الثورة أون لاين- حسين صقر:
الإنترنت كالدواء إن أحسنا استخدامه، عاد بنتائج كثيرة جيدة، وإن تصرفنا به بشكل عشوائي، سيفاقم المرض ويتسبب بأعراض وآلام جانبية لا تحمد عقباها، وما تركته الشبكة العنكبوتية من أثر في حياتنا يستحق الوقوف، ولاسيما بعد تعدد الوسائل المستخدمة عليها، والألعاب والبرامج والمواقع والتطبيقات وغيرها.
وبالنسبة للألعاب الإلكترونية، فقليلة هي الأيام التي تمر دون أن نسمع عن حادثة مأساوية هنا وأخرى هناك نتيجة رغبة الأطفال بالمحاكاة والتقليد، وهو ما تسبب بقلق لدى الأهالي بأن ما يتعرض له أبناؤهم قد يؤدي إلى مشكلات يصعب السيطرة عليها.
قبل أيام تناقلت صفحات التواصل الاجتماعي “الفيس بوك” خبر انتحار أحد الأطفال في محافظة السويداء بعد متابعته لما يسمى لعبة مريم، وهذه الحادثة ليست الأولى، إذ إننا سمعنا الكثير عن محاولات انتحار، تمت السيطرة عليها، والبعض الآخر منها كان محققاً، في الوقت الذي يعلم فيه مروجو تلك الألعاب، أن ما يبثونه قد يؤدي إلى هذه النتائج الكارثية، لكن أمام حصادهم للأرباح الخيالية التي يحصلون عليها من وراء تلك الألعاب يعمون بصائرهم عن تلك النتائج، ولايهمهم بالنتيجة ما يتسببون به من تصدع للمجتمع وآلام أو أحزان.
وأولئك يبررون بأن تلك الألعاب مخصصة للتسلية، دون إدراك لمخاطرها، ولاسيما أنهم لا يركزون على برامج توعية خاصة في هذا الخصوص ويتركون الحبل على الغارب للمتابع، مايجعلنا نشك للحظات بأن هناك من يقف خلفها ويستهدف مجتمعاتنا من ورائها بقصد الإكثار من حالات الانتحار والأمراض النفسية التي تؤدي بالنتيجة لنفس الهدف، وزرع الخوف والرعب في أوساط المراهقين وإضعاف ثقتهم بنفسهم والسيطرة على عقولهم، عبر ترك مجموعة من الهواجس والمخاوف في قلوبهم وعقولهم، ودفعهم إلى الاكتئاب والنكوص والتوحد، وجرهم فيما بعد لغايات أخرى يطول الحديث عنها.
وفي هذا السياق يؤكد الدكتور أنور مسعود الاختصاصي في الأمراض النفسية: إن مضار هذه الألعاب ومخاطرها جسيمة، و تؤدي إلى الانتحار فعلاً، موضحاً أن الإنترنت حقق قفزات كبيرة في السرعة ليواكب الطلبات المتزايدة على استخدامه، لكن سوء استخدام تقنياته يجعلنا نندم في أحيان كثيرة على اتخاذنا قرار إدخاله المنازل، وبالنسبة للأطفال تحديداً، فنفسية الطفل والمراهق تتأثر بما يشاهده عبر الألعاب الإلكترونية العنيفة وشاشات التلفزيون، إذ يتولد لديه شعور بالجبن والإحساس بالخوف من كل شيء، فتهتز ثقته بنفسه. وقد يميل إلى العنف والعدوانية وتقليد ما يشاهده نتيجة التصاقه الشديد بتلك الألعاب، الأمر الذي قد يؤثر سلباً على سلامته وسلامة من حوله.
وأضاف مسعود أولاً بأول سوف نلاحظ ميله نحو العزلة، ورغبته في اللعب بمفرده، وسوف نجده يقضي ساعات لاحصر لها أمام شاشة الحاسب أو الرائي ليشاهد ألعاب الفيديو منفرداً، وقد تنعدم رغبته في الذهاب إلى النادي أو التدريب أو التفاعل مع أصدقائه باللعب أو التحدث معهم. الأمر الذي يُفقده حياته الاجتماعية بالتدريج، ويقلل من فرص خروجه واندماجه مع المجتمع وتكوين صداقات جديدة، وهو ما ينعكس سلباً على شخصيته فيما بعد، وقد يجعله أكثر شعوراً بالوحدة وميلاً لها، وأنه شخص غير مرغوب فيه.
وأوضح الدكتور المختص أن ظاهر تلك الألعاب الترفيه، وباطنها يُخفي الخطر، ولهذا أدعو لعدم التساهل في مراقبة أجهزة الأبناء، وذلك بعد سماعنا عن وفاة ذلك الطفل انتحاراً بسبب لعبة على جهازه الإلكتروني، وما سبقها من محاولات عند غيره.
وأدعو أو أناشد أولياء الأمور أن يكونوا على إلمام بما تحتويه أجهزة أبنائهم من تطبيقات وبرامج، خصوصاً أن منها ما يشجع على تلك الأفعال وغيرها عبر وسائل مختلفة.
وختم مسعود بالقول ان بعض الأبناء يتذمرون من المراقبة لأنهم لايدركون ما يفعلون وتأخذهم العواطف والغرائز، ولهذا حتى لو أبدوا انزعاجهم فلا ضير من الإصرار على تلك المراقبة عبر النقاش الهادئ والمقنع.