيسة إلى جانب توظيفها مزايا نموها وقوتها للهيمنة على معيشتنا.
وفي هذا السياق، فقد سئمت الدوائر الانتخابية في كل من اليسار واليمين من الفرضية القائلة بأن السياسة الخارجية للولايات المتحدة يجب أن تلتزم بتحقيق الديمقراطية والتنمية في جميع أنحاء العالم، ولا سيما في ضوء فشل “الليبرالية العالمية” لكلا الحزبين في توفير القوة والازدهار لإتاحة الفرصة أمام بناء مستقبلنا.
إننا بحاجة إلى الاهتمام بمصالح الولايات المتحدة في عالم تنافسي ومنافس لنا، لذلك فإن ما يسمى بـ “السياسة الواقعية” باتت فرضية عفا عليها الزمن، وإزاء هذا الواقع، يجب علينا التركيز على القضايا ذات الأهمية والعمل مع الآخرين الذين يشاركوننا اهتماماتنا ومصالحنا.
لقد باتت الصين كياناً أكثر أهمية من الولايات المتحدة في النظام العالمي، وفي حال سيطرتها على آسيا، التي تعد السوق العالمية الأكبر، فعندها ستكون بكين متفوقة عالمياً، ومن المرجح أن تستخدم قوتها في تضييق الخناق على الولايات المتحدة وإضعافها، وخاصة في حال اتجهت نحو أستراليا وتايوان ودول أخرى.
بتقديرنا ينبغي على الولايات المتحدة التعاون مع الجهات التي تساهم في تنفيذ الأهداف الأميركية، ويبدو أن فريق بايدن يراهن بأن الدول الديمقراطية ستصطف في صراع عالمي ضد ما سماه وزير الخارجية أنطوني بلينكن “الاستبداد التكنولوجي”، لكن من غير المرجح أن نشهد مواءمة واسعة النطاق بين تلك الدول، وعلى سبيل المثال، أوضحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، من خلال إبرام اتفاقية استثمار كبيرة مع بكين (قبل فترة وجيزة من تنصيب بايدن) ميلها نحو “نظام دولي قائم على القواعد” يترافق مع السعي لتحقيق المصلحة الذاتية، علاوة على ذلك، فثمة العديد من الديمقراطيات، وخاصة في أوروبا، لا تشارك الولايات المتحدة فيما ذهبت إليه من تصورات بشأن العديد من التهديدات.
لأول مرة منذ زمن طويل، لم تعد الولايات المتحدة الدولة المهيمنة، لذلك لا يجب استنزاف ثروتنا وعزيمتنا، ولا أن نبدد قوتنا في صراع إيديولوجي عالمي غير مجدٍ.
المصدر واشنطن بوست