الثورة – جاك وهبه:
في مشهد يكشف عمق الخراب الذي تركه النظام البائد، أعلنت الحكومة السورية عن صدمتها بعد اكتشاف تضخم غير مبرر في أعداد العاملين في المؤسسات الحكومية مقارنة بالأعداد الفعلية على الأرض، ما يعد دليلاً دامغاً على الفساد الإداري الكبير والاختلالات الهيكلية التي كانت تهيمن على سياسات الإدارة السابقة، إذ تبين وجود أسماء وهمية لأشخاص يتقاضون رواتب ضخمة من دون أن يخطو أحدهم خطوة في أماكن عملهم، مما يفضح التراخي والفساد الذي ضرب مؤسسات الدولة.
ثقافة المحسوبيات
ما لا يمكن تجاهله هو أن هذا الفساد لم يكن مجرد حالات فردية، بل كان جزءاً من سياسة ممنهجة اتبعها النظام البائد، حيث زرع ثقافة المحسوبية والواسطات في كل مفصل من مفاصل الدولة، فقد كان يتم منح المناصب بناء على العلاقات الشخصية بدلاً من الكفاءة والأداء، ما أدى إلى تضخم أعداد الموظفين الوهميين الذين يتقاضون أموالاً طائلة بلا مقابل، وبالتالي خلقت هذه الفوضى الهيكلية بيئة مثالية لاستمرار الفساد، مما أضعف القدرة على تحسين الأداء الحكومي واستعادة الثقة في المؤسسات العامة.
تحسين الظروف
هذا الهدر الكبير للموارد لا يضر بالخزينة العامة فحسب، بل يؤثر بشكل بالغ على التنمية الاقتصادية في البلاد، فقد كان من الممكن توجيه هذه الأموال إلى مشاريع حيوية تسهم في تحسين الظروف المعيشية للمواطنين، لكن بدلاً من ذلك تم تبديدها في رواتب لأشخاص لا يقدمون أي إضافة حقيقية.
كما أن هذا الفساد لم يكن قضية مالية فحسب، بل له آثار مدمرة على فعالية المؤسسات وأدائها، وأسهم هذا الهدر في تعزيز الفجوة الاجتماعية، وتم تهميش الكفاءات الحقيقية، بينما تم الإبقاء على شبكة من الموظفين الوهميين الذين لا يعملون سوى على خدمة مصالحهم الشخصية.
تجاهل
ما يزيد الطين بلة هو أن النظام البائد كان يتعامل مع هذه الظواهر إما بتجاهل أو تواطؤ، بل كان يساهم في تكريسها لتلبية مصالح شخصية أو سياسية، وتحولت المؤسسات الحكومية إلى أداة للاستغلال ولإرضاء فئات محدودة على حساب مصلحة الشعب، حيث كان يُنظر إلى التعيينات في المناصب العامة كمكافآت للموالين للنظام البائد بدلاً من أن تكون فرصة لخدمة المواطنين وتطوير البلاد.
إصلاح المؤسسات
اليوم، تواجه الحكومة الحالية تحدياً هائلاً يتطلب جهوداً مضاعفة للتصدي للآثار العميقة التي خلفها النظام البائد، والعمل على إصلاح الخراب الذي طال المؤسسات الحكومية بسبب السياسات الفاسدة والإدارة الفاشلة، فإصلاح هذه المؤسسات يتطلب أكثر من تغييرات شكلية أو محاولات تجميلية، فهو يحتاج إلى إرادة حازمة تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وتعمل على إزالة الفساد بكل أشكاله، كما يجب استبدال ثقافة المحسوبية والواسطات التي دمرت كفاءة النظام الوظيفي، لتضمن بناء نظام إداري أكثر نزاهة وفاعلية يخدم مصلحة المواطن أولاً وأخيراً.
#صحيفة_الثورة